
وقال عطاء عن ابن عباس: آيات الله، ما ذكر من الثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه، والحكمة حدود الله ومفترضاته (١).
وقال غيره: آيات الله القرآن، والحكمة النبوة، وهي في بيوتهن. ونحو هذا قال قتادة في قوله: ﴿آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ قال: القرآن والسنة (٢). وهذا حث لهن على حفظ القرآن ومذاكرتهما (٣)؛ للإحاطة بحدود الشريعة. والخطاب وإن اختص نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فغيرهن داخل فيه، فإن كثيرًا من الخطاب يختص لفظه ويعم معناه. قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ أي بأوليائه. ﴿خَبِيرًا﴾ بجميع خلقه، قاله ابن عباس. وقال مقاتل: لطف علمه إن خضعن بالقول خبيرًا به (٤).
٣٥ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ اختلفوا في سبب نزول هذه الآية؛ فروى قابوس عن ابن عباس قال: قالت النساء للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ماله ليس يذكر النساء، [فأنزل الله إلا المؤمنين وليس يذكر المؤمنات (٥) بشيء] (٦) فأنزل الله هذه الآية (٧).
وقال مجاهد: قالت أم سلمة: يا رسول الله يذكر الرجال ولا يذكر
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٩،"تفسير البغوي" ٣/ ٥٢٩، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٤٩.
(٣) لعل مراد المؤلف أن الضمير يعود إلى القرآن والسنة.
(٤) "تفسير مقاتل" ٩١ أ.
(٥) في (ب): (المؤمنين منات)، وهو خطأ.
(٦) ما بين المعقوفين يظهر أنه زيادة.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ١٠، وذكره السيوطي في "الدر" ٦/ ٦٠٨، وزاد نسبته للطبراني وابن مردويه عن ابن عباس.

النساء، فأنزل الله هذه الآية (١).
وقال الكلبي ومقاتل: إن أم سلمة وأنيسة بنت كعب (٢) أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالتا: يا رسول الله ما نرى ربنا يذكر النساء في شيء من كتابه، إنما يذكر الرجال بالفضيلة والجزاء نخشى أن لا يكون فيهن خير ولا لله فيهن حاجة، فنزلت هذه الآية (٣).
وقال عكرمة: أتت أم عمارة الأنصارية للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى للنساء (٤) يذكرن بشيء، فنزلت هذه الآية (٥).
وقال مقاتل بن حيان: لما رجعت أسماء (٦) بنت جحش من الحبشة
(٢) هي: أنيسة، ويقال نسيبة بنت كعب، أم عمارة، هي التي قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما لنا لا نذكر بخير فأنزل الله هذه الآية.
انظر: "الإصابة" ٤/ ٢٤١، "أسد الغابة" ٥/ ٤٠٧.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٢ أ، وذكره الثعلبي ٣/ ٩٩ أ، عن مقاتل أيضًا ولم أقف على من نسبه للكلبي.
(٤) هكذا في النسخ! والصواب: النساء.
(٥) انظر: "القرطبي" ١٤/ ١٨٥ ونسبه للترمذي عن أم عمارة.
(٦) هكذا في المخطوط! والصحيح أنها بنت عميس، وهي: أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث الخثعمبة من خثعم، وكانت رضي الله عنها من المهاجرات إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب، وقد ولدت منهم جميعًا.
انظر: "الاستيعاب" ٤/ ٢٣٠، "الإصابة" ٤/ ٢٢٥، "أسد الغابة" ٥/ ٣٩٥.

مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت عى نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا. فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن النساء لفى خسة وخسار. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومما ذاك؟ " قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال، فأنزل الله هذه الآية (١).
وقال قتادة: لما ذكر الله نساء النبي دخل نساء من المسلمات عليهن فقلن: ذكرتم ولم نذكر، فأنزل الله هذه الآية (٢).
وقال الفراء: الخطاب إذا ورد بلفظ التذكير اشتمل على الذكور والإناث جميعًا، فإذا قيل المسلمون والمؤمنون كانت الإناث في جملتهم، غير أنهن أردن أن يخصصن بالذكر ويذكرون باللفظ الخاص لهن فذكرهن لذلك، هذا معنى كلام الفراء (٣).
٣٥ - وقوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ قال ابن عباس: يريد الذين أسلموا في الظاهر والباطن ولم يعدلوا به شيئاً، وسلم جميع الخلق من غشهم، وأحبوا للناس ما أحبوا لأنفسهم، وكانوا لليتيم مثل الأب، وللأرملة مثل الزوج، ونصحوا لله في أنفسهم وفي خلقه (٤).
وقال مقاتل: يعني المخلصين بالتوحيد (٥).
(٢) انظر: "تفسير السمرقندي" ٣/ ٥٠، "تفسير الطبري" ٢٢/ ١٠، "زاد المسير" ٦/ ٣٨٤.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٤٣.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٢ أ.

وقال عطاء [من] (١) فوض أمره إلى الله فهو داخل في قوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ (٢).
قال ابن عباس: يريد الذين صدقوا بتوحيد الله وبما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- وصدقوا بالبعث والثواب والعقاب (٣).
وقال مقاتل: يعني المصدقين بالتوحيد والمصدقات (٤).
وقال عطاء: من أقر بأن الله ربه ومحمدًا رسوله ولم يخالف قلبه لسانه، فهو من هذه الجملة (٥).
وقوله: ﴿وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: المطيعين لله فيما افترض وأمر ونهى والمطيعات (٦).
وقال عطاء: من أطاع الله في الفرض والرسول في السنة فهو من هذه الجملة (٧). ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ قال ابن عباس: في المواطن وفيما نذروا لله وفيما ساءهم وسرهم (٨).
وقال مقاتل: ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ في إيمانهم (٩).
وقال عطاء: من صان قوله عن الكذب فهو من هذه الجملة (١٠).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ أ، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٢أ.
(٥) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ أ، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.
(٦) انظر: "تفسير ابن عباس" ص ٤٢٢، "تفسير مقاتل" ٩٢ أ.
(٧) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ ب، "تفسير البغوى" ٣/ ٥٣٠.
(٨) لم أقف عليه عن ابن عباس وانظر: "تفسير هود بن محكم" ٣/ ٣٦٩.
(٩) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٢ أ.
(١٠) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ ب، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.

﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ على ما أصابهم من الضر والبؤس والفقر وجيمع المصائب ﴿وَالصَّائِمَاتِ﴾ قاله ابن عباس (١). وقال مقاتل: والصابرين علي ما أمر الله والصابرات (٢).
وقال عطاء: من صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزية فهو من هؤلاء (٣).
قوله تعالى: ﴿وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ﴾ قال ابن عباس: يريد والذين خشعت قلوبهم من خوف الله (٤). ﴿إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ من خشية الله وازدادوا لله يقينًا وللدنيا بغضًا. وقال مقاتل: يعني المتواضعين والمتواضعات (٥). قال عطاء: من صلى فلم يعرف من عن يمينه ويساره فهو منهم (٦).
وقوله: ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ﴾ قال ابن عباس: يتصدقون بالأموال ومما رزقهم الله من الثمار والمواشي وكل ما ملكوا يطلبون ما عند الله موقنين بالخلف والثواب (٧).
قال عطاء: من صدق (٨) في كل أسبوع بدرهم فهو من هذه الجملة (٩).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٢ أ.
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ ب، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.
(٤) لم أقف عليه
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٢ أ.
(٦) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٩٩/ ٣ ب، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.
(٧) لم أقف عليه.
(٨) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: تصدق، وهكذا ذكره الثعلبي ٣/ ١٩٩.
(٩) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ ب، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.

[قوله] (١): ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ﴾ قال ابن عباس: الصائمين لله بنية صادقة، لا يغتابون أحدًا، ولا يتحدثون بكذب ولا يتأملون خلق امرأة، ولا يحدون النظر إليها، فإن هذه الخصال تفطر الصائم، وبكون فطرهم من حلال (٢).
وقال عطاء: من صام من كل شهر الأيام البيض فهو من هذه الجملة (٣).
قوله: ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾ واستغنى عن ذكر الهاء بما تقدم، ومثله: (ونخلع ونترك من يفجرك) المعنى: ونخلع من يفجرك ونتركه، وأنشد:
وكمتا مدماة كأن متونها | جرى فوقها واستشعرت لون مذهب (٤) |
وقوله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ قال ابن عباس: يريد
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ ب، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.
(٤) البيت من الطويل، لكميت الغنوي في "ديوانه" ص ٢٣، "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢١٧ (كمت)، "اللسان" ٢/ ٨١ (كمت)، "الكتاب" ١/ ٧٧.
وكمتا جمع أكمت، والكمتة: لون بين السواد والحمرة يكون في الخيل والإبل وغيرهما.
ومدماة: أي مشوبة بلون الدم.
انظر: "اللسان" ٢/ ٨١ (كمت)، ١٤/ ٢٧٠ (دمى).
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٤/ ٢٢٧، و"معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٥٠.

في أدبار الصلوات وغدوًا وعشيًا وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا وراح من منزله ذكر الله -عز وجل- (١). وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا (٢) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا (٣) جميعًا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات" (٤).
وقال أبو إسحاق: المعنى والذاكراته وحذف الهاء. على ما ذكرناه (٥) في الحافظات (٦).
وقال عطاء: من صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ (٧).
وقوله: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً﴾. قال ابن عباس ومقاتل: مغفرة لذنوبهم (٨). ﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ ثوابًا جزيلًا وهو الجنة.
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ ب، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ١١٧.
(٣) في (ب): (وصليا).
(٤) أخرجه أبو داود في "سقط كتاب الصلاة، باب قيام الليل ٢/ ٣٣، رقم الحديث ١٣٠٩ عن أبي هريرة، وابن ماجه في "سننه" أبواب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل ١/ ٢٤٢، رقم الحديث ١٣٢٩ عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، والحاكم في "المستدرك"، كتاب صلاة التطوع، باب: توديع المنزل بركعتين ١/ ٣١٦ عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
(٥) الضمير (الهاء) ساقط من (ب).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢٢٧/ ٤.
(٧) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٩٩ ب، "تفسير البغوي" ٣/ ٥٣٠.
(٨) انظر: "تفسير ابن عباس" (٣٥٤)، "تفسير مقاتل" ٩٢ ب.