آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

روى البغوي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بأن المراد بأهل البيت نساء النبي لأنهن في بيته وقال إن هذا قول مقاتل وعكرمة أيضا.
ويلحظ أن الحديث الصحيح الذي روي عن أمّ سلمة ذكر أن آية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) قد نزلت في بيتها مع أنها ليست آية برأسها وإنما هي تتمة لآية ثم جزء من سياق. ومثل هذه الملاحظة واردة بالنسبة للحديث الصحيح المروي عن أبي سعيد الخدري والحديث المروي عن سعد الذي أورده الطبري. ومما يتمسك به الشيعة بسبيل تدعيم تأويلهم استعمال ضمير المخاطب لجمع المذكر في الجملة مع أن الجملة التي قلبها وبعدها استعمل فيهما ضمير الجمع المخاطب المؤنث. وليس في هذا حجة ما.
فضمير الجمع المخاطب المذكر استعمل أيضا في حكاية الخطاب الموجه إلى زوجة إبراهيم وزوجة موسى عليهما السلام في آيات سورتي هود والنمل التي أوردناها آنفا.
ولسنا بسبيل نفي أقرب الناس إلى النبيّ ﷺ من معنى (أهل بيته) أو الانتقاص مما هم أهل له بسبب ذلك من التوقير والاحترام. ولكن من الحق أن يقال إن هذا الشمول أو الحصر لا يكون مستقيما إذا أريد الاستناد فيه إلى هذه الجملة القرآنية وسياقها وظروف نزولها. وكل ما يسوغ قوله إن الأحاديث المنسوبة إلى النبي ﷺ إذا صحت قد قصدت تعميم مدلول الجملة القرآنية لتشمل الأربعة المطهرين عليا وفاطمة والحسن والحسين بالإضافة إلى نساء النبي رضوان الله عليهم جميعا.
ونصوص الأحاديث قد تفيد هذا. لأنها ليس فيها قصد الحصر بأسلوب صريح وقاطع. والله تعالى أعلم.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٥]
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)

صفحة رقم 382

(١) المسلمين والمسلمات: هنا هي بمعناها اللغوي أي المسلمين أنفسهم لله على ما هو المتبادر.
تعليق على الآية إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ... إلخ
عبارة الآية واضحة. وهي بسبيل التنويه بكل مسلم ومسلمة يتصفان بالصفات التي وردت فيها ويفعلان الواجبات التي نبهت عليها. وبسبيل بشرى استحقاقهما عظيم الأجر ورفيع المنزلة عند الله تعالى.
ويلحظ أن الصفات والواجبات قد جمعت كل صفات الخير وعناوين البرّ وضمانات النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة حيث ينطوي في هذا ما يتوخّاه القرآن من الارتفاع بالمسلمين والمسلمات إلى ذرى الكمال في مختلف المجالات.
ومع أن أسلوب الآية مطلق ينطوي فيه حكمة ربانية لتكون مستمرة المدى لكل وقت ومكان فإنه يتبادر لنا أنها تنطوي في الوقت نفسه على الإشادة بصفات فريق من أصحاب رسول الله ﷺ من الرجال والنساء كانوا يتصفون فعلا بهذه الصفات ويفعلون تلك الواجبات. وأن فيها والحالة هذه صورة رائعة من صورهم رضوان الله عليهم.
ولقد رويت بضع روايات في مناسبة نزول الآية اختلفت فيها الأسماء والكيفيات واتفقت الغاية وهي تساؤل بعض المسلمات عن سبب اختصاص القرآن الرجال بالذكر والتنويه. أو مراجعة بعضهن النبي ﷺ في ذلك وممن ذكرت الروايات أسماءهن أم سلمة أم المؤمنين وأسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي

صفحة رقم 383

طالب وأم عمارة الأنصارية. والأخيرة ذكرت في حديث رواه الترمذي جاء فيه:
«عن أم عمارة قالت يا رسول الله ما أرى كلّ شيء إلّا للرجال وما أرى النساء يذكرون بشيء فنزلت الآية» «١». ولقد أوردنا في سياق تفسير الآية [١٩٥] من سورة آل عمران حديثا رواه الترمذي عن أم سلمة مماثلا لهذا الحديث وذكر فيه أن آية آل عمران هذه نزلت بناء على مراجعتها النبي ﷺ في صدد عدم ذكر النساء مع الرجال. والآية تبدو وحدة تامة مستقلة لأول وهلة. وقد يقوي هذا صحة رواية سبب نزولها وهو مراجعة أم عمارة أو غيرها.
غير أننا نلاحظ أن القرآن لم يغفل قبل نزول هذه الآية المرأة المسلمة الصالحة والتنويه بها في المكي منه والمدني «٢». وأن الآية التالية قد أشير فيها إلى واجب المؤمن والمؤمنة على السواء من أمر الله ورسوله وقضائهما. فهذا وذاك يوردان على البال أن تكون الآية متصلة بالسياق التالي لها، وبمثابة مقدمة تمهيدية.
كما لا يبعد أن تكون جاءت معقبة على الآيات السابقة بعد ذكر نساء النبي وواجباتهن ولتستطرد إلى ذكر الأجر العظيم عند الله لكل مؤمن ومؤمنة يقوم بواجبه ويلتزم حدود الله.
ومهما يكن من أمر فإن صيغة الآية قوية رائعة من ناحية ذكر النساء مع الرجال في ما احتوته من تنويه وأوجبته من واجبات. وهي حاسمة الصراحة في اعتبار المرأة مخاطبة في القرآن كالرجل سواء بسواء بكل التكاليف التعبدية والأخلاقية وأهلا لكل ما يترتب على ذلك كالرجل سواء بسواء.
وننبه بهذه المناسبة على أن العلماء والمفسرين متفقون على أن كل خطاب قرآني موجّه للمؤمنين والمسلمين أو فيه ذكر للمؤمنين والمسلمين في أي شأن وليس فيه قرينة على اختصاص الرجال دون النساء هو شامل للمسلمات والمؤمنات.

(١) التاج، ج ٤ ص ١٨٥.
(٢) من الآيات المدينة آية سورة آل عمران [١٩٥] ومن الآيات المكية آية سورة النحل [٩٧] وآية سورة غافر [٤٠] وآية سورة البروج [١٠].

صفحة رقم 384
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية