
وقيل: عُنِيَ بأهل البيت هنا النبي ﷺ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما لسلام، رواه الخدري. عن النبي ﷺ أنه قال " نَزَلَتِ الآيَةِ فِي خَمْسٍ: فِيَّ وَفِي علي وحَسَنٍ وحُسَينٍ وَفَاطِمَةَ " وهو قول جماعة من الصحابة.
وقال عكرمة أن يقرأ عنكن.
وقيل عني بذلك: نساؤه وأهله.
قوله تعالى (ذكره): ﴿واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله والحكمة﴾ إلى قوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً﴾.
أي: واذكرن نعمة الله عليكن إذ جعلكن في بيوت تتلى فيها (آيات) الله والحكمة، أي: اشكرن الله على ذلك.

والحكمة هنا: ما أوحي إلى النبي ﷺ من أمر دينه مما لم ينزل به قرآن، وذلك السنة.
قال قتادة: الحمكة السنة امتَنَّ (الله) عليهن بذلك.
وقيل: معناه الحكمة من الآيات.
ثم قال: ﴿إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً﴾ أي (ذا) لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي يتلى فيها القرآن والسنة.
﴿خَبِيراً﴾ بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجاً.
ثم قال تعالى (ذكره) بعقب (ذِكِرُ) ما أَمَرَ به أزواج نبيه ﷺ.
﴿ إِنَّ المسلمين والمسلمات﴾ الآية، أي: (المتذللين) بالطاعة والمتذللات.
وأصل الإسلام/ التذلل والانقياد والخضوع.
﴿والمؤمنين والمؤمنات﴾ أي: المصدقين الله ورسوله والمصدقات.
وأصل الإيمان التصديق.

﴿والقانتين والقانتات﴾ أي: والمطيعين والمطيعات الله ورسوله، فيما أمروا به ونهوا عنه. وأصل القنوت الطاعة.
﴿والصادقين والصادقات﴾ أي صدقوه فيما عادهوه عليه.
﴿والصابرين والصابرات﴾ أي: صبروا لله في البأساء والضراء على الثبات على دينه.
﴿والخاشعين والخاشعات﴾ أي خشعوا لله وجلاً من عقابه وتعظيماً له.
﴿والمتصدقين والمتصدقات﴾ أي: تصدقوا بما افترض الله عليهم في أموالهم.
﴿والصائمين والصائمات﴾ أي: صاموا شهر رمضان الذي افترضه الله عليهم.
﴿والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات﴾ أي: حفظوها إلا عن الأزواج أو ما ملكت أيمانهم.
﴿والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات﴾ أي: ذكروه بألسنتهم وقلوبهم.
﴿أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ أي: ستراً لذنوبهم وثواباً في الآخرة من أعمالهم وهو الجنة.
قال مجاهد: لا يكون ذاكراً لله حتى يذكره قائماً وجالساً ومضطجعاً.
وقال أبو سعيد الخدري: من ايقظ أهله وصَلَّياً أربع ركعات كُتِباَ من الذاركين الله كثيراً والذاكرات.
قال قتادة: دخل نساء على نساء النبي ﷺ فقلن قد ذكركن الله في القرآن ولم

نذكر بشيء، أما فينا من يذكر؟ فأنزل الله جل ذكره: ﴿إِنَّ المسلمين﴾ الآية.
وقال مجاهد: قالت أم سلمة: يا رسول الله، يذكر الرجال ولا يذكر النساء؟
فنزلت الآية: " إن المسلمين " الآية.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ أي: أن يتخيروا من (أمرهم غير) الذي قضى الله ورسوله، ويخالفوا (ذلك) فيعصونهما، ﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي: فيما أُمِرَ أو نُهِيَّ.
﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾ أي: جار عن قصد السبيل، وسل: غير طريق الهدى.
ويروى أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش حين خطبها رسول الله على فتاة زيد بن حارثة فامتنعت من إنكاحه (نفسها).
قال ابن عباس: خطبها رسول الله على فتاه زيد بن حارثة فقالت: لسْتُ بِناكِحَتِهِ، فقال رسول الله ﷺ: " بَلَى فانْكَحِيهِ، فقالت يا رسول الله/ أؤامِرُ نفسي؟

فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله فقالت رَضِيتَهُ/ لي يا رسول الله منكحاً، قال: نعم، قالت: إذاً لا أعْصِي رسول الله ﷺ، قد أَنْكَحْتُه نفسي ".
قال قتادة: لما خطب رسول الله زينب بنت جحش، وهي بنت عمته، ظنت أنه يريدها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد امتنعت، فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ﴾ الآية، فأطاعت وسلمت.
وقيل: ننزلت في [أم كلثوم] بنت عقبة بن أبي معيط وذلك أنها وهبت نفسها للنبي فزوجها زيد بن حارثة، قاله ابن زيد.
قال: وكانت أول من هاجر من النساء، فوهبت نفسها للنبي ﷺ، فقال: قد قبلت، فزوجها زيد بن حارثة، فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله فزوجنا عبده، فنزلت الآية.

وروي أن النبي ﷺ لما خطبها لزيد قالت: لا أرضى به، وأن أَيِّمُ نساء قريش، فقال لها النبي عليه السلام: قد رضيته لك، فأبت عليه فنزلت الآية، فرضيت به وجعلت أمرها لرسول الله ﷺ، فأنكحها من زيد بن حارثة، فمكثت عند زيد ما شاء الله، ثم أتاه رسول الله زائراً له فأبصرها قائمة فأعجبته، فقال: سبحان الله مقلب القلوب، فرأى زيد أن رسول الله قد هويها، فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، فإن بها كبرة وأنها تؤذيني بلسانها، فقال له رسول الله ﷺ: " اتق الله وأمسك عليك زوجك "، وفي قلبه ما في قلبه، ثم إن زيداً طلّقها بعد ذلك، فلما انقضت عدتها أنزل الله نكاحها من السماء على رسوله وأنزل عليه الآيات: ﴿وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ إلى: ﴿مَّقْدُوراً﴾.
وعن عائشة أنها قالت: لو كتم رسول الله ﷺ شيئاً مما أنزل عليه لكتم هذه الآية.
قال أنس: " لما انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ مِنْ زَيْدٍ قال رسول الله ﷺ لزيد: اذكُرْنِي لَهَا، فَأنْطَلَقَ زَيْدَ إِلَى زَيْنَب فقال لها: أَبْشِرِي أَرْسَلَ رسول الله يَذْكُرُكِ، فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ

شَيْئاً حَتَّى أُؤمِرَ رَبِّي فَقَامَتْ إلى مَسْجِدِهَا وَصَلَّتْ، وَنَزَلَ القُرآنُ عَلَى رَسُولِهِ: ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا﴾ الآيتان. فجاء إليها رسول الله ﷺ حتى دخل عليها بغير إذنها ".
وروي أنها كانت تقول لرسول الله: لست كأحد من النساء لأن الله زوجنيك.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله﴾، هذا عتاب من الله للنبي ﷺ، أي: واذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق - وهو زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ - أمسك عليك زوجك واتق الله في مفارقتها للفرار.
روي أن النبي ﷺ رأى زينب بنت جحش وهي ابنة عمته بعد أن تزوجها زيد فأعجبته، فألقى الله نفس زيد كراهتها لما علم ما وقع في نفس النبي منها، فأراد زيد فراقها فذكر ذلك للنبي ﷺ، فقال له النبي: " ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله﴾ فيما عليك لها " وهو يحب لو قد بانت منه لينكحها، وهو الذي أخفى غي نفسه، فقد أبداه الله كما ذكره.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ أي: وتخاف أن يقول الناس أمَرَ رجلاً

بطلاق امرأته ثم نَكَحَها حين طَلَّقها، والله أحق أن تخشاه مِنَ الناس، هذا كله معنى قول قتادة وابن زيد.
قال الحسن: ما أنزلت عليه آية أشد منها، ولو كان رسول الله ﷺ كاتماً شيئاً من الوحي لكتمها.
وقال علي بن الحسين: كان الله جل ذكره أَعْلَمَ نبيه عليه السلام أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها، قال: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله﴾، وهو يخفي في نفسه ما قد أعلمه الله من تزويج زينب، والله مبديه، أي مظهره بتمام التزويج، وطلاق زيد لزينب.
ثم قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً﴾ أي حاجته وأربه.
﴿زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً﴾ أي لِئَلاَّ يكون على المؤمنين ضيق/ وإثم في نكاح أزواج من تبنوا بعد طلاقهم إياهن، إذا قضوا منهن حاجتهم، وهو قوله جل ذكره: ﴿وحلائل أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم﴾ [النساء: ٢٣]، فدل على أن اللاتي من الأبناء من غير الأصلاب حلال نكاحهن.