
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٥]
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)تفسير المفردات
الإسلام: الانقياد والخضوع لأمر الله، والإيمان: التصديق بما جاء عن الله من أمر ونهى، والقنوت: هو الطاعة فى سكون، والصبر: تحمل المشاق على المكاره والعبادات والبعد عن المعاصي، والخشوع: السكون والطمأنينة، أعد الله لهم مغفرة:
أي هيأ لهم مغفرة تمحو ذنوبهم، وأجرا عظيما: أي نعيما عند ربهم يوم القيامة.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه نساء نبيه ﷺ بأشياء ونهاهن عن أخرى، ذكر هنا ما أعد للمسلمين والمسلمات من الأجر والكرامة عنده فى الدار الآخرة. روى أحمد عن عبد الرحمن بن شيبة قال: «سمعت أم سلمة زوج النبي ﷺ تقول:
قلت للنبى صلى الله عليه وسلم: ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت فلم يرعنى منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر، وأنا أسرّح رأسى فلففت شعرى ثم خرجت إلى حجرة من حجرهن فجعلت سمعى عند الجريد فإذا هو يقول على المنبر يا أيها الناس إنّ الله يقول فى كتابه: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) - إلى قوله:
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ». صفحة رقم 8

الإيضاح
ذكر الله سبحانه الأوصاف التي يستحق بها عباده أن يمحو عنهم زلاتهم ويثيبهم بالنعيم المقيم عنده وهى:
(١) إسلام الظاهر بالانقياد لأحكام الدين فى القول والعمل.
(٢) إسلام الباطن بالتصديق التام والإذعان لما فرض الدين من الأحكام وهذا هو الإيمان.
(٣) القنوت وهو دوام العمل فى هدوء وطمأنينة كما قال: «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ؟» وقال: «يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ».
فالإسلام والانقياد مرتبة تعقبها مرتبة الإذعان والتصديق وينشأ عن مجموعهما القنوت والخشوع.
(٤) الصدق فى الأقوال والأعمال، وهو علامة الإيمان كما أن الكذب أمارة النفاق، فمن صدق نجا،
وفى الحديث «عليكم بالصدق فإنه يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار»
(٥) الصبر على المكاره وتحمل المشاقّ فى أداء العبادات وترك الشهوات.
(٦) الخشوع والتواضع لله تعالى بالقلب والجوارح ابتغاء ثوابه وخوفا من عقابه كما
جاء فى الحديث «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
(٧) التصدق بالمال والإحسان إلى المحاويج الذين لا كسب لهم ولا كاسب،
وقد ثبت فى الصحيح «سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»
وفى حديث آخر «والصدقة تطفئ الخطية كما يطفىء الماء النار»

(٨) الصوم فإنه نعم العون على كسر الشهوة كما
روى ابن ماجه من قوله ﷺ «والصوم زكاة البدن»
أي إنه يزكّيه ويطهره من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا،
وجاء عنه ﷺ «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
(٩) حفظ الفروج عن المحارم والآثام كما جاء فى الآية الأخرى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ».
(١٠) ذكر الله ذكرا كثيرا بالألسنة والقلوب، روى عن مجاهد أنه قال:
لا يكتب الرجل من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله تعالى قائما وقاعدا ومضطجعا.
وأخرج النسائي وابن ماجه وأبو داود وغيرهم عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصلّيا ركعتين كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات»
: روى عنه ﷺ أنه قال: «سبق المفردون، قالوا وما المفردون؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات».
وروى أحمد عن سهل بن معاذا الجهني عن أبيه عن رسول الله ﷺ قال: «إن رجلا سأله فقال: أىّ المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله؟ قال ﷺ أكثرهم لله تعالى ذكرا، قال فأىّ الصائمين أكثر أجرا؟ قال ﷺ أكثرهم لله عز وجل ذكرا، ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك يقول رسول الله ﷺ أكثرهم لله ذكرا، فقال أبو بكر لعمر رضى الله عنهما:
ذهب الذاكرون بكل خير، فقال صلى الله عليه وسلم: أجل».
هؤلاء الذين جمعوا هذه الأوصاف يمحو عنهم ذنوبهم ويؤتيهم الأجر العظيم فى جنات النعيم.