آيات من القرآن الكريم

فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

الإيضاح
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) يقول سبحانه محتجا على المشركين المنكرين للبعث: إن الذي خلقكم من نطفة وماء مهين، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، ثم جعل لكم قوة على التصرف من بعد ضعف الصغر والطفولة، ثم أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر، بعد أن كنتم أقوياء فى شبابكم- قادر أن يعيدكم مرة أخرى بعد البلى، وبعد أن تكونوا عظاما نخرة.
والخلاصة: إن تنقل الإنسان فى أطوار الخلق حالا بعد حال من ضعف إلى قوة، ثم من قوة إلى ضعف- دليل على قدرة الخالق الفعّال لما يشاء، الذي لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء، ولا يعجزه أن يعيدكم كرّة أخرى.
(يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) أي يخلق ما يشاء من ضعف وقوة، وشباب وشيب وهو العليم بتدبير خلقه، القدير على ما يشاء، لا يمتنع عليه شىء أراده، وهو كما يفعل هذا قادر على أن يميت خلقه ويحييهم إذا شاء:
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)
تفسير المفردات
الساعة الأولى: يوم القيامة سميت بذلك لأنها تقوم فى آخر ساعة من ساعات لدنيا، ما لبثوا: أي ما أقاموا بعد الموت، غير ساعة: أي غير قطعة قليلة من الزمان

صفحة رقم 65

يؤفكون: أي يصرفون عن الحق، المعذرة: العذر، يستعتبون: أي يطلب منهم إزالة عتب الله وغضبه عليهم بالتوبة والطاعة، فقد حق عليهم العذاب، يقال:
استعتبني فلان فأعتبته: أي استرضانى فأرضيته.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر فيما سلف بدء النشأة الأولى، وذكر الإعادة والبعث، وأقام عليه الأدلة فى شتى السور وضرب له الأمثال- أردف ذلك ذكر أحوال البعث وما يجرى فيه من الأفعال والأقوال من الأشقياء والسعداء ليكون فى ذلك عبرة لمن يدّكر.
الإيضاح
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) أي ويوم تجئ ساعة البعث، فيبعث الله الخلق من قبورهم، يقسم المجرمون الذين كانوا يكفرون بالله فى الدنيا، ويكتسبون فيها الآثام، إنهم ما أقاموا فى قبورهم إلا قليلا من الزمان، وهذا استقلال منهم لمدة لبثهم فى البرزخ على طولها، وهم قد صرفوا فى الآخرة عن معرفة مدة مكثهم فى ذلك الحين.
(كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي كذبوا فى قولهم ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا فى الدنيا يحلفون على الكذب وهم يعلمون. والكلام مسوق للتعجب من اغترارهم بزينة الدنيا وزخرفها، وتحقير ما يتمتعون به من مباهجها ولذاتها، كى يقلعوا عن العناد، ويرجعوا إلى سبل الرشاد، وكأنه قيل: مثل ذلك الكذب العجيب كانوا يكذبون فى الدنيا اغترارا بما هو قصير الأمد من اللذات وزخارف الحياة.
ثم ذكر توبيخ المؤمنين لهم وتهكمهم بهم:
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) أي وقال

صفحة رقم 66
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية