آيات من القرآن الكريم

فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

قوله ﴿فَيَوْمَئِذٍ... ﴾ [الروم: ٥٧] أي: يوم قيام الساعة ﴿لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الروم: ٥٧] أي: لا يُقبَل منهم عذر، ومعنى ﴿ظَلَمُواْ... ﴾ [الروم: ٥٧] أي: ظلموا أنفسهم، والظالم يلجأ إلى الظلم؛ لأنه يريد أن يأخذ من الغير ما عجزتْ حركته هو عن إدراكه.
فالظلم أنْ تأخذ نتيجة عرق غيرك لتحوله إلى دم فيك، لكن دمك إنْ لم يكُنْ من عَرَقك فهو دم فاسد عليك، ولا تأتي منه أبداً حركة إجابة في الوجود لا بُدَّ أن تكون نتيجته حركات شر؛ لأنه دم حرام، فكيف يتحرك في سبيل الحلال؟
لذلك ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلى طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين»، فقال: ﴿ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١] وقال: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ واشكروا للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٢] ثم ذكر «

صفحة رقم 11544

الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر ثم يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، فأنَّى يُستجاب له» «.
إذن: كيف يُستجاب لنا وأبعاضنا كلها غير أهْلِ لمناجاة الله بالدعاء؟
ولا يقف الأمر عند عدم قبول العذر، إنما ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الروم: ٥٧] العتاب: حوار بلُطْف ودلال بين اثنين في أمر أغضب أحدهما، وكان من المظنون ألاَّ يكون، ويجب أن يعرض عليه ليصفي نفسه منه، كأن يمر عليك صديق فلا يسلم عليك فتغضب منه، فإنْ كنتَ حريصاً على مودته تقابله وتقول: والله أنا في نفسي شيء منك، لأنك مررتَ فلم تسلم عليَّ يوم كذا، فيقول لك: والله كنتُ مشغولاً بكذا وكذا ولم أَرَك، فيزيل هذا العذر ما في نفسك من صاحبك.
ونقول: عتب فلان على فلان فأعتبه أي: أزال عتابه؛ لذلك يقولون: ويبقى الود ما بقي العتاب، ويقول الشاعر:

أَمَّا العِتَابُ فبالأحِبّة أَخْلَق والحُبُّ يَصْلُح بالعِتَاب ويصْدُقُ
والهمزة في أعتب تسمى همزة الإزالة، ومنها قول الشاعر:
أُرِيدُ سُلوَّكم - أي بعقلي - والقَلْبُ يأْبَى وأعْتِبكُم ومِلءُ النَفْسِ عَتْبى
ومنه ما جاء في مناجاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لربه يوم الطائف بعد أن لَقي منهم ما لَقِي، حتى لجأ إلى حائط، وأخذ يناجي ربه:»
ربِّ إلى مَنْ

صفحة رقم 11545

تَكِلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملّكته أمري؟ إنْ لم يكنْ بك عليَّ غضب فلا أُبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.. إلى أنْ يقول: لك العُتْبى حتى ترضى «.
يعني: يا رب إنْ كنت غضبتَ لشيء بدر مني، فأنا أريد أن أزيل عتباك عليَّ.
ومن همزة الإزالة قولنا: أعجمت الكلمة أي: أزلْتُ عٌجْمتها وخفاءها، وأوضحت معناها، ومن ذلك نُسمِّي المعجم لأنه يزيل خفاء الكلمات ويُبيِّنها.
وتقرأ في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا... ﴾ [طه: ١٥] أي: أقرب أنْ أزيل خفاءها بالآيات والعلامات.
وهذه الكلمة ﴿يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الروم: ٥٧] وردتْ في القرآن ثلاث مرات، ووردت مرة واحدة مبنية للفاعل (يَسْتعتبون)، لأنهم طلبوا إزالة عتابهم، فلم يُزِلْه الله ولم يسمح لهم في إزالته، أما (يُستعتبون) فلأنهم لم يطلبوا العتب بأنفسهم، إنما جعلوا لهم

صفحة رقم 11546

شفعاء يطلبون لهم، لكن خَاب ظنهم في هذه وفي هذه.
فالمعنى ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الروم: ٥٧] لا يجرؤ شفيع أنْ يقول لهم: استعتبوا ربكم، واسألوه أنْ يعتبكم أي: يزيل العتاب عنكم.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا... ﴾.

صفحة رقم 11547
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية