آيات من القرآن الكريم

فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
ﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

سورة الروم
مكّية، وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاثون حرفا، وثمانمائة وتسع عشرة كلمة، وستّون آية
أخبرنا المغازي غير مرّة، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبو الشيخ عبد الله بن أحمد الأصبهاني قالا: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الكوفي، قال: حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي، قال: حدّثنا سلام بن سليمان المدائني، قال: حدّثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه: «من قرأ سورة الرّوم كان له من الأجر، عشر حسنات بعدد كلّ ملك سبّح لله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيّع في يومه وليلته» [١٦٥] «١».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧)
قوله عزّ وجلّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ الآية.
قال المفسّرون: كانت في فارس امرأة لا تلد إلّا الملوك والأبطال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ!، فدعاها كسرى فقال: إنّي أريد أن أبعث إلى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك فأشيري عليّ أيّهم أستعمل؟ فقالت: هذا فلان، أروغ من ثعلب، وأحذر من صقر «٢»، وهذا فرخان أنفذ من سنان «٣»، وهذا شهريراز «٤» هو أحلم من كذا، فاستعمل أيّهم شئت. قال: فإنّي
(١) تفسير مجمع البيان: ٨/ ٤٢.
(٢) كتاب الأمثال: ١٠٧.
(٣) في تفسير القرطبي (١٤/ ٣) : فرخان أحد من سنان وأنفذ من نبل.
(٤) في التفاسير: شهربنان، وفي تاريخ الطبري: شهر براز.

صفحة رقم 291

استعملت الحليم، فاستعمل شهريراز، فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرّب مدائنهم وقطع زيتونهم، وكان قيصر بعث رجلا يدعى يحنس «١» وبعث كسرى شهريراذ فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وأصحابه بمكّة فشقّ عليهم، وكان النبيّ صلّى الله عليه يكره أن يظهر الأمّيّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم.
وفرح كفّار مكّة وشمتوا ولقوا أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أمّيون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم. فإنّكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم.
فأنزل الله عزّ وجلّ:

الم غُلِبَتِ الرُّومُ إلى آخر الآيات «٢».
فخرج الصّدّيق رضي الله عنه إلى الكفّار فقال: فرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرّن الله أعينكم، فوالله ليظهرنّ الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبيّنا، فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحي فقال: كذبت يا أبا فضيل، فقال له أبو بكر: أنت أكذب يا عدوّ الله، فقال: اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه، والمناحبة: المراهنة على عشر قلائص منّي وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس غرمت، ففعل ذلك وجعلوا الأجل ثلاث سنين.
فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وأخبره وذلك قبل تحريم القمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ما هكذا ذكرت، إنّما البضع ما بين ثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادّه في الأجل، فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال: لعلّك ندمت قال: لا، قال: فتعال أزايدك في الخطر وأمادّك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت فلمّا خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه فقال: إنّي أخاف أن تخرج من مكّة فأقم لي كفيلا، فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر.
فلمّا أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه قال: والله لا أدعك حتّى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا ثمّ خرج إلى أحد، ثمّ رجع أبيّ بن خلف فمات بمكّة من جراحته التي جرحه رسول الله صلّى الله عليه حين بارزه.
وظهرت الروم على فارس يوم الحديبيّة وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم.
هذا قول أكثر المفسّرين.
(١) في تفسير الطبري (٢١/ ٢٣) : يدعى: قطمة بجيش من الروم.
(٢) تفسير القرطبي: ١٤/ ٤.

صفحة رقم 292

وقال أبو سعيد الخدري ومقاتل: لمّا كان يوم بدر غلب المسلمون كفّار مكّة وأتاهم الخبر أنّ الروم قد غلبوا فارس ففرح المؤمنون بذلك.
قال الشعبي: لم تمض تلك المدّة التي عقدوا المناحبة بينهم، أهل مكّة وصاحب قمارهم أبيّ بن خلف، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر، وذلك قبل تحريم القمار حتّى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر أبو بكر أبيّا، وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به يحمله إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلّم:
«تصدّق به» [١٦٦] «١».
وكان سبب غلبة الروم فارس على ما
قال عكرمة وغيره أنّ شهريراز بعد ما غلب الروم لم يزل يطأهم ويخرّب مدائنهم حتّى بلغ الخليج، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه: لقد رأيت كأنّي جالس على سرير كسرى، فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريراز:
إذا أتاك كتابي فابعث إليّ برأس فرخان.
فكتب إليه: أيّها الملك إنّك لم تجد مثل فرخان، إنّ له نكاية وصوتا في العدوّ فلا تفعل، فكتب إليه: إنّ في رجال فارس خلفا منه فعجّل إليّ برأسه، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس إنّي قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان. ثمّ دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز وقال: إذا ولي فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه، فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعا وطاعة ونزل عن سريره وجلس فرخان فدفع إليه الصحيفة فقال: ائتوني بشهريراز فقدّمه ليضرب عنقه.
قال: لا تعجل حتّى أكتب وصيّتي، قال: نعم، قال: فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كلّ هذا راجعت فيه كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد، فردّ الملك إلى أخيه. فكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم: إنّ لي إليك حاجة لا يحملها البريد ولا تبلغها الصحف فألقني ولا تلقني إلّا في خمسين روميّا فإنّي ألقاك في خمسين فارسيّا.
فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق وخاف أن يكون قد مكر به حتّى أتاه عيونه أنّه ليس معه إلّا خمسون رجلا ثمّ بسط لهما والتقيا في قبّة ديباج ضربت لهما ومع كلّ واحد منهما سكين، فدعيا بترجمان بينهما فقال شهريراز: إنّ الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا ومكرنا وشجاعتنا، وإنّ كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت.
ثمّ أمر أخي أن يقتلني. فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك، قال: قد أصبتما ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السرّ بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان جميعا بسكّينيهما [فأديلت] الروم على فارس عند ذلك فأتبعوهم يقتلونهم ومات كسرى.
وجاء الخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه يوم الحديبية ففرح ومن معه، فذلك قوله عزّ

(١) الدر المنثور: ٦/ ٤٧٩- ٤٨٠.

صفحة رقم 293

وجلّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس وهي أذرعات «١».
قال ابن عبّاس: طرف الشام. مجاهد: أرض الجزيرة. مقاتل: الأردن وفلسطين، عكرمة: أذرعات وكسكر. مقاتل بن حبان: هي ريف الشام.
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ أي غلبتهم فحذفت التاء منه كما حذفت من قوله: وَأَقامَ الصَّلاةَ «٢» وانّما هو إقامته.
وقرأ أبو حيوة الشامي (غَلْبِهِمْ) بسكون اللام وهما لغتان مثل الطّعن والطعن.
سَيَغْلِبُونَ فارس فِي بِضْعِ سِنِينَ وقرأ عبد الله بن عمرو وأبو سعيد الخدري والحسن وعيسى بن عمر غَلَبَتِ بفتح الغين واللام سَيَغْلِبُونَ بضم الواو وفتح اللام.
قالوا: نزلت هذه الآية حين أخبر الله عزّ وجلّ نبيّه صلى الله عليه وسلّم عن غلبة الروم فارس، ومعنى الآية: الم غلبت الروم فارس فِي أَدْنَى الْأَرْضِ إليكم. وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف في أداني الأرض بالجمع وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سيغلبهم المسلمون. فِي بِضْعِ سِنِينَ وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدويه، عن الحسين بن الحسن بن أيّوب، عن علي بن عبد العزيز قال: أخبرني أبو عبيد عن حمّاد بن خالد الخيّاط عن معاوية بن صالح عن مرتد بن سمي قال: سمعت أبا الدرداء يقول: سيجيء قوم يقرءون: الم غَلَبَتِ الرُّومُ وإنّما هي غُلِبَتِ الرُّومُ. قال أبو عبيد بضم الغين يعني الأخيرة.
قوله: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ يعني من قبل دولة الروم على فارس ومن بعد وهما مرفوعان على الغاية. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ الروم لأنّهم أهل كتاب، وبنصر الله المؤمنين على الكافرين يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه عن عبد الله بن محمد بن شنبه، عن علي بن محمد ابن هامان، عن علي بن محمد الطّنافسي عن النعمان بن محمد عن أبي إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «فارس نطحة أو نطحتان» ثمّ قال: «لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر، كلّما ذهب قرن خلف قرن، هيهات إلى آخر الأبد» [١٦٧] «٣».

(١) أذرعات: بين بلاد العرب والشام، وقيل: هي بالأردن وفلسطين.
(٢) سورة البقرة: ١٧٧. [.....]
(٣) المصنف لابن أبي شيبة: ٤/ ٥٦٧.

صفحة رقم 294
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية