آيات من القرآن الكريم

فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
ﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وصلّى الله على سيّدناو مولانا محمّد وعلى آله
تفسير «سورة الروم»
وهي مكّيّة اتّفاقا
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨)
قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ قرأ الجمهور «١» :«غُلبت» - بضم الغين، - وقالوا: معنى الآية: أنه بلغ أهل مكة أنّ الملك كسرى هزم جَيْشَ الروم بأذْرِعَاتٍ وهي أدنى الأرض إلى مكة قاله عكرمة «٢». فَسُرَّ بذلك كفارُ مكةَ فبشر الله تعالى المؤمنين بأن الرومَ سيَغْلِبونَ في بضْعِ سنين، فخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى المسجد الحرام فقال للكفار: أسركم أن غُلِبَتِ الرُّوم؟ فإن نبيَّنا أخبرنا عن الله تعالى: أنهم سَيغْلبون في بضع سنين، فقال له أُبَيُّ بن خلف وأخوه أمية بن خلف: يا أبا بكر: تعالَ فَلْنَتَنَاحَبْ، أي:
نتراهنْ في ذلك، فراهنهم أبو بكر على خمس قلائص «٣»، والأجل ثلاث سنين، وذلك قبل أن يحرم القِمار، فأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بذلك فقال له: إن البضع إلى التسع، ولكن زدهم في
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٣٢٧)، و «البحر المحيط» (٧/ ١٥٧)، و «الدر المصون» (٥/ ٣٧٠).
(٢) ذكره البغوي (٣/ ٤٧٧)، وابن كثير (٣/ ٤٢٣- ٤٢٤)، والسيوطي (٥/ ٢٩١)، وعزاه لابن جرير عن عكرمة.
(٣) القلائص: جمع قلوص، وهي الفتيّة من الإبل بمنزلة الجارية الفتاة من النساء. وقيل: هي الثنيّة، وقيل:
هي ابنة المخاض. وقيل: هى كل أنثى من الإبل حين تركب.
ينظر: «لسان العرب» ٣٧٢٢. [.....]

صفحة رقم 305

الرهن واستزدهم في الأجل، ففعل أبو بكرٍ، فجعلوا القلائصَ مائةً، والأجل تسعةَ أعوامٍ، فَغَلَبَتْ الرومُ فارسَ فِي أثْنَاءِ الأَجَلِ يوم بدر. ورُوِيَ أن ذلك كان يوم الحُدَيْبِية، يوم بيعة الرضوان وفي كلا اليومين كان نصرٌ من الله تعالى للمؤمنين وذكر الناسُ سرورَ المؤمنين بغلبةِ الروم من أجل أنهم أهل كتاب، وفرحت قريشٌ بغلبة الفرسِ من أجل أنهم أهل أوثان ونحوه من عبادة النار.
وقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. أي: له إنفاذ الأحكام من قبل ومن بعد هذه الغلبةِ التي بين هؤلاء ثم أخبر تعالى أن يوم غلبة الروم للفرس يفرح المؤمنون بنصر الله، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ يريدُ: كُفَّارَ قريش والعرب، أي: لا يعملون ٦٥ أأن الأمور من عند الله، وأن وعده لا يُخْلَفُ، وأن ما يورده/ نبيُّه حق.
قال ع «١» : وهذا الذي ذكرناه عُمْدَةُ ما قيل. ثم وصف تعالى الكفرةَ الذين لا يعلمون أمر الله وصِدْقَ وعدِه بأنهم إنما: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ، قال صاحب «الكلم الفارقية» : الدنيا طَبَقٌ مسموم، لا يعرف ضرره إلا أربابُ الفهوم. قوةُ الرغبة في الدنيا علامة ضعفها في الآخرة. بحسب انصرافُ الرغبةِ إلى الشيء، يجدُّ الراغبُ في طلبه، وتتوفَّرُ دواعيه على تحصيلهِ. المطلوبات تُظهر وتبيِّنُ أقدارَ طُلاَّبها فمن شَرُفَتْ همَّتُهُ شَرُفَتْ رغبته وعزت طلبته. يا غافل، سكر حبك لدنياك وطول مُتابعتِكَ لَغاوِي هواك- أنساك عظمةَ مولاك وَثَنَاكَ عن ذكره وألهاك وَصَرَفَ وجه رغبتك عن آخرتك إلى دنياك. إنْ كنت من أَهل الاستِبْصَار، فألقِ ناظرَ رغبتك عن زخارف هذه الدار فإنها مجمعُ الأكدار، ومنبَعُ المضار وسِجْنُ الأَبرار ومجلس سرور الأشرار. الدنيا كالحيةِ تجمع في أنيابها سُمُومَ نَوَائِبِها وتفرغه في صميمِ قلوب أبنائها، انتهى. قال عياض في «الشفا» : قال أبو العباس المبرِّد- رحمه الله- قَسَّم كِسرى أيامَه فقال: يَصْلُحُ يَوْمَ الريح للنوم، ويومُ الغَيْم للصيد، ويوم المطر للشُّرْب واللهو، ويوم الشمس للحوائج.
قال ابن خَالَوَيْهِ: ما كان أعرفَهم بسياسة دنياهم، يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ، لكنْ نبينَا محمدا صلى الله عليه وسلّم جزأها ثلاثةَ أجزاء: جزءاً للَّه تعالى، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه. ثم جزَّأ جزءه بينه وبين الناس فكان يستعين بالخاصة على العامة وَيَقُولُ: أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إبْلاَغِي فَإنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ، أَمَّنَهُ اللهُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، انتهى. والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه، يأخذ من هذه الآية بحظّ. نوّر الله قلوبنا بهداه.

(١) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣٢٩).

صفحة رقم 306
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية