آيات من القرآن الكريم

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ۖ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

فيما يصعب ويسهل (١).
وقال غيره من أهل المعاني مصححًا لهذه الطريقة: معنى قوله: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ أي: ما يمثل به في دليلاً صفته الذي هو طريق إلى معرفته من أن إنسانًا إذا نسخ كتابًا فإعادة نسخه عليه أهون، وكذلك إذا صاغ حُليًا، هذا في مقدور العباد مع نقصانهم، فمقدور من لا يلحقه النقص من وجهٍ أولى أن يسع الإعادة. وعلى هذا المثل الأعلى هو: المثل الذي ضربه الله لتحقيق بيان قدرته على الإعادة، ووصف هذا المثل بأنه: ﴿الْأَعْلَى﴾؛ لأنه مؤدٍّ إلى معرفةِ قدرة الله وصفتِه.
قوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ قال ابن عباس: ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في خلقه.
٢٨ - قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا﴾ قال مقاتل: نزلت في كفار قريش؛ وذلك أنهم كانوا يقولون في إحرامهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك، فقال الله: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ﴾ يقول: وَصَف لكم شَبهًا من أنفسكم (٢).
قال الكلبي: مِنْ مِثل خلقكم ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يعني: من عبيدكم ﴿مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من أموالكم وعبيدكم وأهليكم ﴿فَأَنْتُمْ﴾ وشركاؤكم من مماليككم فيما رزقناكم شرع ﴿سَوَاءٌ﴾ (٣).

(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨٣. و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٢٤، بنحوه.
(٢) "تفسير مقاتل" ٧٨ ب. ولم يذكره الواحدي في "أسباب النزول".
(٣) "تنوير المقباس" ص ٣٤٠، وذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٦٨ أ. هكذا وردت عنده: شرع سواء. وفي "تنوير المقباس": شرك. أي: من الشراكة؛ وهو أقرب. والله أعلم. قال ابن عباس: ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ في الآلهة، وفيه، تخافونهم أن =

صفحة رقم 47

وقوله: ﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ قال ابن عباس: تخافون أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا (١). وهو قول مقاتل، والسدي؛ قال: يقول: مِنْ مملوككم شركاؤكم في الميراث الذي ترثونه من آبائكم، فأنتم تخافون أن يدخل معكم مملوككم في ذلك الميراث، كما تدخلون أنتم فيه (٢).
قال الكلبي: تخافون لائمتهم كما يخاف الرجل لائمة أخيه وأبيه وأقاربه (٣).
وقال أبو مجلز: تخافون أن يقاسموكم أموالكم كما يقاسم بعضكم بعضًا (٤).
فهذه ثلاثة أقوال في معنى قوله: ﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ مرجعها إلى معنى واحد؛ وهو: أن عَبْدَ الرجل لا يكون مثله حتى يكون بينهما توارث، وخوف لائمةٍ ومقاسمةٍ. ومعنى الآية: أن الله تعالى يقول: كيف تعدلون بي عبيدي، وأنتم لا تعدلون عبيدكم بأنفسكم. قال قتادة: يقول: ليس مِن أحدٍ يرضى لنفسه أن يشاركه عبده في ماله وزوجه، حتى

= يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا. ذكره البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، في التفسير، سورة: الروم، قال ابن حجر: الضمير في قوله: فيه، لله تعالى، أي: أن المثل لله وللأصنام. "فتح الباري" ٨/ ٥١٠. وأخرجه ابن جرير ٢١/ ٣٩، من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس.
(١) أخرجه ابن جرير ٢١/ ٣٩، من طريق عطاء الخرساني. وذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٦٨ أ.
(٢) "تفسير مقاتل" ٧٨ ب، بنحوه. وذكر نحوه الماوردي عن السدي. "النكت والعيون" ٤/ ٣١١.
(٣) "تنوير المقباس" ص ٣٤٠.
(٤) أخرجه ابن جرير ٢/ ٣٩١. وذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٦٨أ.

صفحة رقم 48

يكون مثله؛ يقول: قد رضي بذلك ناسٌ لله فجعلوا معه إلهًا شريكًا (١). هذا قول المفسرين في هذه الآية.
وقد شرح أصحاب المعاني هذه الآية أبين شرح؛ قال صاحب النظم: هذا مثل ضربه الله -عز وجل- للذين جعلوا له شريكًا، فقال: هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله وولده حتى يكون هو ومملوكه في سواء يخافه كما يخافه غيره من شريكٍ له لو كان معه، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فِلمَ تجعلون لي عبيدي شركاء؟ والفاء في قوله: ﴿فَأَنْتُمْ﴾ بمنزلة حتى، تأويله: حتى أنتم وعبيدكم فيه سواء. انتهى كلامه.
وقال ابن قتيبة: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ وذلك أقرب عليكم ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ﴾ شركاء من عبيدكم الذين تملكون ﴿فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ﴾ وعبيدكم ﴿سَوَاءٌ﴾ يأمرون فيه كأمركم، ويحكمون كحكمكم، وأنتم ﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: كما يخاف الرجلُ الحرُّ شريكه الحرَّ في المال يكون بينهما، فلا يأمر فيه بشيء دون أمره، ولا يُمضي فيه عطيةً بغير أمره، وهو مِثلُ قوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] أي: لا تغيبوا إخوانكم من المسلمين. وقوله ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] أي بأمثالهم من المؤمنين خيرًا، يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أقاربكم وأرقائكم، فكيف تجعلون لله مِنْ عبيده شركاء في ملكه؟ ومثلُه قوله: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ [النحل: ٧١] فجعل منكم المالك والمملوك ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا﴾ يعني السَّادة ﴿بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ مِنْ عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد:

(١) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ١٠٢، وفيه: ونفسه، بدل: وزوجه. وأخرجه بنحوه، ابن جرير ٢١/ ٣٨.

صفحة رقم 49
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية