آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

نسبوا ذلك إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: ﴿أَيَأْمُرُكُمْ١ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ فهذا لا يصح منه ولا يصدر بحال.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- لم يكن من الممكن لمن آتاه الله الكتاب والحكمة وشرفه بالنبوة أن يدعو الناس لعبادة نفسه فضلاً عن عبادة غيره.
٢- سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة فيصلحونهم ويهدونهم.
٣- عظماء الناس٢ من يعلمون الناس الخير ويهدونهم إليه.
٤- السجود لغير الله تعالى كفر لما ورد أن الآية نزلت رداً على من أرادوا أن يسجدوا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى: ﴿أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون﴾ ؟!.
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) ﴾
شرح الكلمات:
الميثاق: العهد المؤكد باليمين.

١ الاستفهام إنكاري، وفيه معنى التعجب، إذ ليس من شأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتخذ الناس عباداً يتأله لهم، ومن هنا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقولون أحدكم عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي. وليقل أحدكم ربي وليقل سيدي".
٢ روى ابن عبد البر عن على رضي الله عنه قوله: "من علم وعمل وعلّم دعي في ملكوت السموات عظيما" وهو مروي عن عيسى عليه السلام.

صفحة رقم 338

﴿لَمَا١ آتَيْتُكُمْ٢﴾ : مهما آتيتكم.
﴿لَتُؤْمِنُنَّ٣﴾ : لتصدقن برسالته
﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ : الهمزة الأولى للاستفهام التقرير، وأقررتم: بمعنى اعترفتم.
﴿إِصْرِي﴾ : عهدي وميثاقي.
﴿فَمَنْ تَوَلَّى﴾ : رجع عما اعترف به وأقر.
﴿الْفَاسِقُونَ﴾ : الخارجون عن طاعة الله ورسوله.
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ﴾ : الاستفهام للإنكار، ويبغون: بمعنى يطلبون.
﴿وَلَهُ أَسْلَمَ﴾ : انقاد وخضع لمجاري أقدار الله وأحكامه عليه.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الرد على نصارى نجران فيقول تعالى لرسوله اذكر لهم ما أخذ الله على النبيين وأممهم من ميثاق أنه مهما آتاهم من كناب وحكمة ثم جاءهم رسول مصدق لما معهم من النور والهدى ليؤمنن به ولينصرنه على أعداءه ومناؤيه من أهل الكفر وأنه تعالى قررهم فأقروا واعترفوا ثم استشدهم على ذلك فشهدوا وشهد تعالى فقال: ﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ ثم أكد تعالى ذلك مرة أخرى بأن من يعرض عن هذا الميثاق ولم يف به يعتبر فاسقاً ويلقى جزاء الفاسقين فقال تعالى: ﴿فَمَنْ تَوَلَّى٤ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
وقد نقض هذا الميثاق كل من اليهود والنصارى، إذ لم يؤمنوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به وقد أخذ عليهم الميثاق بالإيمان به، وبنصره، فكفروا به، وخذلوه، فكانوا بذلك الفاسقين المستوجبين لعذاب الله.

١ قرأ نافع: ﴿لما آتيناكم﴾ بنون العظمة، وقرأ حفص: ﴿لما أتيتكم﴾ بتاء المتلكم وصيغة الميثاق هي: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿ولتنصرنه﴾.
٢ قرأ أهل الكوفة: ﴿لِمَا آتَيْتُكُمْ﴾ بكسر لام لما، أي: لأجل ما آتيتكم من كتاب... إلخ. وتكون: ﴿ما﴾ موصولة بمعنى الذي، أي: للذي آتيتكم... إلخ.
٣ روى ابن كثير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم، أنهما قالا: "ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لأن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرننه، وهذا غير مناف لما قال قتادة وغيره: أن الله أخذ من النبيين ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضاً.
٤ التولي والفسق مستحيل في حق أنبياء الله ورسله، ولذا فالمأخوذ عليهم: العهد والميثاق، هم أتباع الأنبياء والرسل، وإنما قال: ميثاق النبيين؛ لأنهم هم المبلغون أممهم لما أخذ عليهم، ويوضح هذا قوله: ﴿فاشهدوا﴾ أي: على أممكم.

صفحة رقم 339

ثم وبخ تعالى أهل الكتاب قائلاً: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ١ –يريد الإسلام- يَبْغُونَ﴾ أي يطلبون، ولله أسلم، أي: انقاد وخضع من في السموات من الملائكة والأرض من سائر المخلوقات الأرضية طوعاً أو كرهاً٢: طائعين أو مكرهين وفوق هذا أنكم ترجعون إليه فيحاسبكم، ويجزيكم بأعمالكم.
هذا ما تضمنته الآية الأخيرة (٨٣) إذ قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله تعالى في الأنبياء السابقين وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضاً.
٢- كفر أهل الكتاب وفسقهم بنقضهم الميثاق وتوليهم عن الإسلام وإعراضهم عنه بعد كفرهم بالنبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا به ويتبعوه.
٣- بيان عظم شأن العهود والمواثيق عند الله تعالى.
٤- الإنكار على من يعرض عن دين الله الإسلام. مع أن الكون كله خاضع منقاد لأمر الله ومجاري أقداره مسلم له.
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥) ﴾

١ الاستفهام للتقريع والتوبيخ، وروى عن الكلبي أن كعب بن الأشرف اليهودي وأصحابه اختصموا مع النصارى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: أينا أحق بدين إبراهيم؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلا الفريقين بريء من دينه" فقالوا: ما نرضى ولا نأخذ بدينك. فنزل قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ﴾ الآية.
٢ طوعاً وكرهاً: مصدران في موضع الحال، أي: طائعين ومكرهين، إذ كل مخلوق منقاد مستسلم لما جبله الله عليه وقضاه وقدره له لا يخرج عنه بحال.

صفحة رقم 340
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية