
قوله: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) على هذا.
والتذكُر هاهنا: هو الاتعاظ، ولم يجعل ذلك إلا لصفو
الخلائق، لما تقدم أن معرفة ما يصح أن يُطلب ويُعلم مما لا يصحُّ
فيه ذْلك أشرف منزلة في العلم.
قوله عز وجل: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)
الوهاب: قيل معناه: لا تزغ قلوبنا عن الثواب في الآخرة.
وقيل: لا تنسبها إلى الزيغ، ولا تحكم عليها بذلك.
وقيل: لا تفعل بنا من الإِكرام ما يؤدي إلى الزيغ.
فكأن الإِزاغة إعطاء الخيرات الدنيوية المثبطة عن الخيرات الأخروية
المشار إليه بقوله تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)
ولهذا قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: "من وسع

عليه دنياه ولم يعلم أنه مُكر به، فهو مخدوع عن عقله ".
وقيل معناه: لا تكلفنا أمرًا شاقا: كقتل النفس، والخروج من الديار
المذكورين في قوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ).
وقيل: معناه لا تمنعنا التوفيق، فجعل منع التوفيق إزاغة للقلوب من حيث
إنه يؤدي إليها، إشارة إلى ما قيل: أقطع ما يكون المجتهد إذا

خذله التوفيق، وإياه قصد الشاعر بقوله:
إذا لم يكن عون من الله للفتى... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده
ونحو قوله: (لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا) ما روي أن النبي - ﷺ - كان يقول: "يا مقلب القلوب ثبَّت قلبي على دينك"
فقالت له عائشة: وهل تُقلّب القلوب؟
فقال: "إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ".
والهبة: تمليك الشيء غيره من غير ثمن.

ولدُنْ: فيه لغات، قيل: لَدُنْ، ولُدُن بضمتين، ولَدَن بفتحتين، ولَدْن
بالسكون مع فتح اللام وضمه، وقيل: بكسر النون، وقيل: لدُ
بحذف النون، ولدى، ونبه تعالى بقوله: (هَبْ لَنَا) أن من
حق العبد أن لا يلفت له إلى شيء من العمل وطلب العوض به.
بل يرجو رجاء المفاليس الطالبين للتفضل والهبة لا العوض،