
إحقاق الحق وإبطال الشرك
إن منهج الإسلام الأساسي في إصلاح العقيدة: هو إحقاق الحق وتثبيت معالمه وصرحه، وإبطال الشرك وهدم معاقله وحصونه، وليس هناك أخطر على الأمة من تشوية عقيدتها، وتحريف كتاب الله، وتأويل الكلام تأويلا باطلا، وليس هناك أيضا أضر على الإنسان من الشرك والوثنية واتخاذ الأرباب مع الله ظلما وزورا، وافتراء وبهتانا.
وقد ضل جماعة من علماء أهل الكتاب وأحبارهم، فلووا ألسنتهم في كتاب الله، ليميلوها عن الآيات المنّزلة الصحيحة إلى العبارات المبدلة المحرّفة، فزادوا في كلام الله، أو نقصوا، أو حرفوا الكلم عن مواضعه، أو قرءوا كلامهم بأنغام وتراتيل، ليوهموا الناس بأنه من التوراة، وأن الكتاب جاء بذلك ليحسبه المسلمون حقا وصدقا، والواقع أنه ليس من كلام الله، ويقولون على الله الكذب، وهم يعلمون أنه مخترع مبدّل محرّف، ليس من عند الله، وإنما هو من عند الشيطان والهوى، وهذا ليس تلميحا أو إيماء، وإنما يصرحون بذلك لقسوة قلوبهم وجرأتهم على الله.
قال الله تعالى مبينا هذا الموقف:
[سورة آل عمران (٣) : آية ٧٨]
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)
«١» [آل عمران: ٣/ ٧٨].
ثم قرر الله موقفا آخر لإثبات عقيدة التوحيد لله، ونبذ الشرك، وهدم كل معالمه ومظاهره، فقال الله تعالى:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)
«٢»
(٢) فقهاء في الدين تعلّمون الناس بإخلاص.

«١» [آل عمران: ٣/ ٧٩- ٨٠].
وسبب نزول هذه الآية كما
ذكر ابن عباس، قال: إن أبا رافع القرظي قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم حين اجتمعت الأحبار من اليهود ووفد نصارى نجران: يا محمد، أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معاذ الله أن يعبد غير الله، أو نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني» فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الحسن البصري: بلغني أن رجلا قال: يا رسول الله، نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله» فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فلا يصح لبشر امتن الله عليه بإنزال الكتاب، والهداية إلى الحكمة والصواب في فهم ما أنزل الله عليه، وإيتائه النبوة والرسالة، ثم يطلب من الناس أن يعبدوه وحده، أو يعبدوه مع الله، فهذا هو الشرك بعينه، ولكن يقول: كونوا أيها الناس ربانيين، أي متمسكين بالدين، مطيعين لله أتم طاعة، بسبب كونكم تعلّمون الكتاب لغيركم، وبسبب كونكم تدرسونه وتتعلمونه. ولا يعقل أن يأمر نبي باتخاذ الملائكة والأنبياء آلهة تعبد من دون الله، فكل هذا كفر وفسوق وعصيان، لا يتفق مع الإسلام، والانقياد لله بالطبيعة والفطرة، التي فطر الناس عليها.
ميثاق النبيين
إن الأديان المنزلة من الله تعالى واحدة في أصولها، فهي متفقة على الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وأصول الأخلاق والفضائل، وأسس التشريع الناظم لمصالح