
ولما كانت نعمة الله الدنيوية عامة للمسلم والكافر، أو نعمته
الأخروية محرمة على الكافر، قال: (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
فخص، وأما التزكيةُ فقد تكون في الدنيا بتوفيقه وإرشاده إلى
ما يزداد به العبد بصيرة وفي الآخررة بالإِثابة، وكل ذلك ممنوع من
الكافر، ثم قال: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، تنبيها أن ثمرة منع
هذه الأشياء إيجاب العذاب لهم، أو تنبيها أنهم مع منعه إيّاهم
هذه النعم، يجعل لهم زيادة في العذاب الأليم.
قوله عز وجل: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)

الليّ: من لويت يده، وعنهم لويت الغريم ليًّا ولياناً، فَتَلْتُه
عن حقه بمطلة، ولي الألسنة: قيل تحريف اللسان عمّا في القلب.
وهو الكذب، وقيل: هو التنطُع والتجمُّل بالكلام لتشبيهه بغيره.
وقيل: ليهم بألسنتهم: تحريفهم بالتأويل الباطل، وكما ذم
تعالى بعضهم بقلة الوفاء بعهد الله ذم بعضهم بالكذب على الله
تعالى، الذي هو أفظع كذب وأشنعه، وعنى بالكتاب الأول ما
كتبوه بأيديهم المعني بقوله: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، وبالكتاب الثاني التوراة، ونفى
أن يكون ذلك من الكتاب الذي هو المنزل (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)
أي من حكمه وإنزاله، إن قيل: ما فائدة (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) بعد قوله: (لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ) أفاد أنهم يشبهون ويروون ذلك.
وهذا تعريض منهم، وقوله: (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) تصريح منهم بالكذب، فوصفهم بأنهم يكذبون

تعريضا وتصريحا، أو تلاوة وتأويلًا، وفي هذا دلالة أن إيهام
الكذب قبيح، كما أن التصريح به قبيح، وأيضاً فإن الشيء قد يقال
هو من عند الله ولا يكون من الكتاب، فإن كل صواب وحكمة
فمن عند الله، وإن لم يكن منزلاً في كتاب، وعلى ذلك قال النبي
- ﷺ -: "إذا أتاكم عني حديث يدل على هدى ويكف عن ردى فاقبلوه، قلته أو لم أقله، فإني قلته".
وفائدة (وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)