آيات من القرآن الكريم

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ

الْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَبَيْنَ تِلْكَ الْآيَةِ؟ قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْجَوَابِ: الْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بَيَانُ شِدَّةِ سُخْطِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ غَيْرَهُ كَلَامَهُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِسُخْطِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِذَا سَخِطَ إِنْسَانٌ عَلَى آخَرَ، قَالَ لَهُ لَا أُكَلِّمُكَ، وَقَدْ يَأْمُرُ بِحَجْبِهِ عَنْهُ وَيَقُولُ لَا أَرَى وَجْهَ فُلَانٍ، وَإِذَا جَرَى ذِكْرُهُ لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْجَمِيلِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ كِنَايَاتٌ عَنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ إِسْمَاعُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ أَوْلِيَاءَهُ كَلَامَهُ بِغَيْرِ سَفِيرٍ تَشْرِيفًا عَالِيًا يَخْتَصُّ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ، وَلَا يُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ وَالْفُسَّاقَ، وَتَكُونُ الْمُحَاسَبَةُ مَعَهُمْ بِكَلَامِ الْمَلَائِكَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُهُمْ بِكَلَامٍ يَسُرُّهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ وَالْمُعْتَدُّ هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِالْإِحْسَانِ، يُقَالُ فُلَانٌ لَا يَنْظُرُ إِلَى فُلَانٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَتَرْكُ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَالسَّبَبُ لِهَذَا الْمَجَازِ أَنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِالْإِنْسَانِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ وَأَعَادَ نَظَرَهُ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَلِهَذَا السَّبَبِ صَارَ نَظَرُ اللَّهِ عِبَارَةً عَنِ الِاعْتِدَادِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَظَرٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا النَّظَرِ الرُّؤْيَةَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى يَرَاهُمْ كَمَا يَرَى غَيْرَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ النَّظَرِ تَقْلِيبَ الْحَدَقَةِ إِلَى جَانِبِ الْمَرْئِيِّ الْتِمَاسًا لِرُؤْيَتِهِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، وَتَعَالَى إِلَهُنَا عَنْ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا، وَقَدِ احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ الْمَقْرُونَ بِحَرْفِ (إِلَى) لَيْسَ لِلرُّؤْيَةِ وَإِلَّا لَزِمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى رَائِيًا لَهُمْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُهُ وَلا يُزَكِّيهِمْ فَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يُطَهِّرَهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ بِالْمَغْفِرَةِ بَلْ يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهَا وَالثَّانِي: لَا يُزَكِّيهِمْ أَيْ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ كَمَا يُثْنِي عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْأَزْكِيَاءِ وَالتَّزْكِيَةُ مِنَ الْمُزَكِّي لِلشَّاهِدِ مَدْحٌ مِنْهُ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَزْكِيَةَ اللَّهِ عِبَادَهُ قَدْ تَكُونُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا قَالَ: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْدِ: ٢٣، ٢٤] وَقَالَ: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء: ١٠٣] نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
[فصلت: ٢١] وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَكَقَوْلِهِ التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ [التَّوْبَةِ: ١١٢] وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَكَقَوْلِهِ سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨].
وَأَمَّا الْخَامِسُ: وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حِرْمَانَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ بَيَّنَ كَوْنَهُمْ فِي الْعِقَابِ الشَّدِيدِ الْمُؤْلِمِ.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٧٨]
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ نَازِلَةٌ فِي الْيَهُودِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي حَقِّ الْيَهُودِ وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا فَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ تِلْكَ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ نَازِلَةً فِي الْيَهُودِ أَيْضًا/ وَاعْلَمْ أَنَّ (اللَّيَّ) عِبَارَةٌ عَنْ عَطْفِ الشَّيْءِ وَرَدِّهِ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ إِلَى الِاعْوِجَاجِ، يُقَالُ: لَوَيْتُ يَدَهُ، وَالْتَوَى الشَّيْءُ إِذَا انْحَرَفَ وَالْتَوَى فُلَانٌ عَلَيَّ إِذَا غَيَّرَ أَخْلَاقَهُ عَنِ الِاسْتِوَاءِ إِلَى ضِدِّهِ، وَلَوَى لِسَانَهُ عَنْ كَذَا إِذَا غَيَّرَهُ، وَلَوَى فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ إِذَا أَمَالَهُ عَنْهُ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ»
وَقَالَ تَعَالَى: وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ [النِّسَاءِ: ٤٦].

صفحة رقم 267

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْأَصْلَ فَفِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ مَعْنَاهُ وَأَنْ يَعْمِدُوا إِلَى اللَّفْظَةِ فَيُحَرِّفُونَهَا فِي حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ تَحْرِيفًا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْمَعْنَى، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فَلَا يَبْعُدُ مِثْلُهُ فِي الْعِبْرَانِيَّةِ، فَلَمَّا فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّوْرَاةِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ الثَّانِي: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النَّفَرَ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ كَتَبُوا كِتَابًا شَوَّشُوا فِيهِ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلَطُوهُ بِالْكِتَابِ الَّذِي كَانَ فِيهِ نَعْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالُوا هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ لَيَّ اللِّسَانِ تَثَنِّيهِ بِالتَّشَدُّقِ وَالتَّنَطُّعِ وَالتَّكَلُّفِ وَذَلِكَ مَذْمُومٌ فَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قِرَاءَتِهِمْ لِذَلِكَ الْكِتَابِ الْبَاطِلِ بِلَيِّ اللِّسَانِ ذَمًّا لَهُمْ وَعَيْبًا وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْعَرَبُ تُفَرِّقُ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَيَقُولُونَ فِي الْمَدْحِ: خَطِيبٌ مُصْقِعٌ، وَفِي الذَّمِّ: مِكْثَارٌ ثَرْثَارٌ.
فَقَوْلُهُ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ الْمُرَادُ قِرَاءَةُ ذَلِكَ الْكِتَابِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٧٩] ثُمَّ قَالَ: وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ أَيْ وَمَا هُوَ الْكِتَابُ الْحَقُّ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بَقِيَ هَاهُنَا سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: إِلَى مَا يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِتَحْسَبُوهُ؟.
الْجَوَابُ: إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ وَهُوَ الْمُحَرَّفُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ يُمْكِنُ إِدْخَالُ التَّحْرِيفِ فِي التَّوْرَاةِ مَعَ شُهْرَتِهَا الْعَظِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ؟.
الْجَوَابُ: لَعَلَّهُ صَدَرَ هَذَا الْعَمَلُ عَنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ، يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى التَّحْرِيفِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَرَضُوا ذَلِكَ الْمُحَرَّفَ عَلَى بَعْضِ الْعَوَامِّ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ هَذَا التَّحْرِيفُ مُمْكِنًا، وَالْأَصْوَبُ عِنْدِي فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى تَدْقِيقِ النَّظَرِ وَتَأَمُّلِ الْقَلْبِ، وَالْقَوْمُ كَانُوا يُورِدُونَ عَلَيْهَا الْأَسْئِلَةَ الْمُشَوَّشَةَ وَالِاعْتِرَاضَاتِ الْمُظْلِمَةَ فَكَانَتْ تَصِيرُ تِلْكَ الدَّلَائِلُ مُشْتَبِهَةً عَلَى السَّامِعِينَ، وَالْيَهُودُ كَانُوا يَقُولُونَ:
مُرَادُ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا مَا ذَكَرْتُمْ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيفِ وَبِلَيِّ الْأَلْسِنَةِ وَهَذَا مِثْلُ مَا أَنَّ الْمُحِقَّ فِي زَمَانِنَا إِذَا اسْتَدَلَّ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْمُبْطِلُ يُورِدُ عَلَيْهِ الْأَسْئِلَةَ وَالشُّبُهَاتِ وَيَقُولُ: لَيْسَ/ مُرَادُ اللَّهِ مَا ذَكَرْتَ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران: ٧٨] وَكُرِّرَ هَذَا الْكَلَامُ بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ، أَمَّا الْمُحَقِّقُونَ فَقَالُوا: الْمُغَايَرَةُ حَاصِلَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ قَدْ ثَبَتَ تَارَةً بِالْكِتَابِ، وَتَارَةً بِالسُّنَّةِ، وَتَارَةً بِالْإِجْمَاعِ، وَتَارَةً بِالْقِيَاسِ وَالْكُلُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
فَقَوْلُهُ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ هَذَا نَفْيٌ خَاصٌّ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ النَّفْيُ الْعَامُّ فَقَالَ:
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكِتَابِ التَّوْرَاةَ، وَيَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِثْلِ أَشْعِيَاءَ، وَأَرْمِيَاءَ، وحيقوق،

صفحة رقم 268
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية