آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ

قال ع «١» : ويحتملُ أنْ يكون قوله: أَنْ يُؤْتى بدلاً من قوله: هُدَى اللَّهِ.
قلْتُ: وقد أطالوا الكلامَ هنا، وفيما ذكرناه كفايةٌ.
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ في الآية تكذيبٌ لليهود في قولهم: لَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ أحداً مِثْلَ ما أتى بني إسرائيل من النبوَّة والشَّرف، وباقي الآية تقدَّم تفسير نظيره.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٥ الى ٧٨]
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)
وقوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ... الآية: أخبر تعالى عن أهْل الكتاب أنهم قسْمَانِ في الأمانةِ، ومَقْصِدُ الآية ذمُّ الخَوَنَةِ منْهم، والتفنيدُ لرأيهم وكَذِبِهِمْ على اللَّه في استحلالهم أموالَ العَرَبِ. قال الفَخْرَ «٢» وفي الآية ثلاثةُ أقوال:
الأول: أنَّ أهل الأمانةِ منهم الَّذين أسْلَمُوا، أمَّا الذين بَقُوا عَلَى اليهوديَّة، فهم مصرُّون عَلَى الخيَانَة لأن مذهبهم أنَّه يحلُّ لهم قَتْلُ كلِّ من خالفهم في الدِّينِ، وأَخْذُ ماله.
الثَّاني: أنَّ أهل الأمانة منهم هم النصارى، وأهل الخيانة هم اليهودُ.
الثالث: قال ابنُ عَبَّاس: أوْدَعَ رجلٌ عبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ أَلْفاً ومِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فأدَّى إلَيْه، وأودَعَ آخَرُ فِنْحَاصاً اليهوديَّ ديناراً، فخانه، فنزلَتِ الآية. اهـ «٣».
قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامِهِ» «٤» : قال الطبريُّ «٥» : وفائدةُ هذه الآية النهي عن ائتمانهم

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٥٦).
(٢) ينظر: «مفاتيح الغيب» (٨/ ٨٨).
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (١/ ٣١٧). [.....]
(٤) ينظر: «أحكام القرآن» (١/ ٢٧٥).
(٥) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٣١٥) بنحوه.

صفحة رقم 62

على مالٍ، وقالَ شيْخُنا أبو عبدِ اللَّهِ المغربيُّ: فائدتُها ألاَّ يؤُتَمَنُوا على دِينٍ يدُلُّ عليه ما بعده في قوله: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ... الآية، والصحيحُ عندي:
أنها في المالِ نصٌّ، وفي الدِّينِ تنبيهٌ، فأفادَتِ المعنيين بهذَيْنِ الوجهَيْنِ. قال ابنُ العربيِّ:
فالأمانةُ عظيمةُ القَدْرِ في الدِّينِ، ومن عظيمِ قَدْرها أنها تقفُ على جَنَبَتَيِ الصِّراطِ لا يُمَكَّنُ من الجواز إلا مَنْ حفظها، ولهذا وجَبَ علَيْكَ أن تؤدِّيها إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ مَنْ خانك، فتقابل المعْصِيَةَ بالمَعْصية وكذلك لا يجوزُ أنْ تَغْدُرَ مَنْ غَدَرَكِ. قال البخاريُّ:

باب إثْمِ الغَادِرِ للْبَرِّ والفَاجِرِ. اهـ.


والقِنْطَارُ في هذه الآية: مثالٌ للمالِ الكَثيرِ، يَدْخُلُ فيه أكثر من القِنْطَارِ وأقلُّ، وأَمَّا الدينار، فيحتملُ أنْ يكون كذلك مثالاً لما قَلَّ، ويحتملُ أنْ يريد أنَّ منهم طبقةً لا تخون إلا في دينار فما زاد، ولم يُعْنَ/ لذكْرِ الخائنَين في أقَلَّ إذ هم طَغَامٌ حُثَالَةٌ، ودَامَ: معناه:
ثبت.
وقوله: قائِماً: يحتملُ معنيين: قال قتادة، ومجاهد، والزَّجَّاج «١» : معناه: قَائِماً على اقتضاءِ حَقِّك «٢»، يريدون بأنواع الاقتضاءِ من الحَفْزِ والمُرَافَعَةِ إلى الحاكِمِ مِنْ غَيْر مراعاة لهيئة هذا الدِّائِم.
وقال السُّدِّيُّ وغيره: معنى قَائِماً: على رأسه «٣».
وقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ... الآية: الإشارة ب «ذَلِكَ» إلى كونهم لا يؤدُّون الأمانة، أي: يقولون نحن من أهل الكتاب، والعرب أُمِّيُّونَ أَصْحَابُ أوثانٍ، فأموالهم لنا حلالٌ، متى قَدَرْنا على شيْءٍ منها، لا حُجَّة عَلَيْنَا في ذلك، ولا سبيلَ لمعترضٍ.
وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذمٌّ لبني إسرائيل بأنهم يَكْذِبُونَ علَى اللَّه سبحانه في غير مَا شَيْءٍ، وهم عالمون بمواضع الصّدق.
(١) ينظر: «معاني القرآن» (١/ ٤٣٣).
(٢) أخرجه الطبري (٣/ ٣١٥) برقم (٧٢٥٨)، (٧٢٥٩) عن قتادة، وبرقم (٧٢٦٠) عن مجاهد، وذكره ابن عطية (١/ ٤٥٨)، والسيوطي (٢/ ٧٧)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري (٣/ ٣١٦) برقم (٧٢٦٢)، وذكره ابن عطية (١/ ٤٥٨)، والسيوطي (٢/ ٧٧)، وعزاه لابن أبي حاتم عن السدي.

صفحة رقم 63

قال ص: وَهُمْ يَعْلَمُونَ: جملةٌ حاليَّةٌ. اهـ.
ثم ردَّ اللَّه تعالى في صَدْر قولهم: لَيْسَ عَلَيْنا بقوله: بَلى أي: عليهم سبيلٌ، وحُجَّةٌ، وتِبَاعَةٌ، ثُمَّ أخبر على جهة الشرط أنَّ مَنْ أوفى بالعَهْد، واتقى عقُوبةَ اللَّهِ في نَقْضه، فإنه محبوبٌ عند اللَّه.
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ... الآية: آية وعيدٍ لمن فعل هذه الأفاعيل إلى يوم القيامة، وهي آية يدخُلُ فيها الكُفْر فما دونه من جَحْد الحَقِّ وخَتْرِ «١» المواثيقِ، وكلٌّ يأخذ من وعيدها بحَسَب جريمتِهِ.
قال ابنُ العربِيِّ في «أحكامه» «٢» : وقد اختلف الناسُ في سَبَب نزول هذه الآيةِ، والذي يصحُّ من ذلك: أنَّ عبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امرئ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ:
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا... الآية، قال: فجاء الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابن عَمٍّ لِي، وفِي رِوَايَةٍ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليهود أرض، فجحدني، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ»، قُلْتُ: إذَن يَحْلِفَ، يَا رسول الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذَكَرَ الحديث «٣». اهـ.
وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ... الآية: يَلْوُونَ: معناه:
يحرِّفون ويتحيَّلون لتبديل المعانِي من جهة اشتباه الألفاظ، واشتراكها، وتشعّب

(١) الختر: شبيه بالغدر والخديعة، وقيل: هو الخديعة بعينها، وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه، وفي التنزيل العزيز: كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ [لقمان: ٣٢]. ينظر: لسان العرب» (١٠٩٩).
(٢) ينظر: «أحكام القرآن» (١/ ٢٧٧- ٢٧٨).
(٣) أخرجه البخاري (٥/ ٢٨٠)، كتاب «الشهادات»، باب اليمين على المدعى عليه، حديث (٢٦٦٩، ٢٦٧٠)، ومسلم (١/ ١٢٢- ١٢٣) كتاب «الإيمان»، باب من اقتطع حق امرئ مسلم بيمين فاجرة، حديث (٢٢٠/ ١٣٨)، وأبو داود (٤/ ٤١) كتاب «الأقضية»، باب إذا كان المدعى عليه ذميا، حديث (٣٦٢١)، والترمذي (٥/ ٢٢٤) كتاب «التفسير» باب (٤) حديث (٢٩٩٦)، وابن ماجة (٢/ ٧٧٨) كتاب «الأحكام»، باب البينة على المدعي، حديث (٢٣٢٢).
والحميدي (١/ ٥٣) رقم (٩٥)، والطيالسي (١/ ٢٤٦) رقم (١٢١٦)، وأبو عوانة (١/ ٣٨- ٣٩) باب بيان الأعمال التي يستوجب فاعلها عذاب الله، وأبو يعلى (٩/ ٥٠- ٥١) رقم (٥١١٤)، والبيهقي (١٠/ ١٧٨) كلهم من طريق أبي وائل عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان» فقال الأشعث بن قيس: فيّ والله كان ذلك.

صفحة رقم 64
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية