
و (شباب نهار)؛ أي: أول النهار؛ وأنشد للربيع بن زياد (١):
مَنْ كان مسرورًا بِمَقتَلِ مالِكٍ | فَلْيَأتِ نِسْوَتَنا بِوَجْهِ نهارِ (٢). |
٧٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ الآية.
(٢) ورد البيت منسوبًا له في "مجاز القرآن" ١/ ٩٧، "الحماسة" لأبي تمام: ١/ ٤٩٤، "الفاخر" للمفضل الضبي: ٢٢٣، "الطبري" ٣/ ٣١٢، "الدر المصون" ٣/ ٢٤٨، "خزانة الأدب" ٨/ ٣٦٩.
وورد غير منسوب في "معاني القرآن" للزجاج: ١/ ٢٤٩، "مجالس العلماء" ٢٣٤، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٤٢ (وجه)، "الموضح في التفسير" ٣٨، "تذكرة النحاة" ١٣٩، "اللسان" ١٣/ ٥٥٦ (وجه)، "التاج" ٩/ ٤١٨ (وجه).
والبيت ضمن أبيات قالها في مالك بن زهير العبسي الذي قتلته بنو فزارة، وبعده:
يَجِدِ النساءَ حواسِرًا يندُبُنَه | يَلْطمْنَ أوجُهَهُنَّ بالأسحارِ. |
(٣) وهو قول قتادة، والربيع، وابن عباس ومجاهد، وغيرهم. انظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٣١٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٦٨٠.
(٤) لم أقف على مصدره. وقد ورد في "البغوي" ٢/ ٥٤، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٣. والذي في "تفسير عبد الرزاق": ١/ ١٢٣ عنه وعن قتادة قالا: (.. وهو أن يرجعوا عن دينهم).

قتادةُ (١)، والرَّبيعُ (٢)، والسُّدي (٣)، والحسنُ (٤)، وابن زيد (٥)، وأكثرهم: على أن هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض؛ والمعنى: لا تصدِّقوا إلا لِمَن تبع دينكم اليهودية، وقام بشرائعكم.
﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ من: العلم، والحكمة، والكتاب، والحجة، والمَنِّ والسَّلْوَى، والفضائل والكرامات. والتقدير: (٦) لا تُصَدِّقوا بأن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، إلا لِمَنْ تبع دينكم.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ اعتراضٌ بين المفعول وفعله، وهو من كلام الله تعالى.
قال ابن عباس (٧): ومعناه: إنَّ الدينَ دينُ اللهِ. ومثله في سورة البقرة: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ (٨) [البقرة: ١٢٠].
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ التقدير: (بأن يُؤتى)؛ لأن الإيمان
(٢) قوله في "تفسير الطبري" ٣/ ٣١٤.
(٣) قوله في "تفسير الطبري" ٣/ ٣١٤، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٦٨١ "النكت والعيون" ١/ ٤٠٠.
(٤) لم أقف على مصدر قوله وهو في "زاد المسير" ٤٠٦/ ١، "النكت والعيون" ١/ ٤٠٠.
(٥) قوله في "تفسير الطبري" ٣/ ٣١٤، "النكت والعيون" ١/ ٤٠١.
(٦) في (ج): (ولا).
(٧) لم أقف على مصدر قوله، وفي "تنوير المقباس" ١/ ٥٠ (إنَّ دينَ الله هو الإسلام، وقبلة الله هي الكعبة).
(٨) في (ج): (قل إن الهدى هدى الله).

يتعدَّى بالجارِّ، فلمَّا حذفَ الجار من ﴿أَنْ﴾، كان موضع ﴿أَنْ﴾ على ما ذكرنا من الخلاف؛ في قول الخليل: يكون جَرًّا (١)، وفي قول سيبويه: يكون نصبًا (٢). وقد ذكرنا هذا الخلاف في مواضع.
فأما الَّلام في ﴿لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾، فقال أكثر النحويين (٣): إنها دخلت صِلَةً وتأكيدًا (٤)؛ كهي في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ (٥)؛ والمعنى: رَدِفَكم. وأنشد ابن الأنباري (٦) على هذا:
ما كنتُ أَخدَعُ للخليلِ بِخُلَّةٍ | حتى يكونَ ليَ الخليلُ خَدوعا (٧) |
(٢) انظر ما ذكره عند تفسير: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾ آية: ٣٩ من آل عمران.
(٣) منهم: الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٢٢، وابن شقير في "المحلى" ٢٣٨، والزجاجي، في "اللامات" ١٤٧.
(٤) حروف الصلة، هي حروف الزيادة، وأشهرها: الباء، الكاف، اللام، مِن. وتستعمل هذه الحروف أصلية، وأحيانًا زائدة؛ وهي لا تجلب معنى جديدًا، وإنَّما تؤكد وتقوي المعنى العام في الجملة كلها، سواء أكان المعنى العام إيجابًا أم سلبًا. انظر: "النحو الوافي" ٢/ ٤٤٩ - ٤٥٠، وانظر للتوسع في نقاش هذا الأمر في "سر صناعة الإعراب"١٢٠ وما بعدها، "شرح المفصل" ٨/ ١٢٨.
(٥) [سورة النمل: ٧٢]. ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾. وممن قال بزيادتها: الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٢٢، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٣١٤، وابن شقير في "المحلى" ٢٣٨، والزجاجي في "اللامات" ١٤٧.
(٦) لم أقف على مصدره. وقد أورده ابنُ الجوزي في "الزاد" ١/ ٤٠٧.
(٧) لم أقف على قائله فيما رجعت إليه من مصادر. وقد ورد في "زاد المسير" ١/ ٤٠٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤.

وقال الآخر:
يَذمُّونَ للدنيا (١) وهم يَحْلِبونها | أَفَاوِيقَ (٢) حتى ما يَدُرُّ لها ثُعْلُ (٣) |
وقال] (٤) أبو علي الفارسي (٥): (الإيمان) لا يتعدَّى إلى مفعولين،
(٢) في (أ)، (ب): فاويق. والمثبت من: (ج)، ومصادر البيت.
(٣) في (أ): (نَعل). وفي (ب): (حتى لا يدرها نعل)، والمثبت من: (ج) ومصادر البيت. والبيت لعبد الله بن همام السلُولي. وقد ورد منسوبًا له، في "إصلاح المنطق" ٢١٣، " الكامل" ١/ ٥٥، "الصحاح" ١٦٤٦ (ثعل)، والمخصص: ١٥/ ٥٩، "اللسان" ٨/ ٤٨٥٧ (وضع)، ٦/ ٣٤٨٧ (فوق)، ١/ ٤٨٤ (ثعل).
وورد في "المخصص" ١/ ٢٥ ونسبه لهمام بن مرة.
وورد غير منسوب، في "مجالس ثعلب" ٤٤٧، "جمهرة اللغة" ٧٤٦ (وضع)، "التهذيب" ٢/ ١٤١٨ (رضع)، ١/ ٤٨٢ (ثعل)، "معجم المقاييس" ٢/ ٤٠١ (رضع)، و"المجمل" ٣٨٠ (رضع)، "زاد المسير" ١/ ٤٠٧، "الدر المصون" ٣/ ٢٥٠.
وفي كل المصادر السابقة ما عدا "زاد المسير" ورد: (وذمُّوا لنا الدنيا وهم يرضِعُونها..)، وفي "معجم المقاييس" (.. الثُّعْلُ)، وفي "الدر المصون" (ويروى: (بالدنيا) بالباء.
و (الثُعْل)، و (الثَّعْل)، و (الثَّعَل): زيادة في حَلَمات الناقة والشاء والبقر. وقيل: هو خِلْفٌ زائد في أخلاف الناقة وضرِع الشاة. انظر: "اللسان" ٦/ ٣٤٨٧ (فوق)، ١/ ٤٨٤ (ثعل).
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من: (ج).
(٥) في "الحجة" له: ٣/ ٥٣. نقله عنه بالمعنى.

فلا يجوز أيضًا أن يَتعَلَّقَ (١) بجارَّيْنِ، وقد تعلق بالجارِّ المحذوف من قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى﴾ فلا يتعلق بالَّلام من (٢) قوله: ﴿لَمَنْ﴾، إلا أن يُحمَل (الإيمان) على معناه، فيَتَعدَّى إلى مفعولين، ويكون المعنى: ولا تقرُّوا بأنْ يؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم، إلا لِمَن تبع دينكم؛ كما تقول: (أقررت لِزيدٍ بألف)، فيكون اللامُ متعلقًا بالمعنى، ولا تكون زائدةً (٣) على حَدِّ ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ (٤)، و ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ (أحَدٌ) (٦) إنَّما يُستعمل (٧) لتعميم النفي؛ كقولك: (ما رأيت أحدًا مِنَ الناس) (٨). وههنا دخل (أَحَدٌ) للنفي الواقع في
(٢) في (ج): (في).
(٣) في (ج): (زيادة).
قال أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤: (والأجود أن لا تكون اللام زائدة، بل ضُمِّن (آمَن) معنى أقَرَّ، واعترف، فتعدى باللام).
(٤) سورة النمل: ٧٢ ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾.
(٥) سورة يوسف: ٤٣. وقبلها: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾.
قال العكبري: في "التبيان" (٤٧٢) (للرؤيا): اللام فيه زائدة، تقوية للفعل لمَّا تقدم مفعوله عليه، ويجوز حذفها في غير القرآن؛ لأنه يقال: عبَّرت الرؤيا).
(٦) (أحد): ساقطة من: (ج). وفي (أ)، (ب): (أحدًا بما).
ومن قوله: (أحد..) إلى (.. لدخول النفي في أول الكلام): نقله بتصرف من "الحجة" للفارسي: ٣/ ٥٤ - ٥٥.
(٧) في (ج): (استعمل).
(٨) (أحدٌ) الذي يلازم النفي، تكون همزته أصلية، وهو وإن كان لفظه مفردا، إلا أنه يدل على الجمع ويفيد العموم. أما (أحد) الذي بمعنى واحد، فهمزته بدل من واو.

أول الكلام، وهو قوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾؛ كما دخلت (١) (مِنْ) في صِلَةِ (أنْ يُنَزَّلَ) في قوله: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ [البقرة: ١٠٥]. فكما دخلت (مِنْ) في صلة (أنْ يُنَزَّلَ)؛ لأنه مفعول للنَّفي الَّلاحق لأوَّلِ الكلام (٢)، كذلك دخل (أحدٌ) في [صِلَةِ (أنْ) في] (٣) قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾؛ لدخول النفي في أول الكلام. والكلام في معنى (أحد)، قد تقدم عند قوله: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ [البقرة: ١٠٢].
وقوله تعالى: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ عطف على قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾؛ المعنى: ولا تؤمنوا بأن يحاجُّوكم عند ربكم؛ لأنكم أصح دينًا منهم، فلا يكون لهم الحجة عليكم عند الله.
قوله: ﴿يُحَاجُوكُمْ﴾، الضمير (٤) فيه ضمير الجماعة، وهو خبر عن ﴿أحدٌ﴾ في قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾، وجاز ذلك؛ لأن الأسماء المنفردة قد تقع للشياع (٥) في المواضع التي يراد بها الكثرة؛ كقوله: ﴿يُخرِجُكم طِفْلاً﴾ (٦)، وقوله: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (٧) [الفرقان: ٧٤]، وقوله:
(٢) (الكلام): ساقطة من: (ج).
(٣) ما بين المعقوفين زيادة من: (ج).
(٤) من قوله: (الضمير..) إلى: (.. للمتَّقين إماما): نقله بالمعنى من "الحجة" للفارسي: ٣/ ٥٧.
(٥) يريد بالشياع: الجمع والعموم، وشمول اللفظ المفرد لأكثر من فرد.
(٦) سورة غافر: ٦٧. وقد وردت في (أ)، (ب)، (ج): (ويخرجكم). والشاهد في الآية: أن (طفلا) بمعنى أطفال، وأفرد اللفظ وأراد به الجنس. انظر: "تفسير أبي السعود" ٧/ ٢٨٣، "تفسير البيضاوي" ٢/ ٣٤٥.
(٧) الشاهد هنا إفراد لفظ (إمام) ليدل على الجنس. انظر: "تفسير أبي السعود" ٦/ ٢٣١، "تفسير البيضاوي" ٢/ ٧٥.

﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ (١).
وقد مضى مثل هذا في قوله: ﴿لَا نُفَرقُ بَينَ أَحَدٍ﴾ (٢).
وقرأ ابن كثير: ﴿أَنْ يُؤْتَى﴾ (٣) بالمدِّ (٤). وعلى هذه القراءة يحتاج أن يستأنف الآية في بيان المعنى والنظم. فقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾؛ معناه على هذه القراءة: ما ذكره الزجَّاجُ، قال (٥):
قالت اليهود بعضهم لبعض: لا تجعلوا تصديقكم للنبي - ﷺ - في شيء مما جاء به، إلا لليهود؛ أي: لا تخبروا أحدًا بصدق ما أتى به، إلا أن يكونَ منكم؛ فإنكم (٦) إن قلتم ذلك للمشركين كان (٧) عونًا لهم على تصديقه، ويكون معنى (الإيمان): الإقرار، كما ذكرنا، وأحد مفعوليه محذوف، والتقدير: لا تقروا إلا لليهود (٨) بصدق محمد.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ هو من كلام الله، معترض من كلام اليهود على ما ذكرنا.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ ﴿أَنْ﴾ (٩) في موضع رفع
(٢) مقطع من آية ١٣٦ ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾، وآية ٢٨٥ ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾. سورة البقرة.
(٣) في (ج): (أن يؤتى).
(٤) أي على الاستفهام. انظر: "السبعة" ٢٠٧، "الحجة" ٣/ ٥٢، "التيسير" ٨٩.
(٥) في "معاني القرآن" له: ١/ ٤٣٠. نقله عنه بتصرف.
(٦) في (ج): (وإنكم).
(٧) في (ج): (كانوا).
(٨) في (ج): (اليهود).
(٩) من قوله: (أن في موضع..) إلى (.. إن أحدًا ووحدا وواحدا بمعنى): نقله عن=

بالابتداء (١)، ولا يجوز أن يُحمل على ما قبله؛ لقطع الاستفهام بينهما، وخبره محذوف؛ والمعنى: أأنْ (٢) يُؤتَى أحَدٌ، يا معشر اليهود، مثل ما أوتيتم من الكتاب والعلم، تصدقون به، أو تعترفون، أو تذكرونه لغيركم، أو تشيعونه في الناس؟ أو نحو هذا مما دلَّ عليه قوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾. وهذا في قول من قال: (أزيدٌ ضربته) (٣)؟
ومن قال: (أزيدًا ضربته؟)، كان (أنْ) عنده في موضع نصب (٤).
ومِثْلُ حَذْفِ خبر المبتدأ لدلالة ما قبل الاستفهام عليه: حَذْفُ الفعل في قوله: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ﴾ [يونس: ٩١] التقدير (٥): آلآن أسلمتَ حين لا ينفعك الإيمانُ من أجل المعاينة؟. فحذف الفعل لدلالة ما قبل الاستفهام عليه. ومثل هذه الآية في المعنى: قوله: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٧٦]، وبَّخ بعضهم بعضًا بالحديث بما علموه من أمر النبي - ﷺ -، وعرفوه من صفته.
(١) هذا التوجيه النحوي بناء على قراءة ابن كثير.
(٢) في (أ)، (ب): (آأن). وفي (ج): (ان). وما أثبتُّهُ هو الصواب.
(٣) فالاسم هنا واقع بعد همزة الاستفهام، وقد قال عنه السمين الحلبي: (وهو وجه مرجوح). "الدر المصون" ٣/ ٢٥٧.
(٤) فالفعل هنا مضمر بعد حرف الاستفهام، وقد استحسن هذا، وقال بوجوب اختياره، مكيُّ في "الكشف" ١/ ٣٤٨ وقال: (فهو أقوى في العربية؛ لأن الاستفهام بالفعل أولى؛ لأنك عنه تستفهم، لست تستفهم عن شخص زيد، إنما تستفهم عن الفعل، هل وقع بزيد). وانظر: "الدر المصون" ٣/ ٢٥٧ - ٢٥٨.
(٥) (التقدير): ساقط م: (ج).

ولعل ابن كثير اعتبر هذه الآية في قراءته (١).
فإن قيل: فكيف وجْهُ دخول ﴿أحدٌ﴾ في هذه القراءة، وقد انقطع من النفي [بِلحاقِ] (٢) الاستفهام (٣)، وإذا انقطع، كان (٤) الكلام إيجابًا وتقريرًا، فلا يجوز دخول ﴿أحدٌ﴾؟
قيل: يجوز أن يكون ﴿أحدٌ﴾ في هذا الموضع (أحدًا) الذي في نحو: (أحدٌ وعشرون)، وهذا يقع في الإيجاب، ألا ترى أنه بمعنى واحد؟.
وقال أبو العباس (٥): إن (أحدًا)، و (وَحَدًا)، و (واحدًا) بمعنىً.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ يُحَاجُوكُمْ﴾ (أو) في هذه القراءة (٦) بمعنى: حتىَّ (٧)؛ ومعنى الكلام: أأن (٨) يُؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم، تذكرونه لغيركم؛ حتى
(٢) ما بين المعقوفين زيادة من "الحجة" للفارسي: ٣/ ٥٦ ليتم ويصح بها المعنى.
(٣) في (ج): (والاستفهام).
(٤) (كان): ساقطة من: (ج).
(٥) هو أحمد بن يحيى، ثعلب. كما في "الحجة" للفارسي: ٣/ ٥٧.
(٦) أي: في قراءة ابن كثير.
(٧) قال الرماني: (وتضمر مع (أو) (أن)؛ وذلك إذا كان معناها معنى "حتى". كتاب "معاني الحروف" له: ٧٩. وانظر: "كتاب سيبويه" ٣/ ٤٧، "المقتضب" ٢/ ٢٨، و"حروف المعاني والصفات" للزجاجي: ٥٨.
(٨) في (ج): (أن).

يحاجُّوكم عند ربكم؟.
قال الفرَّاء (١): ومثله في الكلام: قولك: (تعلَّقْ به، أو يُعْطِيَكَ حقَّكَ)؛ أي: حتى. وقال امرؤ القيس:
فقلتُ له لا تَبْكِ عينُكَ إنَّما | نُحاوِلُ (٢) مُلْكًا أو تَموتَ فنُعْذَرا (٣) |
فهذا (٤) وجهٌ، وأجود منه: أن نجعله عطفًا على الاستفهام؛
(٢) في (ب): نجادل.
(٣) البيت في ديوانه: ٦٦. وقد نسبته إليه أكثر المصادر التالية: "كتاب سيبويه" ٣/ ٤٨، "معاني القرآن" للفراء: ٢/ ٧١، "المقتضب" ٢/ ٢٨، "الزاهر" ٢/ ١٨٣، "إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ٥٨٤، "القطع والائتناف" للنحاس ٢٣٣، "معاني القرآن" له: ١/ ٢٤٣، وكتاب "حروف المعاني" للزجاجي: ٥٨، "اللامات" للزجاجي: ٦٨، "معاني الحروف" للرماني: ٧٩، "الخصائص" ١/ ٢٦٣، "الموضح في التفسير" ٣٨، "أمالي ابن الشجري" ٣/ ٧٨، "شرح المفصل" ٧/ ٢٢، ٣٣، "تفسير القرطبي" ٤/ ١١٣، "رصف المباني" ٢١٢، "منهج السالك" ٥٥٨، "الخزانة" ٨/ ٥٤٣. وقد ورد في كل المصادر السابقة: (.. أو نموتَ فنُعذَرا).
والبيت من قصيدة له، وقبله:
بَكَى صاحبي لمَّا رأى الدربَ دونه | وأيقن أنَّا لاحقان بقيصرا |
والشاهد فيه: قوله: (أو نموت..)؛ بمعنى: حتى نموت.
(٤) في (ب): (وهذا).