بين ابراهيم وموسى الف سنة وبين موسى وعيسى الفى سنة فكيف يكون ابراهيم على دين لم يحدث الا بعد عهده بأزمنة متطاولة ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جملة من مبتدأ وخبر صدرت بحرف التنبيه ثم بينت بجملة مستأنفة اشعارا بكمال غفلتهم اى أنتم هؤلاء الحمقى حيث حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ من التوراة والإنجيل من نبوة محمد عليه السلام فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فيما لا ذكر له فى كتابكم ولا علم لكم به من دين ابراهيم إذ لا ذكر لدينه عليه السلام فى أحد الكتابين قطعا وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما حاججتم فيه فيعلمنا وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ اى محل النزاع ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا تصريح بما نطق به البرهان المقرر وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً اى مائلا عن العقائد الزائغة كلها مُسْلِماً
اى منقادا لله تعالى وليس المراد انه كان على ملة الإسلام والا لاشترك الإلزام وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تعرض بانهم مشركون بقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله ورد لادعاء المشركين انهم على ملته عليه السلام إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ اى ان أحق الناس بدعواه انه على دين ابراهيم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فى زمانه وَهذَا النَّبِيُّ اى محمد المصطفى ﷺ لانه اتبعه وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وبمحمد ﷺ من هذه الامة لموافقتهم فى اكثر ما شرعه لهم على الاصالة وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ينصرهم ويجازيهم الحسنى بايمانهم وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ اى أحبت لَوْ اى ان يُضِلُّونَكُمْ يصرفونكم عن دين الإسلام الى دين الكفر وانما قال طائفة لان من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ جملة حالية جيئ بها للدلالة على كمال رسوخ المخاطبين وثباتهم على ما هم عليه من الدين القويم اى وما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله الا إليهم لما انه يضاعف به عذابهم وَما يَشْعُرُونَ اى باختصاص وباله وضرره بهم. اعلم انه تعالى لما بين ان من طريقة اهل الكتاب العدول عن الحق والاعراض عن قبول الحجة بين انهم لا يقتصرون على هذا القدر بل يجتهدون فى إضلال من آمن بالرسول عليه السلام بإلقاء الشبهات. فعلى العاقل ان لا يضل عن الطريق القويم بإلقاءات كل شيطان رجيم من ضلال الانس والجان أصلحهم الله الملك المنان وماذا بعد الحق الا الضلال. قال ابن مسعود رضى الله عنه لما دنا فراق رسول الله ﷺ جمعنا فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها ثم نظر إلينا فدمعت عيناه وقال (مرحبا بكم حياكم الله رحمكم الله أوصيكم بتقوى الله وطاعته قددنا الفراق وحان المنقلب الى الله والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى يغسلنى رجال اهل بيتي ويكفوننى فى ثيابى هذه ان شاؤا فى حلة يمانية فاذا غسلتمونى وكفنتمونى ضعونى على سريرى فى بيتي هذا على شفير لحدى ثم اخرجوا عنى ساعة فاول من يصلى على حبيبى جبريل عليه السلام ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم ثم ادخلوا على فوجا فوجا صلوا على) فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا وقالوا يا رسول الله أنت رسول ربنا وشمع جمعنا وسلطان أمرنا إذا ذهبت عنا فالى من تراجع فى أمورنا قال (تركتكم على المحجة البيضاء) اى على الطريق الواسع الواضح ليلها كنهارها فى الوضوح ولا يزيغ بعدها الى غيرها الا هالك (وتركت لكم واعظين ناطقا وصامتا
صفحة رقم 48
فالناطق القرآن والصامت الموت فاذا أشكل عليكم امر فارجعوا الى القرآن والسنة وإذا قسا قلبكم فلينوه بالاعتبار فى احوال الأموات)
جهان اى پسر ملك جاويد نيست
ز دنيا وفادارى اميد نيست
والناس فى الاعتقاد والعمل متفاوتون. فمنهم من هو متين كالحصن الحصين لا يزول عما هو عليه وان اتفق الناس فى إضلاله وهو المرتبة القصوى فى باب الدين التي نالها الأنبياء والأولياء والافراد من المؤمنين قال على كرم الله وجهه [لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا] ولا يطرأ الشك فى المحسوس فكذا ما هو فى حكمه. ومنهم من هو ضعيف لا متانة فيه تذروه رياح الهوى حيث شاءت بعد ان لم تساعد له العناية الازلية قال رسول الله ﷺ (الناس كمعادن الذهب والفضة) يعنى ان الناس معادن الأعمال والأخلاق والأقوال ولكن يتفاوتون فيها كما تتفاوت معادن الذهب والفضة الى ان تنتهى الى الأدنى فالادنى. قال فى شرح المصباح وفيه اشارة الى ان ما فى معادن الطباع من جواهر مكارم الأخلاق ينبغى ان تستخرج برياضة النفوس كما يستخرج الجواهر من المعادن بالمقاساة والتعب ولقد أجاد من قال
بقدر الكد تكتسب المعالي
ومن طلب العلى سهر الليالى
تروم العز ثم تنام ليلا
يغوص البحر من طلب اللآلى
فلا بد من الاجتهاد والاستمداد من الابدال والأوتاد لعل الله يسهل سلوك هذا الطريق ويخلص من خطر هذا البحر العميق
بارى كه آسمان وزمين سر كشيد از آن
مشكل بود بياورئ جسم وجان كشيد
همت قوى كن از مدد رهروان عشق
كان بار را بقوت همت توان كشيد
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ اى بما نطقت به التوراة والإنجيل ودلت على نبوة محمد ﷺ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ اى والحال انكم تشهدون انها آيات الله يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ اى تخلطون الْحَقَّ بِالْباطِلِ المراد بالحق كتاب الله الذي أنزله على موسى وعيسى عليهما السلام. وبالباطل ما حرفوه وكتبوه بايديهم وبخلط أحدهما بالآخر إبراز باطلهم فى صورة الحق بان يقولوا الكل من عند الله تعالى وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ اى نبوة محمد ﷺ ونعته وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ انه حق ثابت فى كتابكم وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم رؤساؤهم ومقتدوهم لا عقابهم آمِنُوا بِالَّذِي اى أظهروا الايمان بالقرآن الذي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا اى على المسلمين وَجْهَ النَّهارِ اى فى اوله لان أول النهار هو أول ما ظهر منه كما ان الوجه أول ما يظهر من أعضاء الإنسان عند الملاقاة وَاكْفُرُوا آخِرَهُ اى أظهروا ما أنتم عليه من الكفر به فى آخر النهار مرائين لهم انكم آمنتم به بادى الرأى من غير تأمل ثم تأملتم فيه فوقفتم على خلل رأيكم الاول فرجعتم عنه لَعَلَّهُمْ اى المؤمنين يَرْجِعُونَ عماهم عليه من الايمان به كما رجعتم. والمراد بالطائفة كعب بن الأشرف ومالك ابن الصيف قالا لا صحابهما لما حولت القبلة آمنوا بما انزل عليهم من الصلاة الى الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم صلوا الى الصخرة آخره لعلهم يقولون هم اعلم منا وقد رجعوا فيرجعون
صفحة رقم 49