آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

عَنْ خِطَابِ النَّاسِ بِحَصْرٍ يَعْتَرِي لِسَانَكَ إِذَا أَرَدْتَهُ، وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ الْآيَةَ تَكُونُ بِغَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ تَتْرُكَ ذَلِكَ مُخْتَارًا لِتَفْرُغَ لِعِبَادَةِ اللهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ رِوَايَاتٌ سَقِيمَةٌ فِيهِ، مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عُقُوبَةٌ عَاقَبَهُ اللهُ - تَعَالَى - بِهَا أَنْ طَلَبَ الْآيَةَ بَعْدَ تَبْشِيرِ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ لِسَانَهُ رَبَا فِي فِيهِ حَتَّى مَلَأَهُ، وَمِثْلُ هَذَا السَّخَفِ لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ إِلَّا لِأَجْلِ رَدِّهِ عَلَى قَائِلِهِ وَضَرْبِ وَجْهِهِ بِهِ. وَفِي إِنْجِيلِ لُوقَا أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِزَكَرِيَّا " ((١: ٢٠)) وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ هَذَا لِأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلَامِي الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ " وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الصَّوَابُ أَنَّ زَكَرِيَّا أَحَبَّ بِمُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ يَتَعَيَّنَ لَدَيْهِ الزَّمَنُ الَّذِي يَنَالُ بِهِ تِلْكَ الْمِنْحَةَ الْإِلَهِيَّةَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، وَيُبَشِّرَ أَهْلَهُ. فَسَأَلَ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ، وَلَمَّا أُجِيبَ بِهِ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَخُصَّهُ بِعِبَادَةٍ يَتَعَجَّلُ بِهَا شُكْرَهُ وَيَكُونُ إِتْمَامُهُ إِيَّاهَا آيَةً وَعَلَامَةً عَلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ. فَأُمِرَ بِأَلَّا يُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، بَلْ يَنْقَطِعُ لِلذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ مَسَاءً صَبَاحًا مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامً، فَإِذَا احْتَاجَ إِلَى خِطَابِ النَّاسِ أَوْمَأَ إِلَيْهِمْ إِيمَاءً، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ بِشَارَتُهُ لِأَهْلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ اللَّيَالِي. وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّمْزِ هَلْ كَانَ بِالْقَوْلِ الْخَفِيِّ وَتَحَرِّيكِ الشَّفَتَيْنِ أَمْ بِغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ؟ لِأَنَّ الرَّمْزَ وَالْإِيمَاءَ يَكُونُ بِكُلِّ ذَلِكَ. وَالْعَشِيُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ. وَقِيلَ: مِنَ الْغُرُوبِ إِلَى ذَهَابِ صَدْرٍ مِنَ اللَّيْلِ. قَالَ الرَّاغِبُ: مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى الصَّبَاحِ. وَالْإِبْكَارُ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الضُّحَى.
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ
عِمْرَانَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ هَذَا الْخِطَابُ لَيْسَ بِشَرْعٍ خُصَّتْ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِلْهَامٌ بِمَكَانَتِهَا عِنْدَ اللهِ رُبَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ الشُّكْرِ بِدَوَامِ الْقُنُوتِ وَالصَّلَاةِ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُكَرَّمٌ اجْتَهَدَ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَرَامَتِهِ وَتَبَاعَدَ أَشَدَّ التَّبَاعُدِ عَنْ كُلِّ مَا يُنْقِصُ مِنْهَا، فَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ لَهَا: إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ قَدْ زَادَهَا - بِمُقْتَضَى سُنَّةِ الْفِطْرَةِ - تَعَلُّقًا بِالْكَمَالِ كَمَا زَادَهَا رُوحَانِيَّةً بِتَأْثِيرِ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي أَمَدَّتْ رُوحَهَا الطَّاهِرَةَ، وَالِاصْطِفَاءُ الْأَوَّلُ هُوَ قَبُولُهَا مُحَرَّرَةً لِخِدْمَةِ اللهِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالرِّجَالِ، وَالتَّطْهِيرُ قَدْ فُسِّرَ بِعَدَمِ الْحَيْضِ، وَبِذَلِكَ كَانَتْ أَهْلًا لِمُلَازَمَةِ الْمِحْرَابِ وَهُوَ أَشْرَفُ مَكَانٍ فِي الْمَعْبَدِ. وَرُوِيَ أَنَّ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ مَا كَانَتْ تَحِيضُ وَأَنَّهَا لِذَلِكَ لُقِّبَتْ بِالزَّهْرَاءِ. وَقَالَ الْجَلَالُ: إِنَّهُ التَّطْهِيرُ مِنْ مَسِيسِ

صفحة رقم 246
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية