
والآية من تمام الحكاية عن المتفكرين في خلق السموات والأرض.
قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣)
الأبرار جمع بر وبارٍّ، نحو جَدّ وأجدادٍ، وصاحبٍ وأصحاب.
وأصله من البرّ أي المكان الواسع، فبرّه خوله برًّا، أي سعْة.
ويُقال للإِنسان إذا أكرم من دونه وأكرمه من فوقه برّه،

كما يقال فيهما: أحبَّ ووالى، والأبرار: هم الموصوفون
بقوله: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
والمنادي للإِيمان والداعي إليه: قد يكون العقل.
وكتابه المنزَّل، ورسوله المرسل، وآياته الدالة.
وإن كان الأظهر في هذا الموضع أن يكون الرسول.
لقوله: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)،

وقوله: (أَنْ آمِنُوا) يعني أي آمنوا، أو بأن آمنوا.
إن قيل: فعلى أي وجه قال: (فَآمَنَّا)؟ أعلى طريق الامتنان، أو
الإِعلام. فإن كُلًّا مستشنع إيراده على الله تعالى؟
قيل: بل على طريق الامتثال، وليس هذا إشارة إلى أنهم قالوه نطقاً فقط، بل إلى أنهم حققوه فعلًا.
إن قيل: كيف جعل غُفران الذنوب وتكفير السيئات قبل التوقِّي؟
قيل: لأن تمام غُفران الذنوب وتكفير السيئات أن يوفّق العبد في الدنيا لمرضاته، ويحرسه عن تعاطي السيئات، ليكتسب ما يترشح به
لاستحقاق الثواب.
وقوله: (وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) نحو ما حكى عن غيره في قوله: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)