آيات من القرآن الكريم

رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﲿ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

في شأن أبي بكر رضي الله عنه، كانوا أهل الجاهلية يهددونه ويشتمونه ويقولون: إن ما يفعله محمد ﷺ بمشاورته، فأمره الله تعالى بأن يصبر على أذاهم. فقال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا على أذاهم وَتَتَّقُوا المكافأة ويقال وتتقوا معاصيه فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ يعني من حقائق الأمور. ويقال: إن ذلك الصبر من خير الأمور.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٧ الى ١٩٥]
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧) لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١)
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥)
قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني: أخذ عليهم الميثاق حين أخذ ذرية آدم من ظهورهم. ويقال: أخذ عليهم الميثاق بالوحي في كتب الأنبياء لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ يعني: نعت محمد ﷺ وصفته وَلا تَكْتُمُونَهُ عنهم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: ليبيننه للناس ولا يكتمونه، كلاهما بالياء. وقرأ الباقون بالتاء، فمن قرأ بالياء

صفحة رقم 272

فمعناه أخذ عليهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، ومن قرأ بالتاء فمعناه أخذ عليهم الميثاق، وقال لهم: لتبيننه للناس ولا تكتمونه. ثم أخبر عن سوء معاملتهم ونقضهم الميثاق فقال تعالى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ أي طرحوه خلف ظهورهم، يعني أنهم تركوا الميثاق ولم يعملوا به وَاشْتَرَوْا بِهِ أي بكتمان نعت محمد ﷺ وصفته ثَمَناً قَلِيلًا أي عَرضاً يسيراً من متاع الدنيا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ يعني: بئس ما يختارون لأنفسهم الدنيا على الآخرة لاَ تَحْسَبَنَّ يقول: لا تظنن يا محمد الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا يقول: يعجبون بما أوتوا، يعني بما غيرّوا من نعته وصفته، وهذا قول الكلبي. وقال الضحاك: إن اليهود كانوا يقولون للملوك:
إنا نجد في كتابنا أن الله يبعث نبياً في آخر الزمان يختم به النبوة، فلما بعثه الله سألهم الملوك:
أهو هذا الذي تجدونه في كتابكم؟ فقالت اليهود طمعاً في أموال الملوك: هو غير هذا.
فأعطاهم الملوك مالاً فقال الله تعالى: لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا أي بما أعطاهم الملوك وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا لأنهم كانوا يقولون: نحن على دين إبراهيم ولم يكونوا على دينه. ويقال: كانوا يقولون نحن أهل الصلاة والصوم والكتاب، ويريدون أن يحمدوا بذلك. قال الله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ يقول فلا تظنهم بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ
معناه لا تظنن أنهم ينجون من العذاب بذلك وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي دائم لا يخرجون منه أبدا.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خزائن السموات المطر، وخزائن الأرض النبات.
ويقال: جميع من فى السموات والارض عبيده وفي ملكه وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من النبات وغيره. ويقال: هذا معطوف على أول الكلام أنهم لا ينجون من عذابه، يأخذهم متى شاء لأنه على كل شىء قدير إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله ﷺ أن يأتيهم بآية لصحة دعواه، لأنه كان يدعوهم إلى عبادة الله وحده، فنزل إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خلقين عظيمين. ويقال: فيما خلق في السموات من الشمس والقمر والنجوم، وما خلق في الأرض من الجبال والبحار والأشجار وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يقول: وذهاب الليل ومجيء النهار، ويقال اختلاف لونيهما لَآياتٍ أي لعبرات لِأُولِي الْأَلْبابِ أي لذوي العقول الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً أي يصلون لله قياماً إن استطاعوا على القيام، وقعوداً إن لم يستطيعوا القيام وَعَلى جُنُوبِهِمْ إن لم يستطيعوا القعود لزمانة.
ويقال: معناه الذين يذكرون الله في الأحوال كلها في حال القيام والقعود والاضطجاع، كما قال في آية أخرى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب: ٤١] ثم قال: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي يعتبرون في خلقهما. قال: حدّثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا السراج، قال:
حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن زرارة الحلبي، عن أبي حباب، عن عطاء بن أبي رباح قال:
دخلت مع ابن عمر وعبيد بن عمير على عائشة، فسلمنا عليها فقالت: من هؤلاء؟ فقلت:
عبد الله بن عمر، وعبيد بن عمير. فقالت: مرحباً بك يا عبيد بن عمير، ما لك لا تزورنا؟

صفحة رقم 273

فقال عبيد: زر غبّاً تَزْدَدْ حُبّاً فقال ابن عمر: دعونا من هذا، حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت بكاء شديداً ثم قالت: كل أمره عجب، أتاني في ليلتي فدخل في فراشي حتى ألصق جلده بجلدي، فقال: «يَا عَائِشَةُ أَتَأْذَنِينَ لِي أنْ أَعْبُدَ رَبِّي» فقلت: والله إني لأحب قربك، والله إني لأحب هواك. فقام إلى قربة ماء فتوضأ، ثم قام فبكى وهو قائم حتى روت الدموع حجره، ثم اتكأ على شقه الأيمن، ووضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، فبكى حتى روت الدموع الأرض. ثم أتاه بلال بعد ما أذن للفجر، فلما رآه يبكي قال: أتبكي يا رسول الله وقد غفر الله لك مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وما تأخر؟ فقال: «يَا بِلالُ أفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً، وَمَا لِي لا أبْكِي وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ... - إِلَى قَوْلُهُ- فَقِنا عَذابَ النَّارِ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَها وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا». وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال:
«تَفَكَّرُوا فِي الخَلْقِ وَلا تَتَفَكَّرُوا فِي الخالق». وقال صلى الله عليه وسلم: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ».
ثم قال تعالى عز وجل: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا أي يتفكرون ويقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلاً عبثاً بغير شيء، ولكن خلقتهما لأمر هو كائن سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ يعني ادفع عذاب النار. وقال الزجاج: معنى سُبْحانَكَ أي تنزيهاً لك من أن تكون خلقتهما باطلاً فَقِنا عَذابَ النَّارِ أي صدَّقْنا رسلك، وسلَّمنا أن لك جنة وناراً فَقِنا عَذابَ النَّارِ.
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ أي أهنته وفضحته وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ يعني: ما للمشركين من مانع من العذاب إذ نزل بهم، ويقولون أيضاً: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ يعني محمداً يدعو إلى التصديق أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ أي صدقوا بتوحيد ربكم، فآمنا أي صدقنا بتوحيد ربنا. وقال محمد بن كعب القرظي: ليس كل الناس لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المنادي هو كتاب الله يدعو إلى الإيمان بشهادة أن لا إله إلا الله وأن آمنوا بربكم فآمنا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وقال الكلبي: الذنوب الكبائر ودون الكبائر، والسيئات الشرك. وقال الضحاك: ذنوبنا يعني ما عملوا في حال الجاهلية، وكفر عنا سيئاتنا، يعني: ما عملوا في حال الإسلام. ويقال: الذنوب والسيئات بمعنى واحد. ويقال: الذنوب هي الكبائر، والسيئات ما دون الكبائر التي تكفر من الصلاة إلى الصلاة وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ أي مع المطيعين، ويقال: اجعل أرواحنا مع أرواح المطيعين والصالحين. ويقولون أيضا: رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ يعني أعطنا ما وعدتنا من الخير والجنة على لسان رسلك. ويقال: هو ما ذكر من استغفار الملائكة والأنبياء للمؤمنين، وهو قوله: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشورى: ٥] وما ذكر من دعاء نوح وإبراهيم- عليهم السلام- للمؤمنين.
ثم قال تعالى: وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني لا تعذبنا، ويقال: لا تخذلنا إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعادَ يعني ما وعدت من الخير والثواب للمؤمنين فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ فأخبر الله

صفحة رقم 274
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية