آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ

المنَاسَبَة: لما مدح تعالى المؤمنين وأثنى عليهم بقوله ﴿الذين يقولون ربنا إِننا آمنا﴾ أردفه بأنْ بيّن أنَّ دلائل الإِيمان ظاهرة جلية فقال ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ ثم بيّن أن الإِسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وأمر الرسول بأن يعلن استسلامه لله وانقياده لدين الله، وأعقبه بذكر ضلالات أهل الكتاب واختلافهم في أمر الدين اختلافاً كبيراً، وإِعراضهم عن قبول حكم الله.
اللغَة: ﴿شَهِدَ﴾ الشهادة: الإِقرار والبيان ﴿القسط﴾ العدل ﴿الدِّينَ﴾ أصل الدين في اللغة: الجزاء ويطلق على الملَّة وهو المراد هنا ﴿الإسلام﴾ الاسلام في اللغة: الاستسلام والانقياد التام قال ابن الأنباري: المسلم معناه المخلص لله عبادته من قولهم: سلم الشيء لفلان أي خلص له فالإِسلام معناه إِخلاص الدين والعقيدة لله تعالى ﴿حَآجُّوكَ﴾ جادلوك ونازعوك ﴿غَرَّهُمْ﴾ فتنهم ﴿يَفْتَرُونَ﴾ يكذبون.
سَبَبُ النّزول: لمّا استقر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالمدينة قدم عليه حَبْران من أحبار الشام، فلما دخلا عليه عرفاه بالصّفة والنعت فقالا له: أنت محمد؟ قال نعم، قالا: وأنت أحمد؟ قال نعم، قالا نسألك عن شهادةٍ فإِن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدَّقناك، فقال لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: سلاني، فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فنزلت ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ الآية فأسلم الرجلان

صفحة رقم 173

وصدّقا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
التفسِير: ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي بيّن وأعلم تعالى عباده بانفراده بالوحدانية، قال الزمخشري: شبهت دلالته على وحدانيته بشهادة الشاهد في البيان والكشف ﴿والملائكة وَأُوْلُواْ العلم﴾ أي وشهدت الملائكة وأهل العلم بوحدانيته بدلائل خلقه وبديع صنعه ﴿قَآئِمَاً بالقسط﴾ أي حال كونه مقيماً للعدل فيما يقسم من الآجال والأرزاق ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا معبود في الوجود بحق إِلا هو ﴿العزيز الحكيم﴾ أي العزيز في ملكه الحكيم في صنعه ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام﴾ أي الشرع المقبول عند الله هو الإِسلام، ولا يدن يرضاه الله سوى الإِسلام ﴿وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم﴾ أي وما اختلف اليهود والنصارى في أمر الإِسلام ونبوة محمد عليه السلام، إِلا بعد أن علموا بالحجج النيرّة والآيات الباهرة حقيقة الأمر، فلم يكن كفرهم عن شبهة وخفاء وإِنما كان عن استكبار وعناد، فكانوا ممن ضلَّ عن علم ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ أي حسداً كائناً بينهم حملهم عليه حب الرئاسة ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ وهو وعيد وتهديد أي من يكفر بآياته تعالى فإِنه سيصير إلى الله سريعاً فيجازيه على كفره ﴿فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ﴾ أي إِن جادلوك يا محمد في شأن الدِّين فقل لهم: أنا عبدٌ لله قد استسلمتُ بكليتي لله، وأخلصت عبادتي له وحده، لا شريك له ولا نِدّ ولا صاحبة ولا ولد ﴿وَمَنِ اتبعن﴾ أي أنا وأتباعي على ملة الإِسلام، مستسلمون منقادون لأمر الله ﴿وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب والأميين﴾ أي قل لليهود والنصارى والوثنيين من العرب ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ أي هل أسلمتم أم أنتم باقون على كفركم فقد أتاكم من البينات ما يوجب إِسلامكم ﴿فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهتدوا﴾ أي فإِن أسلموا كما أسلمتم فقد نفعوا أنفسهم بخروجهم من الضلال إِلى الهدى ومن الظلمة إِلى النور ﴿وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ﴾ أي وإِن أعرضوا فلن يضروك يا محمد إِذ لم يكلفك الله بهدايتهم وإِنما أنت مكلف بالتبليغ فحسب والغرض منها تسلية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿والله بَصِيرٌ بالعباد﴾ أي عالم بجميع أحوالهم فيجازيهم عليها، روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا فقال عليه السلام لليهود: أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله ﴿فقالوا: معاذ الله، فقال للنصارى: أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله﴾ فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبداً وذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَّإِن تَوَلَّوْاْ﴾.
﴿إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله﴾ أي يكذبون بما أنزل الله ﴿وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ أي يقتلون أنبياء الله بغير سبب ولا جريمة إِلا لكونهم دعوهم إِلى الله، وهم اليهود قتلوا زكريا وابنه يحيى وقتلوا أنبياء الله، قال ابن كثير: «قتلت بنو إِسرائيل ثلاثمائة نبيّ من أول النهار، وأقاموا سوق بقلهم من آخره» ﴿وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط﴾ أي أخبرهم بما يسرهم وهو العذاب الموجع المهين، والأسلوب للتهكم وقد استحقوا ذلك لأنهم جمعوا ثلاثة أنواع من الجرائم: الكفر بآيات الله، وقتل الأنبياء، وقتل الدعاة

صفحة رقم 174

إِلى الله قال تعالى مبيناً عاقبة إِجرامهم ﴿أولئك الذين حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنيا والآخرة﴾ أي بطلت أعمالهم التي عملوها من البر والحسنات، ولم يبق لها أثر في الدارين، بل بقي لهم اللعنة والخزي في الدنيا والآخرة ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ أي ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابة.. ثم ذكر تعالى طرفاً من لجاج وعناد أهل الكتاب فقال ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب﴾ أي ألا تعجب يا محمد من أمر هؤلاء الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ﴿فالصيغة صيغة تعجيب للرسول أو لكل مخاطب قال الزمخشري: يريد أحبار اليهود وأنهم حصلوا نصيباً وافراً من التوراة {يُدْعَوْنَ إلى كِتَابِ الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ أي يدعون إِلى التوراة كتابهم الذين بين أيديهم والذي يعتقدون صحته، ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه فيأبون ﴿ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ أي ثم يعرض فريق منهم عن قبول حكم الله، وهو استبعاد لتوليهم بعد علمهم بوجوب الرجوع إِليه، وجملة ﴿وَهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ تأكيد للتولي أي وهم قوم طبيعتهم الإِعراض عن الحق، والإِصرار على الباطل، والآية كما يقول المفسرون تشير إِلى قصة تحاكم اليهود إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما زنى منهم إثنان فحكم عليهما بالرجم فأبوا وقالوا: لا نجد في كتابنا إلا التحميم فجيء بالتوراة فوجد فيها الرجم فرجما، فغضبوا فشنَّع تعالى عليهم بهذه الآية ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾ أي ذلك التولي والإِعراض بسبب افترائهم على الله وزعمهم أنهم أبناء الأنبياء وأن النار لن تصيبهم إلا مدةً يسيرة - أربعين يوماً - مدة عبادتهم للعجل ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي غرهم كذبهم على الله ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي كيف يكون حالهم يوم القيامة حين يجمعهم الله الحساب} ! وهو استعظام لما يدهمهم من الشدائد والأهوال ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ أي نالت كل نفسٍ جزاءها العادل ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي لا يظلمون بزيادة العذاب أو نقص الثواب.
البَلاَغَة: ١ - ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام﴾ الجملة معرّفة الطرفين فتفيد الحصر أي لا دين إِلا الإِسلام.
٢ - ﴿الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ التعبير عن اليهود والنصارى بقوله «أوتوا الكتاب» لزيادة التشنيع والتقبيح عليهم فإِن الاختلاف مع علمهم بالكتاب في غاية القبح والشناعة.
٣ - ﴿بِآيَاتِ الله فَإِنَّ الله﴾ إِظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وإِدخال الروعة في النفس.
٤ - ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾ أطلق الوجه وأراد الكل فهو مجاز مرسل من إِطلاق الجزء وإِرادة الكل.
٥ - ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الأصل في البشارة أن تكون في الخير واستعمالها في الشر للتهكم ويسمى «الأسلوب التهكمي» حيث نزّل الإِنذار منزلة البشارة السارة كقوله ﴿بَشِّرِ المنافقين بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [النساء: ١٣٨] وهو أسلوبٌ مشهور.
فَائِدَة: قال القرطبي: في هذه الآية دليل على فضل العلم، وشرف العلماء، فإِنه لو كان أحد

صفحة رقم 175

أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء، ويكفي في شرف العلم قوله لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [طه: ١١٤] وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِن العلماء ورثة الأنبياء» وفي حديث ابن مسعود أن من قرأ قوله تعالى ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ الآية فإِنه يجاء به يوم القيامة فيقول الله تعالى: عبدي عهد إِليَّ عهداً وأنا أحقُّ من وفّى، أدخلوا عبدي الجنة.
لطيفَة: من أطرف ما قرأتُ في بيان فضل العلم تلك المحاورة اللطيفة بين العقل والعلم حيث يقول القائل وقد أبدع وأجاد:

فالعلم قال: أنا أحرزتُ غايتَه... والعقلُ قال: أنا الرحمن بي عُرفا

صفحة رقم 176
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
علمُ العليمِ وعقلُ العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فأفصح العلم إِفصاحاً وقال له بأيّنا الله في فرقانه اتّصفا
فبان للعقل أن العلم سيِّدهُ فقبل العقل رأس العلم وانصرفا