
قال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ثم قال: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، تنبيها أن من فرط الإِيمان التحققُ أن ليس للشيطان سلطان على الذين آمنوا، ومن علم ذلك علم أوامر الله، فاتّبعها في ترك ما يأمر به الشيطان.
قوله تعالى: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٧٦)
كما نهى تعالى عن الخوف مما يُتوقع من حزب الشيطان، نهى عن
الحزن على ما يفوته منهم، ووصف الكفار بالمسارعة في الكفر.
كما وصف المؤمنين بالمسارعة في الإِيمان، فقال: (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)، وحقيقة المسارعة في ذلك أن يترقى الإِنسان فيما يتحرّاه منزلة فمنزلة، خيرا كان أو شرا، فيتعوَّده فيتقوَّى به

على المنزلة الثانية، لأن الشر حاصلٌ بعضه عن بعض، وحاملٌ
بعضه بعضاً، وكذا الخير، وعلى هذا قال أمير المؤمنين: تبدو
نكتة بيضاء في القلب، كلما ازداد الإِيمان ازداد البياض، فإذا
استكمل الإِيمان ابيض القلب كلّه، وإن النفاق يبدو نكتة سوداء.
كلما ازداد النفاق ازداد السواد، فإذا استكمل النفاق اسودّ
القلب كلّه، وبيّن أن لا يعود إلى الله من مسارعتهم في الكفر

مضرة، كقوله: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
إن قيل: كيف جعل العلَّة في قوله: (وَلَا يَحْزُنْكَ) أنهم لن يضروا
الله شيئاً، ولم يكن المسلمون يحزنون، لأجل أن خطر لهم أن
هؤلاء يضرُّون الله، إنما كان حزنهم أن يضروهم؟
قيل: معنى ذلك لن يضروا أولياءه، ألا ترى أنه - ﷺ - قال: "إن الله تعالى يقول: من آذي لي وليّا قد آذاني ".
وعلى التتبيه على هذا المعنى قال: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
وقوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ)