معنا الا من حضر يومنا بالأمس اى وقعتنا والعرب تسمى الوقائع أياما وذكرهم بايام الله فخرج رسول الله عليه السلام اراءة من نفسه ومن أصحابه جلدا وقوة ومعه جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهى من المدينة على ثمانية أميال وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم اى حملوا المشقة على أنفسهم كيلا يفوتهم الاجر والقى الله الرعب فى قلوب المشركين فذهبوا فنزلت فهذه هى غزوة حمراء الأسد متصلة بغزوة أحد واما غزوة بدر الصغرى فقد وقعت بعدها بسنة وإليها الاشارة بقوله تعالى الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعنى الركب استقبلوهم من عبد قيس او نعيم بن مسعود الأشجعي واطلاق الناس عليه لما انه من جنسهم وكلامه كلامهم يقال فلان يركب الخيل ويلبس الثياب وماله سوى فرس فرد وغير ثوب واحد أو لأنه انضم اليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه إِنَّ النَّاسَ يعنى أبا سفيان وأصحابه قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ اى اجتمعوا فَاخْشَوْهُمْ- روى- ان أبا سفيان لما عزم على ان ينصرف من المدينة الى مكة نادى يا محمد موعدنا موسم بدر الصغرى لقابل نقتتل بها ان شئت فقال ﷺ (ان شاء الله) فلما كان القابل خرج ابو سفيان فى اهل مكة حتى نزل مر الظهران فالقى الله فى قلبه الرعب وبدا له ان يرجع فمر به ركب من بنى عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب ان ثبطوا المسلمين او لقى نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم انى وأعدت محمدا أن نلتقى بموسم بدر الا ان هذا العام عام جدب ولا يصلحنا الا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي ان ارجع ولكن ان خرج محمد ولم اخرج زاده ذلك جراءة فاذهب الى المدينة فثبطهم ولك عندى عشرة من الإبل وضمنها سهيل بن عمرو فجاء نعيم المدينة فوجد المسلمين يتجهزون للخروج فقال لهم ما هذا بالرأى أتوكم فى دياركم فلم يفلت منكم أحد اى لم يتخلص الا شريد وهو الفار النافر المبعد أفترون ان تخرجوا وقد جمعوا لكم فان ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد فاثر هذا الكلام فى قلوب قوم منهم فلما عرف رسول الله ﷺ ذلك منهم قال (والذي نفسى بيده لاخرجن ولو لم يخرج معى أحد فخرج فى سبعين راكبا كلهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل) فَزادَهُمْ القول إِيماناً والمعنى لم يلتفتوا الى ذلك بل ثبت به يقينهم بالله وازداد اطمئنانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ اى محسبنا وكافينا من احسبه إذا كفاه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اى الموكول اليه هو اى الله فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ الفاء فصيحة اى خرجوا إليهم ووافوا الموعد فرجعوا من مقصدهم ملتبسين بنعمة عظيمة لا يقادر قدرها كائنة من الله تعالى وهى العافية والثبات على الايمان والزيادة فيه وحذر العدو منهم وَفَضْلٍ اى ربح فى التجارة عظيم لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ سالمين من السوء اى لم يصبهم أذى ولا مكروه- روى- انه ﷺ وافى بجيشه بدرا الصغرى وكانت موضع سوق لبنى كنانة يجتمعون فيها كل عام ثمانية ايام ولم يلق صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه هناك أحدا من المشركين وأتوا السوق وكانت معهم نفقات وتجارات فباعوا واشتروا اريا وزبيبا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين وانصرفوا الى المدينة سالمين غانمين ورجع ابو سفيان الى مكة فسمى اهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا انما خرجتم لتشربوا
صفحة رقم 127
شبى دائم از هول دوزخ نخفت
بكوش آمدم صبحكاهى كه كفت
چهـ بودى كه دوزخ ز من پر شدى
مكر ديگرانرا رهايى بدى
فالعاقل لا يزكى نفسه ولا يراها محلا لكرامة الله بل يتواضع بحيث يرى اعماله السيئة كثيرة بالنسبة الى اعماله الصالحة بل ولا يرى فى نفسه الا العدم المحض. واعلم ان من شعار المسلمين وعادة المؤمنين ان يجاهدوا فى سبيل الله ولا يخافوا لومة اللائمين ألا يرى ان الله تعالى كيف مدح قوما حالهم كذلك بقوله يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ فمن كان مع الله فهو يعصمه وينصره على أعدائه خصوصا عدو النفس الامارة
كسى را دانم اهل استقامت
كه باشد بر سر كوى ملامت
ز أوصاف طبيعت پاك مرده
بإطلاق هويت جان سپرده
برفته سايه وخرشيد مانده
تمام از كرد خود دامن فشانده
أوصلنا الله وإياكم الى الخلوص واليقين والتمكين آمين وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ اى يقعون فيه سريعا لغاية حرصهم عليه وشدة رغبتهم فيه وهم المنافقون المتخلفون الذين يسارعون الى ما ابطنوه من الكفر مظاهرة للكفار وسعيا فى اطفاء نور الله إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً اى لن يضروا بذلك اولياء الله ودينه البتة شيأ من الضرر يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ اى يريد الله بذلك ان لا يجعل لهم فى الآخرة نصيبا ما من الثواب ولذلك تركهم فى طغيانهم يعمهون الى ان يهلكوا على الكفر. وفى ذكر الارادة اشعار بان كفرهم بلغ النهاية حتى أراد ارحم الراحمين ان لا يكون لهم حظ من رحمته وان مسارعتهم الى الكفر لانه تعالى لم يرد لهم ان يكون لهم حظ فى الآخرة وَلَهُمْ مع ذلك الحرمان الكلى بدل الثواب عَذابٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ اى أخذوه بد لا منه رغبة فيما أخذوه وإعراضا عما تركوه لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ولما جرت العادة باغتباط المشترى بما اشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالايلام مراعاة لذلك وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا الموصول مع صلته فاعل لا يحسبن أَنَّما بما فى حيزها سادة مسد مفعوليه لتمام المقصود بها وهو تعلق الفعل القلبي بالنسبة بين المبتدأ والخبر وما مصدرية او موصولة حذف عائدها وكان حقها فى قياس علم الخط ان تكتب مفصولة ولكنها وقعت فى مصحف عثمان رضى الله تعالى عنه متصلة فلا يخالف وتتبع سنة الامام فى خط المصاحف نُمْلِي لَهُمْ الاملاء الامهال واطالة المدة والملي مقصورا الدهر والملوان الليل والنهار لتعاقبهما اى ان إملاء نالهم او ان ما نمليه لهم خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ من منعهم عن إرادتهم ومعنى التفضيل باعتبار زعمهم أَنَّما كافة حقها الاتصال نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً اللام لام الارادة عند اهل السنة القائلين بانه تعالى فاعل الخير والشر مريد لهما فان الاملاء الذي هو اطالة العمر لا شك انه من أفعاله تعالى وانه ليس بخير لهم لانهم يتوسلون به الى ازدياد
صفحة رقم 129
الإثم والطغيان فهو تعالى لما امهلهم وأطال عمرهم بإرادته واكتسبوا بذلك مآثم من الكفر والطغيان كان خالقا لتلك المآثم ايضا ولا تخلق الا بالارادة فهو مريد لها كما انه مريد لاسبابها المؤدية إليها وليست لام العلة لان أفعاله تعالى ليست معللة بالأغراض وعند المعتزلة لام العاقبة وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ اى يهانون به فى الآخرة قال عليه السلام (خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله). ودلت الآية على ان اطالة عمر الكافر والفاسق وإيصاله الى مراداته فى الدنيا ليس بخير بل هى نعمة فى الصورة ونقمة فى الحقيقة ألا يرى ان من اطعم إنسانا خبيصا مسموما لا يعد ذلك نعمة عند الحقيقة لا فضائه الى الهلاك والعقوبة فينبغى للعبد ان لا يغتر بطول العمر وامتداده ولا بكثرة أمواله ولا أولاده
غره مشو بآن كه جهانت عزيز كرد
اى بس عزيز را كه جهان كرد زود خوار
مارست اين جهان وجهانجوى ماركير
وز مارگير مار برآرد كهى دمار
قال الله لرسول الله ﷺ ليلة المعراج (ان من نعمى على أمتك انى قصرت أعمارهم كيلا تكثر ذنوبهم وأقللت أموالهم كيلا يشتد فى القيامة حسابهم وأخرت زمانهم كيلا يطول فى القبور حبسهم) وقال ايضا (يا احمد لا تتزين بلين اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء فان النفس مأوى كل شروهى رفيق سوء كلما تجرها الى طاعة تجرك الى معصية وتخالفك فى الطاعة وتطيع لك فى المعصية وتطغى إذا شبعت وتتكبر إذا استغنت وتنسى إذا ذكرت وتغفل إذا امنت وهى قرينة للشيطان) وقيل مثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير وإذا حملت عليها لا تطير وإذا قيل أنت طائر قالت انا بعير وهذه رجلى وإذا حملت عليها شيأ قالت انا طائر وهذا جناحى فكثرة المال وكمال الاستغناء تغر النفس قال تعالى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى
مبر طاعت نفس شهوت پرست
كه هر ساعتش قبله ديكرست
قال السعدي قدس سره
شنيده ام كه بقصاب كوسفندى كفت
در ان زمانكه بخنجر سرش ز تن ببريد
جزاى هر بن خارى كه خورده ام ديدم
كسى كه پهلوى چربم خورد چهـ خواهد ديد
وعن عائشة رضى الله عنها انها قالت قلت يا رسول الله ألا تستطعم الله فيطعمك قالت وبكيت لما رأيت به من الجوع وشد الحجر من السغب فقال (يا عائشة والذي نفسى بيده لو سألت ربى ان يجرى معى جبال الدنيا ذهبا لاجراها حيث شئت من الأرض ولكنى اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها. يا عائشة ان الدنيا لا تنبغى لمحمد ولا لآل لمحمد) قال عليه السلام (الدنيا والآخرة ضرتان فمن يطلب الجمع بينهما فهو ممكور ومن يدعى الجمع بينهما فهو مغرور) فمن رام مع متابعة الهوى البلوغ الى الدرجات العلى فهو غريق فى الغفلة فالله تعالى يمهله فى طغيان النفس بالحرص على الدنيا حتى يتجاوز فى طلبها حد الاحتياج إليها ويفتح أبواب المقاصد الدنيوية عليه ليستغنى بها وبقدر الاستغناء يزيد طغيانه
بناز ونعمت دنيا منه دل
كه دل بر داشتن كاريست مشكل
فيا ايها الاخوان الذين مضوا قبلنا من الأمم قد عاشوا طويلا وجمعوا كثيرا فتذكروا موتهم
صفحة رقم 130