آيات من القرآن الكريم

وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

عَنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِ الَّذِينَ دَبَّرُوا مَكِيدَةَ الْإِرْجَافِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ لِتَخْوِيفِ الْمُسْلِمِينَ بِوَاسِطَةِ رَكْبِ عَبْدِ الْقَيْسِ.
وَإِمَّا أَنْ تَعُودَ الْإِشَارَةُ إِلَى النَّاسُ مِنْ قَوْلِهِ: قالَ لَهُمُ النَّاسُ لِأَنَّ النَّاسَ مُؤَوَّلٌ بشخص، أَعنِي نعميا بْنَ مَسْعُودٍ، فَالشَّيْطَانُ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ مِنَ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْطَانٍ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ.
وَقَوْلُهُ: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ تَقْدِيرُهُ يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ، فَحَذَفَ الْمَفْعُول الأول لفعل (يُخَوِّفُ) بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: فَلا تَخافُوهُمْ فَإِنَّ خَوَّفَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ إِذْ هُوَ مُضَاعَفُ خَافَ الْمُجَرَّدِ، وَخَافَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَصَارَ بِالتَّضْعِيفِ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِنْ بَابِ كَسَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمرَان: ٢٨].
وَضَمِيرُ فَلا تَخافُوهُمْ عَلَى هَذَا يَعُودُ إِلَى أَوْلِياءَهُ وَجُمْلَةُ وَخافُونِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ فَلا تَخافُوهُمْ وَجُمْلَةِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شَرْطٌ مُؤَخَّرٌ تَقَدَّمَ دَلِيلُ جَوَابِهِ، وَهُوَ تَذْكِيرٌ وَإِحْمَاءٌ لِإِيمَانِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ مُؤمنُونَ حقّا.
[١٧٦]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١٧٦]
وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦)
نَهْيٌ لِلرَّسُولِ عَنْ أَنْ يَحْزَنَ مِنْ فِعْلِ قَوْمٍ يَحْرِصُونَ عَلَى الْكُفْرِ أَيْ عَلَى أَعْمَالِهِ وَمَعْنَى يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ يَتَوَغَّلُونَ فِيهِ وَيُعَجِّلُونَ إِلَى إِظْهَارِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ سُنُوحِ الْفُرَصِ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى إِلْقَائِهِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ:
يُسارِعُونَ، فَقِيلَ: ذَلِكَ مِنَ التَّضْمِينِ ضَمَّنَ يُسَارِعُونَ مَعْنَى يَقَعُونَ، فَعُدِّيَ بِفِي، وَهِيَ طَرِيقَةُ «الْكَشَّافِ» وَشُرُوحِهِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا اسْتِعَارَةٌ

صفحة رقم 172

تَمْثِيلِيَّةٌ: شَبَّهَ حَالَ حِرْصِهِمْ وجدّهم فِي تفكير النَّاسِ وَإِدْخَالِ الشَّكِّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَتَرَبُّصِهِمُ الدَّوَائِرَ وَانْتِهَازِهِمُ الْفُرَصَ بِحَالِ الطَّالِبِ الْمُسَارِعِ إِلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ يَخْشَى أَنْ يَفُوتَهُ وَهُوَ مُتَوَغِّلٌ فِيهِ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، فَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِفِي الدَّالَّةِ عَلَى سُرْعَتِهِمْ سُرْعَةِ طَالِبِ التَّمْكِينِ، لَا طَالِبِ الْحُصُولِ، إِذْ هُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ عُدِّيَ بِإِلَى لَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا عِنْدَ الْمُسَارَعَةِ. قِيلَ: هَؤُلَاءِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَقِيلَ:
قَوْمٌ أَسْلَمُوا ثُمَّ خَافُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَارْتَدُّوا.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ أَنْ يُحْزِنَهُ تَسَارُعُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ بِعِلَّةٍ يُوقِنُ بِهَا الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-. وَمَوْقِعُ إِنَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ إِفَادَةُ التَّعْلِيلِ، وَإِنَّ تُغْنِي غَنَاءَ فَاءِ التَّسَبُّبِ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَنَفْيُ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ مُرَادٌ بِهِ نَفْيُ أَنْ يُعَطِّلُوا مَا أَرَادَهُ إِذْ قَدْ كَانَ اللَّهُ وَعَدَ الرَّسُولَ إِظْهَارَ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَانَ سَعْيُ الْمُنَافِقِينَ فِي تَعْطِيلِ ذَلِكَ، نَهَى اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَحْزُنَ لِمَا يَبْدُو لَهُ مِنَ اشْتِدَادِ الْمُنَافِقِينَ فِي مُعَاكَسَةِ الدَّعْوَةِ، وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا إِبْطَالَ مُرَادِ اللَّهِ، تَذْكِيرًا لَهُ بِأَنَّهُ وَعَدَهُ بِأَنَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ.
وَوَجْهُ الْحَاجَةِ إِلَى هَذَا النَّهْيِ: هُوَ أَنَّ نَفْسَ الرَّسُولِ، وَإِنْ بَلَغَتْ مُرْتَقَى الْكَمَالِ، لَا تعدو أَن تَعْتَرِيهَا فِي بَعْضِ أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ أَحْوَالُ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ: مِنْ تَأْثِيرِ مَظَاهِرِ الْأَسْبَابِ، وَتَوَقُّعِ حُصُولِ الْمُسَبَّبَاتِ الْعَادِيَّةِ عِنْدَهَا، كَمَا وَقَعَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ، وَإِذَا انْتَفَى إِضْرَارُهُمُ اللَّهَ انْتَفَى إِضْرَارُهُمُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَحْزُنْكَ- بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ- مِنْ حَزَنَهُ إِذَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْحُزْنَ، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ- بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ- مِنْ أَحْزَنَهُ.
وَجُمْلَةُ يُرِيدُ اللَّهُ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ جَزَائِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ السَّلَامَةَ مِنْ كَيْدِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ خَذَلَهُمْ وَسَلَبَهُمُ التَّوْفِيقَ فَكَانُوا مُسَارِعِينَ فِي الْكُفْرِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ حَظٌّ فِي الْآخِرَةِ. وَالْحَظُّ: النَّصِيبُ مِنْ شَيْء نَافِع.

صفحة رقم 173
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية