آيات من القرآن الكريم

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ

بيته وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس. ثم إن ابن أخى هذا محمد بن عبد اللَّه من لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح به، وهو واللَّه بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل. وقرئ: لمن منّ اللَّه على المؤمنين إذ بعث فيهم. وفيه وجهان: أن يراد لمن منّ اللَّه على المؤمنين منه أو بعثه إذ بعث فيهم، فحذف لقيام الدلالة، أو يكون إذ في محل الرفع كإذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما، بمعنى لمن منّ اللَّه على المؤمنين وقت بعثه يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ بعد ما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحى وَيُزَكِّيهِمْ ويطهرهم من دنس القلوب بالكفر ونجاسة سائر الجوارح بملابسة المحرمات وسائر الخبائث.
وقيل: ويأخذ منهم الزكاة وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ القرآن والسنة بعد ما كانوا أجهل الناس وأبعدهم من دراسة العلوم وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ من قبل بعثة الرسول لَفِي ضَلالٍ إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية. وتقديره: وإنّ الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال مُبِينٍ ظاهر لا شبهة فيه.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٦٥ الى ١٦٨]
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨)
أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يريد: ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين. و (لَمَّا) نصب بقلتم. و (أَصابَتْكُمْ) في محل الجرّ بإضافة (لَمَّا) إليه وتقديره: أقلتم حين أصابتكم. وأَنَّى هذا نصب لأنه مقول، والهمزة للتقرير والتقريع.
فإن قلت: علام عطفت الواو هذه الجملة؟ قلت: على ما مضى من قصة أحد من قوله: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ) ويجوز أن تكون معطوفة على محذوف، كأنه قيل: أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا، أنى هذا: من أين هذا. كقوله تعالى: (أَنَّى لَكِ هذا) لقوله مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ وقوله: (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)

صفحة رقم 436

والمعنى: أنتم السبب فيما أصابكم، لاختياركم الخروج من المدينة، أو لتخليتكم المركز.
وعن علىّ رضى اللَّه عنه: لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو قادر على النصر وعلى منعه، وعلى أن يصيب بكم تارة ويصيب منكم أخرى وَما أَصابَكُمْ يوم أحد يوم التقى جمعكم وجمع المشركين (ف) هو كائن (بإذن الله) أى بتخليته، استعار الإذن لتخليته الكفار، وأنه لم يمنعهم منهم ليبتليهم، لأنّ الآذن مخل بين المأذون له ومراده وَلِيَعْلَمَ وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون، وليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء وَقِيلَ لَهُمْ من جملة الصلة عطف على نافقوا، وإنما لم يقل فقالوا لأنه جواب لسؤال اقتضاه دعاء المؤمنين لهم إلى القتال، كأنه قيل: فماذا قالوا لهم. فقيل: قالوا: لو نعلم. ويجوز أن تقتصر الصلة على: (نافَقُوا)
، ويكون (وَقِيلَ لَهُمْ) كلاما مبتدأ قسم الأمر عليهم بين أن يقاتلوا للآخرة كما يقاتل المؤمنون، وبين أن يقاتلوا إن لم يكن بهم غم الآخرة «١» دفعا عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم، فأبوا القتال وجحدوا القدرة عليه رأساً لنفاقهم ودغلهم «٢» وذلك ما روى أن عبد اللَّه بن أبىّ انخزل مع حلفائه، فقيل له، فقال ذلك. وقيل أَوِ ادْفَعُوا العدوّ بتكثيركم سواد المجاهدين وإن لم تقاتلوا لأنّ كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه. وعن سهل بن سعد الساعدي- وقد كف بصره-:
لو أمكننى لبعت دارى ولحقت بثغر من ثغور المسلمين فكنت بينهم وبين عدوهم. قيل: وكيف وقد ذهب بصرك؟ قال لقوله: (أَوِ ادْفَعُوا) أراد: كثروا سوادهم. ووجه آخر وهو أن يكون معنى قولهم لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لَاتَّبَعْناكُمْ يعنون أن ما أنتم فيه لخطإ رأيكم وزللكم عن الصواب ليس بشيء، ولا يقال لمثله قتال، إنما هو إلقاء بالأنفس إلى التهلكة، لأنّ رأى عبد اللَّه كان في الإقامة بالمدينة وما كان يستصوب الخروج هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يعنى أنهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم، فلما انخزلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا، تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر. وقيل: هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان، لأنّ تقليلهم سواد المسلمين بالانخزال تقوية للمشركين يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ لا يتجاوز إيمانهم أفواههم ومخارج الحروف منهم ولا تعى قلوبهم منه شيئا. وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم، وأنّ إيمانهم موجود في أفواههم معدوم في قلوبهم، خلاف صفة المؤمنين في مواطأة قلوبهم لأفواههم وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ من النفاق، وبما يجرى بعضهم مع بعض من ذمّ

(١). قوله «غم الآخرة» لعله هم الآخرة. (ع)
(٢). قوله «ودغلهم» في الصحاح: الدغل- بالتحريك- الفساد، مثل الدخل. (ع)

صفحة رقم 437

المؤمنين وتجهيلهم وتخطئة رأيهم والشماتة بهم وغير ذلك، لأنكم تعلمون بعض ذلك علماً مجملا بأمارات، وأنا أعلم كله علم إحاطة بتفاصيله وكيفياته الَّذِينَ قالُوا في إعرابه أوجه: أن يكون نصبا على الذمّ أو على الردّ على الذين نافقوا، أو رفعا على هم الذين قالوا أو على الإبدال من واو يكتمون. ويجوز أن يكون مجروراً بدلا من الضمير في بأفواههم أو قلوبهم، كقوله:
عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بِالماءِ حَاتِمُ «١»
لِإِخْوانِهِمْ لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو إخوانهم في النسب وفي سكنى الدار وَقَعَدُوا أى قالوا وقد قعدوا عن القتال: لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من القعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ معناه:
قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال، فجدوا إلى دفع الموت سبيلا، يعنى أن ذلك الدفع غير مغن عنكم، لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت، لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة، ولا بد لكم من أن يتعلق بكم بعضها. وروى أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقاً. فإن قلت: فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم «٢» بالقعود، فما معنى قوله: (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ؟ قلت: معناه أن النجاة من القتل

(١).
فلما تصافنا الاداوة أجهشت إلى غضون العنبري الجراضم
فجاء بجلمود له مثل رأسه ليشرب ماء القوم بين الصرائم
على حالة لو أن في القوم حاتما على جوده لضن بالماء حاتم
للفرزدق، يعتذر عما وقع منه في السفر مع دليله عاصم العنبري حين ضل الطريق. والتصافن: اقتسام الماء القليل بالصفن، وهو وعاء صغير لنحو الوضوء. والأداوة: ظرف الماء، وجمعها أداوى. وإيقاع التصافن عليها مجاز عقلى لأنها محل الماء الذي اقتسموه. وأقرب منه أنها مجاز مرسل عما فيها. والجهش والإجهاش: تضرع الإنسان إلى غيره وتهيئته للبكاء إليه كالصبي إلى أمه. وغضون الجلد: مكاسره. ويروى: عيون. وإسناد الإجهاش إليها مجاز عقلى، لأنها محل ظهور أثره. والجراضم: واسع البطن كثير الأكل. والمراد بالجلمود: إناء صلب كبير مثل رأسه، أى العنبري. وفيه إشارة إلى حمقه، لأن إفراط الرأس في العظم أمارة البلادة. وفي الصلابة أيضا إشارة إلى ذلك، ليشرب: أى ليأخذ ماء القوم بين الصرائم، جمع صريمة وهي منقطع الرمل، أو قطيع من الإبل إشارة إلى أنهم كانوا بمفازة لا ماء بها على حالة ضنكة، لو ثبت في تلك الحالة أن حاتما في القوم مع جوده المشهور لبخل بالماء. «وعلى» بمعنى «في» ويؤيده رواية المبرد في كامله: «على ساعة» وحاتم- بالجر- بدل من ضمير جوده.
وفيه تنويه بذكر الاسم وهو حاتم بن عبد اللَّه بن سعد بن الحشرج.
(٢). قال محمود: «إن قلت فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا... الخ» قال أحمد: السؤال المذكور إنما يرد على معتزلي من مثله، فإنهم يعتقدون أن الموت قد يكون بحلول الأجل، وقد يكون قبله، وأن المقتول لولا القتل لاستوفى أجله المكتوب له الزائد على ذلك، فلا جرم أن الإنسان على زعمهم يدفع عن نفسه العارض قبل حلول الأجل بتوقى الأسباب الموجبة لذلك، فعلى ذلك ورد السؤال المذكور. وأما أهل السنة فمعتقدهم أن كل ميت بأجله يموت، ويقولون: إن الخارجين إلى القتال في المعركة لم يكن بد من موتهم في ذلك الوقت، وأن ذلك الحين هو وقت حينهم في علم اللَّه عز وجل، إيمانا بقوله تعالى: (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) وخلافا للمنافقين وللموافقين لهم من المعتزلة في قولهم: لو أطاعونا ما ماتوا. ولعمري إنهم في هذا المعتقد مقلدون لنمروذ في قوله: أنا أحيى وأميت، فان الأحمق ظن أنه يقتل إن شاء فيكون ذلك إماتة، ويعفو عن القتل فيكون ذلك إحياء، وغاب عنه أن الذي عفا عن قتله إنما حيي لاستيفاء الأجل الذي كتبه اللَّه له، وأن الذي قتله إنما مات لأنه استوفى تلك الساعة أجله، واللَّه الموفق.

صفحة رقم 438
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية