آيات من القرآن الكريم

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

على أي وجه اتفق هلاككم حسب تعلق الارادة الإلهية لَإِلَى اللَّهِ اى الى المعبود بالحق العظيم الشان الواسع الرحمة الجزيل الإحسان تُحْشَرُونَ لا الى غيره فيوفى أجوركم ويجزل لكم عطاياكم. واعلم ان هذه الآيات على ترتيب أنيق فانه قال فى الآية الاولى لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وهى التجاوز عن السيئات وذلك اشارة الى من يعبد الله خوفا من عقابه ثم قال وَرَحْمَةٌ وهى التفضل بالمثوبات وهو اشارة الى من يعبده ثوابه ثم قال فى آخر الآية لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ وهو اشارة الى من يعبد الله لمجرد الربوبية والعبودية وهذا أعلى المقامات: قال عبد الرحمن الجامى

جانا ز در تو دور نتوانم بود قانع ببهشت وحور نتوانم بود
سر بر در تو بحكم عشقم نه بمزد زين در چهـ كنم صبور نتوانم بود
فبين الحشر الى مغفرة الله والحشر الى الله فرق كثير- روى- ان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر بأقوام نحفت أبدانهم واصفرت وجوههم ورأى عليهم آثار العبادة فقال ماذا تطلبون فقالوا نخشى عذاب الله فقال هو أكرم من ان لا يخلصكم من عذابه ثم مر بأقوام آخرين فرأى عليهم تلك الآثار فسألهم فقالوا نطلب الجنة والرحمة فقال هو أكرم من ان يمنعكم رحمته ثم مر بقوم ثالث ورأى آثار العبودية عليهم اكثر فسألهم فقالوا نعبده لانه الهنا ونحن عبيده لا لرغبة ولا لرهبة فقال أنتم العبيد المخلصون والمتعبدون المحقون
كر كند جاى بدل عشق جمال أزلت چشم اميد بحوران بهشتى ننهى
كى مسلم شودت عشق جمال ازلى تا بر آفاق همه تهمت زشتى ننهى
- حكى- ان امرأة قالت لجماعة ما السخاء عندكم قالوا بذل المال قالت هو سخاء اهل الدنيا والعوام فما سخاء الخواص قالوا بذل المجهود فى الطاعة قالت ترجون الثواب قالوا نعم قالت تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فاين السخاء قالوا فما عندك قالت العمل لله لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب وذلك لا يمكن الا بالتجريد والتفريد والوصول الى حقيقة الوجوه. فعلى السالك ان يعرض عن الدنيا والآخرة ويقبل على الله حتى يكشف عن وجهه الحجاب ويصل الى رب الأرباب. قال الامام فى تفسيره الإنسان إذا توجه الى الجهاد اعرض قلبه عن الدنيا واقبل على الآخرة فاذا مات فكأنه تخلص من العدو ووصل الى المحبوب وإذا جلس فى بيته خائفا من الموت حريصا على جمع الدنيا فاذا مات فكأنه حجب عن المعشوق والقى فى دار الغربة ولا شك فى كمال سعادة الاول وكمال شقاوة الثاني انتهى فحشر الغافلين بالحجاب وحشر الواصلين بإظهار الجناب فمن كان فى هذه الدنيا أعمى بحب المال والمنال كان فى الآخرة محجوبا عن مشاهدة الجمال فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ما مزيدة للتأكيد اى فبرحمة عظيمة لهم كائنة من الله تعالى وهى ربطه على جأشه وتخصيصه بمكارم الأخلاق كنت لين الجانب لهم وعاملتهم بالرفق والتلطف بعد ما كان منهم ما كان من مخالفة أمرك وإسلامك للعدو وَلَوْ لم تكن كذلك بل كُنْتَ فَظًّا جافيا فى المعاشرة قولا وفعلا غَلِيظَ الْقَلْبِ قاسيه غير رقيق. فالفظ سيئ الخلق وغليظ

صفحة رقم 115

القلب هو الذي لا يتأثر قلبه من شىء فقد لا يكون الإنسان سيئ الخلق ولا يؤذى أحدا ولكنه لا يرق لهم ولا يرحمهم فظهر الفرق بينهما لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ اى لتفرقوا من عندك ولم يسكنوا إليك وتردوا فى مهاوى الردى فَاعْفُ عَنْهُمْ فيما يتعلق بحقوقك كما عفا الله عنهم وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ فيما يتعلق بحقوقه تعالى إتماما للشفقة عليهم وإكمالا للبرّ بهم وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ اى استخرج آراءهم واعلم ما عندهم فى امر الحرب إذ هو المعهود او فيه وفى أمثاله مما تجرى فيه المشاورة عادة استظهارا بآرائهم وتطبيبا لقلوبهم ورفعا لاقدارهم وتمهيدا لسنة المشاورة للامة فَإِذا عَزَمْتَ اى عقيب المشاورة على شىء واطمأنت به نفسك فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى إمضاء أمرك على ما هو ارشد وأصلح فان ما هو أصلح لك لا يعلمه الا الله لا أنت ولا من تشاور إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ عليه تعالى فينصرهم ويرشدهم الى ما فيه خير لهم وصلاح والتوكل تفويض الأمر الى الله والاعتماد على كفايته. قال الامام دلت الآية على انه ليس التوكل ان يهمل الإنسان نفسه كما يقوله بعض الجهال وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للامر بالتوكل بل التوكل هو ان يراعى الإنسان الأسباب الظاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على عصمة الحكمة. واعلم ان الله تعالى بين ان اصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يتفرقون عنه لو كان فظا غليظا مع ان اتباعه دين وفراقه كفر فكيف يتوقع من يعامل الناس على خشونة اللفظ مع قسوة القلب ان ينقاد الناس كلهم له ويتابعوه ويطاوعوه فاللين فى القول انفذ فى القلوب واسرع الى الاجابة وادعى الى الطاعة ولذلك امر الله موسى وهارون به فقال فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً

بنرمى ز دشمن توان كند پوست چوبا دوست سختى كنى دشمن اوست
چوسندان كسى سخت رويى نبرد كه خايسك تأديب بر سر نخورد
قال الامام فى تفسيره اللين والرفق انما يجوز إذا لم يفض الى إهمال حق من حقوق الله فاما إذا ادى الى ذلك لم يجز قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقال للمؤمنين فى اقامة حد الزنى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ والتحقيق ان طرفى الافراط والتفريط مذمومان والفضيلة فى الوسط فورود الأمر بالتغليظ مرة واخرى بالنهى عنه انما كان لاجل ان يتباعد عن الافراط والتفريط فيبقى على الوسط الذي هو الصراط المستقيم ولهذا السر مدح الله تعالى الوسط فقال وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً قال عليه السلام (لا تكن مرّا فتعقى ولا حلوا فتسترط)
چونرمى كنى خصم گردد دلير وگر خشم گيرى شوند از تو سير
درشتى ونرمى بهم در بهست چورك زن كه جراح ومرهم نهست
واعلم ان المقصود من البعثة ان يبلغ الرسول تكليف الله الى الخلق وهذا المقصود لا يتم الا إذا مالت قلوبهم اليه وسكنت نفوسهم لديه وهذا لا يتم الا إذا كان كريما رحيما يتجاوز عن ذنبهم ويعفو عن إساءتهم ويخصهم بوجوه البر والمكرمة والشفقة فلهذه الأسباب وجب ان يكون الرسول متبرئا من سوء الخلق وحيث يكون كذلك وجب ان يكون غير غليظ القلب بل يكون كثير الميل الى اعانة الضعفاء كثير القيام باعانة الفقراء كثير التجاوز عن سيآتهم كثير الصفح

صفحة رقم 116

عن زلاتهم فلهذا المعنى قال وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ولو انفضوا من حولك فات المقصود من البعثة والرسالة وهكذا ينبغى ان يكون علماء الآخرة الوارثون والمشايخ فان الناس على دين متبوعهم فى الظاهر والباطن وقلما يوجد من يتصف بالأخلاق الحسنة من المشايخ والعلماء فى هذا الزمان الا من عصمه الله وهداه الى التمسك بالشريعة والتحقق بآداب الحقيقة وهذه الحال ليست الا لواحد بعد واحد- روى- انه خلا باحنف المضروب به المثل فى الحلم رجل فسبه سبا قبيحا فقام الأحنف وهو يتبعه فلما وصل الى قومه وقف وقال يا أخي ان كان قد بقي من قولك فضلة فقل الآن ولا يسمعك قومى فتؤذى فانظر الى خلق الأحنف كيف عامل مع الرجل وجامل وقال له رجل دلنى على المروة فقال عليك بالخلق الفسيح والكف عن القبيح. قال نجم الدين الكبرى فى تأويلاته كل لين يظهر فى قلوب المؤمنين بعضهم على بعض فهو رحمة الله ونتيجة لطفه مع عباده لا من خصوصية أنفسهم فان النفس لامارة بالسوء وان كانت نفس الأنبياء عليهم السلام انتهى. وفى هذا الكلام تنبيه على ان الأنبياء وان كان سلوكهم من النفس المطمئنة الى الراضية والمرضية والصافية الى ان بلغوا مبلغ النبوة والرسالة لكن نفوسهم متصفة بالامارية كسائر الناس ولكن الله يعصمهم من مقتضاها فافهم فانه محل اعتبار وإمعان إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ النصر نوعان معونة ومنع اى ان يعنكم الله ويمنعكم من عدوكم كما فعل ذلك يوم بدر فَلا غالِبَ لَكُمْ فلا أحد يغلبكم وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ الخذلان القعود عن النصرة والإسلام للهلكة اى ان يترككم فلم ينصركم كما فعله يوم أحد فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ استفهام إنكاري مفيد لانتفاء الناصر ذاتا وصفة بطريق المبالغة مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد خذلانه وهذا تنبيه على ان الأمر كله لله ولذا امر بالتوكل عليه فقال وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فليخصوه بالتوكل عليه لما علموا ان لا ناصر سواه وآمنوا به من قبل ومن التوكل ان لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله تعالى ولا لرزقك خازنا غيره ولا لعلمك شاهدا غيره. وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله ﷺ (يدخل سبعون الفا من أمتي الجنة بغير حساب) قيل يا رسول الله من هم قال (هم الذين لا يكتدون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) فقال عكاشة بن محصن يا رسول الله ادع الله ان يجعلنى منهم قال (أنت منهم) ثم قام آخر فقال يا رسول الله ادع الله ان يجعلنى منهم فقال (سبقك بها عكاشة) وقال ﷺ (لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). وعن بعضهم قال كنت فى البادية فتقدمت القافلة فرأيت قدّامى واحدا فسارعت حتى أدركته فاذا هو امرأة بيدها ركوة وعكازة تمشى على الرعدة فظننت انها أعيت فادخلت يدى فى جيبى فاخرجت عشرين درهما فقلت خذى هذه وامكثى حتى تلحقك القافلة فتكترى بها ثم ائتنى الليلة حتى أصلح أمرك فقالت بيدها هكذا فى الهواء فاذا فى كفها دنانير فقالت أنت أخذت الدراهم من الجيب وانا أخذت الدنانير من الغيب: قال الحافظ الشيرازي

برو از خانه كردون بدر ونان مطلب كاين سيه كاسه در آخر بكشد مهمانرا
قال القشيري حقيقة النصر ان ينصرك على نفسك فانها أعدى عدوك وهى ان يهدم عنك

صفحة رقم 117
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية