
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦)
* * *
هذه أول أوصاف المؤمنين الذين استحقوا ذلك الجزاء الكريم من رب العالمين: (الَّذِينَ يَقُولُونَ) وهذا الوصف يدل على أنهم دائما متذكرون للإيمان وحالهم إنما هو تصديق للنبي - ﷺ - في كل ما جاء به، فلسان حالهم دائما أنهم يقولون (آمَنَّا) أي أنهم يقولون إنهم يذعنون ويصدقون كل ما جاء به القرآن الكريم، وهدي النبي الأمين، ومن كان لسان حاله تذكر الإيمان والإذعان لأمر الله تعالى لَا تكون منه معصية كبيرة، ولا إهمال لأوامر الله تعالى، لأن ارتكاب المعاصي يتنافى مع الإذعان المطلق، وتذكر الإيمان الدائم؛ إذ المعصية تكون في غفلة القلب وعدم تذكر الإيمان؛ ولذا قال عليه الصلاة والسلام: " لا يزني الزاني وهو مؤمن " (٢)، وإذا كان الإيمان بالله
________
(٢) متفق عليه؛ رواه البخاري: المظالم والغصب - النهبى بغير إذن صاحبه (٢٢٩٥)، ومسلم: الإيمان - نقص الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس (٨٦)].

مستوليا على شعورهم فهم دائما يغلبون الخوف على الرجاء والضراعة على الطمع، ولذا رتبوا على هذه الحالة طلبهم المغفرة وقالوا (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فهم دائما يحسون بعظم أخطائهم، وذلك من قوة إيمانهم، وقوة إذعانهم، ولذلك يطلبون الستر والغفران، والوقاية من النار، وذلك كله من قوة الوجدان الديني، وعظم سلطان النفس اللوامة، والضمير المستيقظ، فتكبر في نظرهم هفواتهم، وتصغر حسناتهم، ويعتقدون أنه لَا جزاء إلا أن يتغمدهم الله برحمته.
* * *