
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ بالياء والتاء (١). فمن قرأ بالتاء؛ فلأن الآية خطاب، وهو قوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا﴾. ومن قرأ [الياء] (٢)، فلِلْغَيْبَةِ التي قبلها؛ وهو قوله: ﴿وَقَالُوا لِإخوَانِهِم﴾، فحمل الكلام على الغَيْبَةِ.
١٥٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
اللام في ﴿لَئِنْ﴾ لام القَسَم؛ بتقدير: والله لَئِنْ قُتِلتُمْ في سبيل الله -أيها المؤمنونَ- ﴿أَوْ مُتُّمْ﴾؛ يريد: في سبيل الله؛ كقوله: ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥]؛ يعني: فُرُوجَهم. وقال الكَلْبِيُّ (٣): أوْ مُتُّمْ في إقامتكم، وأنتم مؤمنون.
وقرأ بعضهم: ﴿مِتُّمْ﴾ بكسر الميم (٤).
وانظر: كتاب "معاني الحروف" للرماني ٥٦، و"الدر المصون" ٣/ ٤٥٤ - ٤٥٦، و"همع الهوامع" ٤/ ٢٠٠.
(١) قرأ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ بالياء: ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف. وقرأ الباقون: نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب: ﴿تَعْمَلُونَ﴾ بالتاء.
انظر: "السبعة" ٢١٧، و"الحجة" للفارسي ٣/ ٩١، و"المبسوط" لابن مهران ١٤٨، و"إتحاف فضلاء البشر" ص ١٨١.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من: (أ). والمثبت من (ب)، (ج).
(٣) لم أقف على مصدر قوله. وانظر: "بحر العلوم" ١/ ٣١٠، و"زاد المسير" ١/ ٤٨٥.
(٤) هي قراءة: نافع، وحمزة، والكسائي، وخلف. وقد كسروا الميم في: ﴿مِتَّ﴾، و ﴿مِتْنَا﴾، و ﴿مِتُّمْ﴾ في كل القرآن. وقد كسر عاصم -في رواية حفص- هذه الكلمات في كل القرآن، ما عدا ما ورد في سورة آل عمران ﴿مُتُّمْ﴾: الآية ١٥٧، ١٥٨ فقد رفعهما.
ورفع الميم فيها في كل القرآن: ابن كثير، وعاصم -في رواية أبي بكر-، وأبو =

قال أهل اللغة (١): الأشهر الأقْيَس: (مُتَّ، تَمُوتُ)، مثل: (قُلْتَ، تقول). والكسر شادٌّ (٢). ونظيره في الصحيح (٣): (فَضِلَ يَفْضُلُ) (٤).
هذا مذهب الخليل (٥).
وحكى المُبرِّد (٦): أنَّ (مَاتَ يَمَاتُ)، لغة، مثل: (هَابَ يَهَابُ)،
انظر: "الحجة"، للفارسي ٣/ ٩٢، و"المبسوط" لابن مهران ١٤٨، و"إتحاف فضلاء البشر" ص ١٨١.
(١) نقله باختصار عن "الحجة" للفارسي ٣/ ٩٣، وانظر: "كتاب سيبويه" ٤/ ٣٤٣.
(٢) الشذوذ -هنا- هو الشذوذ في القياس، لا في الاستعمال. انظر: "الكشف" لمكي ١/ ٣٦٢، و"شرح الشافية" ١/ ١٣٥.
(٣) يعني بـ"الصحيح" الفعل الصحيح الذي سلمت حروفه الأصلية من حرف العلة.
(٤) (يفضل): ساقطة من (ج).
وفي (أ)، (ب): فصل، يفصل -بالصاد-. والمثبت من "الحجة" للفارسي، و"كتاب سيبويه"، و"كتاب العين"، للخليل ٧/ ٤٤ (فصل)، وهي التي وردت في كتب اللغة والتصريف، مِثالًا على الشذوذ عن القياس؛ لأن القياس في مضارع (فَعِلَ)، هو: (يَفعَل) -بفتح العين-.
ونقل ابنُ السكيت عن أبي عبيدة، أنه (ليس في الكلام حرفٌ من السالم يشبه هذا). "إصلاح المنطق" ٢١٢.
قال في "اللسان" (وفَضَلَ الشيءُ يَفْضُلُ، مثال: (دَخَلَ يدخُلُ). وفَضِلَ يَفضلُ، كـ (حَذِر يحذَرُ). وفيه لغة ثالثة مركبة منهما: فَضِلَ -بالكسر-، يَفضُل -بالضم-، وهو شاذ لا نظير له. قال ابن سيدهْ: هو نادر) ١١/ ٥٢٥ (فضل).
(٥) انظر: "كتاب سيبويه" ٤/ ٣٤٣ - ٣٤٥، و"التكملة" للفارسي ٩٧٩، و"حجة القراءات" ١٧٨، و"الكشف" ١/ ٣٦٢، و"الدر المصون" ٣/ ٤٥٨ - ٤٥٩، و"شرح الشافية" ١/ ١٣٥ - ١٣٧.
ونسب الخليل (فضِل يفضُل) لأهل الحجاز. انظر: "العين" ٧/ ٤٤.
(٦) لم أقف على مصدر قوله. =

و (خافَ يَخَافُ)، وأنشد:
عِيشِي ولا يَوْمِي بِأنْ تَمَاتِي (١)
فإن ثَبَتَ هذا، فهو لُغَةٌ.
قالَ ابنُ عباس (٢): هذه الآية رَدٌّ على المنافقين؛ حيث اختاروا الدنيا على الآخرة، وتركوا الجهاد؛ مَحَبَّةً للدنيا. فقيل للمؤمنين: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ﴾ في الجهاد ﴿أَوْ مُتُّمْ﴾ ليغفرن لكم، وهو ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ﴾.
﴿لَمَغْفِرَةٌ﴾ (٣): جواب القسم. وقد قام مقام جواب الجزاء.
وقوله تعالى: ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي: من أعراض الدنيا، التي
(١) شطر بيت من الرجز، لم أقف على قائله.
وقد ورد غير منسوب في: الجمهرة، لابن دريد ٣/ ١٣٠٨، و"الحجة" للفارسي ٣/ ٩٣، و"الصحاح" ١/ ٢٦٧ (موت)، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٢٠، و"شرح الشافية" ١/ ١٣٧، و"اللسان" ٧/ ٤٢٩٥ (موت)، و"الدر المصون" ١/ ١٧٤، ٣/ ٤٥٨، و"شرح شواهد الشافية" ٥٧.
وتمام البيت:
بنيتي سيدة البنات... عيشي ولا يومي بأن تماتي
وقد ورد في بعض المصادر: (بُنيَّ يا سيدة..)، وورد: (ولا نأمن أن..)، و (لا يُؤمَنُ أن..). أما (يَوْمي) فقد وردت في (الجمهرة)، و"الحجة" فقط من المصادر السابقة. وورد: (بنيتي يا خِيرَة البنات). قال ابن دريد عن (مِتَّ تمات): (وأكثر ما يتكلم بها طيِّئ، وقد تكلم بها سائر العرب). "الجمهرة" ٣/ ١٣٠٨.
(٢) لم أقف على مصدر قوله.
(٣) ما بين المعقوفين مطموس في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).