
في الكلام، لأنه في المعنى مثل: إذا، وكأنه رد لفظ إذا لما طال
الكلام، كقوله: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، ثم قال:
(فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) فأعاد لمَّا لمَّا طال.
فكذلك القول في (ثُمَّ صَرَفَكُمْ) وهذا القول أستطرفه.
فإني أراه تصور ثُمَّ بمعنى ثَمَّ على التقدير الذي ذكره.
وقال البصريون: جوابه في هذه الأمكنة كلها محذوف.
قوله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٥٣)
إذ: متعلق بقوله: (عَفَا) وبقوله: (ذُو فَضْلٍ).
والإصعاد: الإِبعاد في الأرض، سواء كان

في صعودٍ أو حدورٍ، وإن كان أصله من الصعود كقولهم:
تعال في أنْ صار في التعارف، قد يقال لغير معنى العلو.
والصعود: الذهاب في صعود. ولما روى قتادة والربيع: أن

من هرب من المؤمنين ذهبوا في الوادي.
وروى الحسن أنهم صعدوا في الجبل.
وقرئ (تُصْعِدُونَ) اعتباراً بالرواية الأولى
و (تَصعَدون) اعتباراً بالرواية الثانية، وإنمّا ذلك باعتبار علوِّ
الإِنسان في أمرٍ تحرَّاه، كقولك: أبعدت في كذا، وارتقيت في
كذا كل مرتقى، فكأنه قيل: إذ تبعدون في استشعار الخوف،

الاستمرار على الهزيمة.
وقوله: (وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ) تعريض بهم في الهزيمة.
ونحوه تحرّاه حسان، بقوله.
ترك الأحبةَ أن يُقاتل دونهم... ونجا برأس طِمِرَّة وثّاب

وقرأ الحسن: (وَلَا تَلْوُونَ) من ولي.
وقال بعضهم: هو خطأ.
ووجهه أن ذلك تبكيت لهم، وأنهم لم يلو ما وُلُو بل أخلّوا.
وقوله: (يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ)، أي هو بين جماعة
المتأخرين منكم.
وروي أن رسول الله) مم كان يناديهم: "يا عباد الله ارجعوا".
إن قيل: كيف قال (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ)،

والإِثابة تُقال في المحبوب دون المكروه؟!
قيل: قد قال بعضهم: إن ذلك يستعمل في المكروه على أحد وجهين:
إمّا لأن الثواب في الأصل ما يرجع إلى الإِنسان من ثمرة فعله خيراً كان أو شرّاً، ولكن تعورف في الخير، فإذا استعمل في المكروه فعلى اعتبار الأصل.
والثاني: أن ذلك على الاستعارة، وضرب من التهكُّم
في كلامهم، كقوله:
... تحيه بينهم ضرب وجيع

وقال بعض المحققين. إنما ذكر لفظ الإثابة هاهنا في الغمّ، لأن
غمّهم وإن كان مكروهاً بالطبع فهو ثواب من الله من وجه، لأنه
كان سبب تهذيب نفوسهم، الذي بيّنه تعالى بقوله: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ)، وكل أمر يؤدي بالإنسان إلى أن يجعله بحيث
لا يقلقه فوت مطلوب وفقد محبوب فيا له من ثواب، ولهذا
قال حكيم: جماع الزهْادة في قوله: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)
فقوله: (غَمَّا) من المفسرين

من اعتبر الغمّين بالمسلمين وقال: أحدهما: ما وصل إلى قلوبهم من الفشل.
والثاني: الخوف. وقيل: أحدهما: مخالفتهم للنبي - ﷺ -.
والثاني: فوت الغنيمة.
وقيل: ما سمعوا من قتل النبي - ﷺ -
وقيل: إشراف أبي سفيان عليهم.
والوجه: أن كل

ذلك مراد، لأنه ليس يعني بذلك غمّين، بل غموماً كثيرة متتابعة
متوالية كقولهم: لبّيك وقوله: (بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ)
أي نعمه متوالية، ومنهم من اعتبر أحد الغمين بالمسلمين