آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الترغيب في الاتساء١ بالصالحين في إيمانهم وجهادهم وصبرهم وحسن أقوالهم.
٢- فضيلة الصبر والإحسان، يحب الله تعالى الصابرين والمحسنين.
٣- فضيلة الاشتغال بالذكر٢ والدعاء عند المصائب والشدائد بدل التأوهات وإبداء التحسرات والتمنيات، وشر من ذلك التصخت والتضجر والبكاء والعويل.
٤- كرم الله تعالى المتجلي في استجابة دعاء عباده الصابرين المحسنين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) ﴾
شرح الكلمات:
﴿إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ : المراد من طاعة الكافرين قبول قولهم والأخذ باراشادتهم.
﴿يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ : يرجعوكم إلى الكفر بعد الإيمان.
﴿خَاسِرِينَ﴾ : فاقدين لكل خير في الدنيا، ولأنفسكم وأهليكم يوم القيامة.

١ شاهده أن الله تعالى جعل لنا رسوله بعد أن كمله وعصمه، جعله لنا أسوة يأتسي بفعاله وأخلاقه وأحواله المؤمنون المتقون والعالمون الصابرون.
٢ شاهده ما صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، الصلاة أكبر مظهر لذكر الله تعالى، ومن الذكر المشروع عند المصائب قول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

صفحة رقم 389

﴿بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ﴾ : بل أطيعوا الله ربكم ووليكم ومولاكم فإنه خير من يطاع وأحق من يطاع.
﴿الرُّعْبَ﴾ : شدة الخوف من توقع الهزيمة والمكروه.
﴿وَمَأْوَاهُمُ﴾ : مقر إيوائهم ونزولهم.
﴿مَثْوَى﴾ : المثوى مكان الثوى، وهو الإقامة والاستقرار.
﴿الظَّالِمِينَ﴾ : المشركين الذين أطاعوا غير الله تعالى وعبدوا سواه. معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث١ غزوة أحد، فقد روى أن بعض المنافقين لما رأى هزيمة المؤمنين في أحد، قال في المؤمنين ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم، ولو كان محمد نبياً لما قتل إلى آخر ما من شأنه أن يقال في تلك الساعة الصعبة من الاقتراحات التي قد كشف عنها هذا النداء الإلهي للمؤمنين، وهو يحذرهم من طاعة الكافرين بقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ٢ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ فلا شك أن الكافرين قد طالبوا المؤمنين بطاعته بتنفيذ بعض الاقتراحات التي ظاهرها النصح وباطنها الغش والخديعة، فنهاهم الله تعالى عن طاعتهم في ذلك وهذا النهي وإن نزل في حالة خاصة، فإنه عام في المسلمين على مدى الحياة، فلا يحل طاعة الكافرين من أهل الكتاب وغيرهم وفي كل ما يأمرون به أو يقترحونه، ومن أطاعهم ردوه عن دينه إلى دينهم فينقلب: يرجع خاسراً في دنياه وآخرته، والعياذ بالله. هذا ما تضمنته الأولى (١٤٩) وأما الآية الثانية (١٥٠) فقد تضمنت الأمر بطاعته تعالى، إذ هو أولى بذلك لأنه ربهم ووليهم ومولاهم، فهو أحق بطاعتهم من الكافرين، فقال تعالى: ﴿بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ٣﴾ فأطيعوه، ولا تطيعوا أعداءه وإن أردتم أن تطلبوا النصر بطاعة الكافرين فإن الله تعالى خير الناصرين فاطلبوا النصر منه بطاعته فإنه ينصركم، وفي الآية الثالثة (١٥١) لما امتثل المؤمنون أمر ربهم فلم يطيعوا

١ لفظ الكافرين شامل لكل ما أولت الآية به من المشركين والمنافقين واليهود، وهذا أمر لا ينكر فإن طاعة الكافرين لا تقضي بمن أطاعهم إلا إلى الخيبة والخسران في الدارين.
٢ وجه المناسبة هو أنه لما أمر تعالى المؤمنين بالإقتداء بالصالحين من أتباع الأنبياء، وذلك بالصبر والاحتساب حذرهم في هذه الآيات من اتباع الكافرين وقبول ما يطلبون ويقترحونه عليه فإنه مفضي بهم إلى الكفر أولاً ثم إلى الإثم والخسران ثانياً.
٣ قرئ بنصب اسم الجلالة، ويكون معمولاً لفعل مقدر وتقديره: بل أطيعوا الله مولاكم فهو أحق بطاعته من الكافرين والمنافقين، وفي هذا رد على من قال ساعة الهزيمة: لو كلمنا ابن أبي يأخذ لنا أمناً من أبي سفيان.

صفحة رقم 390

الكافرين وعدهم ربهم سبحانه وتعالى بأنه سيلقي في قلوب الكافرين الرعب١ وهو الخوف والفزع والهلع حتى تتمكنوا من قتالهم والتغلب عليهم وذلك هو النصر المنشود منكم، وعلل تعالى فعله ذلك بالكافرين بأنهم أشركوا به تعالى آلهة عبدوها معه لم ينزل بعبادتها حجة ولا سلطاناً، وقال تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ وأخيراً مأواهم النار، أي: محل إقامتهم النار، وذم تعالى الإقامة في النار فقال: ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾، يريد النار بئس المقام للظالمين وهم المشركون٢.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تحرم طاعة الكافرين في حال الاختيار٣.
٢- بيان السر في تحريم طاعة الكافرين، وهو أنه يترتب عليها الردة. والعياذ بالله.
٣- بيان قاعدة من طلب النصر من غير الله أذله الله.
٤- وعد الله المؤمنين بنصرهم بعد إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم، إذ هم أبو سفيان بالعودة إلى المدينة بعد انصرافه من أحد ليقضي عمن بقى في المدينة من الرجال، كذا سولت له نفسه، ثم ألقى الله تعالى في قلبه الرعب فعدل عن الموضوع بتدبير الله تعالى.
٥- بطلان كل دعوى ما لم يكن لأصحابها حجة وهي المعبر عنها بالسلطان٤ في الآية إذ الحجة يثبت بها الحق ويناله صاحبه بواسطتها.
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ

١ الرعب بإسكان العين وطمسها الخوف الذي يملأ النفس خوفاً، لأن مادة الرعب مأخوذة من الماء، يقال: سيل راعب يملأ الوادي، وكانت هذه الآية رداً على أبي سفيان لما فكر في العودة إلى المدينة بعد انصرافه من أحد، إلا أن الله تعالى هزمه لما ألقى في نفسه من الرعب، فعاد إلى مكة، كما هي بشرى للمؤمنين متى أطاعوا ربهم وثبتهم فإنه يلقى الرعب في قلوب أعدائهم، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نصرت بالرعب مسيرة شهر.
٢ لقوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، والكافرون مشركون بلا شك.
٣ أما في حال الإكراه فإن من لم يطق العذاب يرخص له في إعطائهم ما طلبوا منه على شرط أن يكون كارهاً بقلبه ساخطاً في نفسه غير راضٍ عنهم ولا عن صنيعهم وذلك للآية: ﴿إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ﴾.
٤ السلطان: الحجة لأن الحق يؤخذ بالحجة ويؤخذ بالسلطان، وهل السلطان مأخوذ من السليط، وهو ما يضاء السراج، وهو دهن السمسم، وسمي الحاكم سلطاناً للاستضاءة به في إظهار الحق وقمع الباطل؟ نعم، وجائز.

صفحة رقم 391
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية