
(زين للناس حب الشهوات) كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار، وتزهيد الناس فيها وتوجيه رغباتهم إلى ما عند الله، والمزين قيل هو الله سبحانه وبه قال عمر كما حكاه عنه البخاري وغيره، ويؤيده قوله تعالى (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم) ويؤيده قراءة مجاهد (زين) على البناء للفاعل، وقيل المزين هو الشيطان وبه قال الحسن وقد جاء صريحاً في قوله (وزين لهم الشيطان أعمالهم) والآية في معرض الذم وهو قول طائفة من المعتزلة والأول أولى.
والمراد بالناس الجنس، والشهوات جمع شهوة وهي نزوع النفس إلى ما تريده وتوقان النفس إلى الشيء المشتهى، والمراد هنا المشتهيات عبر عنها

بالشهوات مبالغة في كونها مرغوباً فيها أو تحقيراً لها لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية، والشهوة إما كاذبة كقوله تعالى (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات) أو صادقة كقوله (فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين).
قاله الكرخي، ووجه تزيين الله سبحانه لها ابتلاء عباده كما صرح به في الآية الاخرى.
(من النساء) بدأ بالنساء لكثرة تشوق النفوس إليهن والإستئناس والإلتذاذ بهن لأنهن حبائل الشيطان، وأقرب إلى الافتتان (والبنين) خصهم دون البنات لعدم الاطراد في محبتهن ولأن حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى.
(والقناطير المقنطرة) جمع قنطار، وهو اسم للكثير من المال، قال الزجاج القنطار مأخوذ من عند الشيء وإحكامه تقول العرب قنطرت الشيء إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة لإحكامها وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف.
أخرج أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال قال رسول الله - ﷺ -: " القنطار اثنا عشر ألف أوقية " (١).
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال سئل رسول الله - ﷺ - عن القناطير المقنطرة فقال: " القنطار ألف أوقية " (٢)، ورواه ابن أبي حاتم عنه مرفوعاً بلفظ ألف دينار.
وأخرج ابن جرير عن أبي كعب قال: قال رسول الله - ﷺ - " القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية " وبه قال معاذ بن جبل وابن عمر وأبو هريرة وجماعة من
_________
(١) ابن ماجة كتاب الآداب الباب الأول، الإمام أحمد ٢/ ٣٦٣.
(٢) كتاب النكاح ٢/ ١٧٨.

العلماء، قال ابن عطية وهو أصح الأقوال ولكن يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية.
وعن أبي سعيد الخدري قال القنطار ملء مسك الثور ذهباً، وعن ابن عمر سبعون ألفاً، وعن سعيد بن المسيب ثمانون ألفاً، وعن أبي صالح مائة رطل، وعن أبي جعفر خمسة عشر ألف مثقالاً والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً وعن الضحاك قال هو المال الكثير من الذهب والفضة وعن السدى أن المقنطرة المضروبة، وقال ابن جرير الطبري معناها المضعفة، وقال القناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة.
وقال الفراء القناطير جمع القناطر، والمقنطرة جمع الجمع، فيكون تسعة قناطير، وقيل المقنطرة المكملة كما يقال بدرة مبدرة وألوف مؤلفة، وبه قال مكي وحكاه الهروي، وقال ابن كيسان لا يكون القنطرة أقل من سبع قناطير، وفي نونه قولان (أحدهما) وهو قول جماعة أنها أصلية وأن وزنه فِعلال كقرطاس (والثاني) أنها زائدة ووزنه فنعال.
(من الذهب والفضة) من بيانية وإنما بدأ بالذهب والفضة من بين سائر أصناف الأموال لأنهما قيم الأشياء قيل سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى، والفضة لأنها تنفض أي تتفرق.
(والخيل المسومة) عطف على النساء لا على الذهب لأنها لا تسمى قناطير قاله أبو البقاء وتوهم مثل هذا بعيد جداً فلا حاجة إلى التنبيه عليه، قيل هي جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط بل مفرده فرس، وسميت الأفراس خيلاً لاختيالها في مشيتها وقيل لأن الخيل لا يركبها أحد إلا وجد في نفسه مخيلة أي عجباً.
وقيل واحده خائل كراكب وركب وتاجر وتجر وطائر وطير، وفي هذا خلاف بين سيبويه والأخفش، فسيبويه يجعله اسم جمع والأخفش يجعله جمع تكسير.

واختلفوا في معنى المسومة فقيل هي المرعية في المروج والمسارح يقال سامت الدابة والشاة إذا سرحت، وقيل هي المعدة للجهاد، وقيل المعلمة من السومة وهي العلامة أي التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها، قال ابن فارس في المجمل المسومة المرسلة وعليها ركبانها، قال ابن عباس هي الراعية والمطهمة الحسان وبه قال مجاهد، وقال عكرمة تسويمها حسنها أي الغرة والتحجيل، وقال ابن كيسان البلق.
(والأنعام) هي الإبل والبقر والغنم، فإذا قلت نعم فهي الإبل خاصة قاله الفراء وابن كيسان (والحرث) اسم لكل ما يحرث وهو مصدر سمي به المحروث تقول حرث الرجل حرثاً إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والحرث والزرع، قال ابن الإعرابي الحرث التفتيش.
(ذلك) المذكور (متاع الحياة الدنيا) أي ما يتمتع به ثم يذهب ولا يبقى، وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة (والله عنده حسن المآب) أي المرجع وهو الجنة، يقال آب يؤب إياباً إذا رجع وفيه إشارة إلى أن من آتاه الله الدنيا كان الواجب عليه أن يصرفها فيما يكون فيه صلاحه في الآخرة لأنها السعادة القصوى.