
فقال اللَّه: فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ يعني تفسير المدة.
ثُمَّ قال: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ثم استأنف «وَالرَّاسِخُونَ» فرفعهم «١» ب «يَقُولُونَ» لا بإتباعهم إعراب اللَّه. وفي قراءة أَبِي (ويقول الراسخون) وفي قراءة عَبْد اللَّه «إن تأويله إلا عند اللَّه، والراسخون فِي العلم يقولون».
وقوله: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ... (١)
يقول: كفرت اليهود ككفر آل فرعون وشأنهم.
وقوله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ... (١٢)
تقرأ بالتاء والياء. فمن جعلها بالياء فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وإلى أن الغلبة على المشركين [بعد] «٢» يوم أحد. وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هزم المشركين يوم بدر وهم ثلاثمائة ونيف والمشركون ألف إلا شيئا قَالَت اليهود: هذا الَّذِي لا ترد له راية، فصدقوا. فقال بعضهم: لا تعجلوا بتصديقه حَتَّى تكون وقعة أخرى.
فلما نكب المسلمون يوم أحد كذبوا ورجعوا. فأنزل اللَّه: قل لليهود سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم. فليس يجوز فِي هذا المعنى إلا الياء.
ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين فِي الخطاب. فيجوز فِي هذا المعنى سيغلبون وستغلبون كما تقول فِي الكلام: قل لعبد اللَّه إنه قائم، وإنك قائم.
(٢) زيادة اقتضاها السياق.

وفي حرف عَبْد اللَّه قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن تَنتَهُوا يُغْفَرْ لَكُم ما قَدْ سَلَفَ «١» وفي قراءتنا « [إِنْ يَنْتَهُوا] يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ» وفي الأنعام «هذا لله بزعمهم وهذا لشركائهم» «٢» وفي قراءتنا «لِشُرَكائِنا».
وقوله: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا... (١٣)
يعنى النبىّ صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، والمشركين يوم بدر.
فِئَةٌ تُقاتِلُ قرئت بالرفع وهو وجه الكلام على معنى: إحداهما تقاتل فِي سبيل اللَّه وَأُخْرى كافِرَةٌ على الاستئناف كما قَالَ الشَّاعِر «٣» :
فَكُنْتُ كذي رِجْلين رجلٌ صحيحة... ورجل رمى فيها الزّمان فشلت
ولو خفضت لكان جيدا: ترده على الخفض الأول كأنك قلت: كذي رجلين: كذي رجلٍ صحيحةٍ ورجلٍ سقيمةٍ. وكذلك يجوز خفض الفئة والأخرى على أول الكلام.
ولو قلت: «فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ» كان صوابا على قولك «٤» : التقتا مختلفتين. وقال الشاعر فِي مثل ذلك مما يستأنف:
إذا مت كان الناس نصفين شامت... وآخر مثنٍ بالذي كنت أفعل «٥»
(٢) آية ١٣٦ سورة الأنعام.
(٣) هو كثير عزة.
والبيت من قصيدته التي مطلعها:
خليلىّ هذا ربع عزة فاعقلا... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت
(٤) يريد أن انتصابهما على الحالية.
(٥) يروى النحويون هذا البيت بتغيير فى قافيته، فهى عندهم: «أصنع» بدل «أفعل» ويروون:
«صنفان» فى مكان «نصفين» وينسب إلى العجير السلولي من شعراء الدولة الأموية. ورواية النحويين بقافية العين هى الصواب. ومطّلع القصيدة:
ألما على دار لزينب قد أتى... لها باللوى ذى المرخ صيف ومربع
وقولا لها قد طالما لم تكلمى... وراعك بالغيث الفؤاد المروع
وانظر سيبويه ١/ ٣٦

ابتدأ الكلام بعد النصفين ففسره. وأراد: بعض شامت وبعض غير شامت.
والنصب فيهما جائز، يردهما على النصفين. وقال الآخر:
حَتَّى إذا ما استقل النجم فِي غلس | وغودر البقل ملوى ومحصود «١» |
وكل فعل أوقعته على أسماء لها أفاعيل ينصب على الحال الَّذِي «٢» ليس بشرط ففيه الرفع على الابتداء، والنصب على الاتصال بما قبله من ذلك: رَأَيْت القوم قائما وقاعدا، وقائم وقاعد لأنك نويت بالنصب القطع، والاستئناف فِي القطع «٣» حسن.
وهو أيضا فيما ينصب بالفعل جائز فتقول: أظن القوم قياما وقعودا، وقيام وقعود، وكان «٤» القوم بتلك المنزلة. وكذلك رَأَيْت القوم فِي الدار قياما وقعودا، وقيام وقعود، وقائما وقاعدا، وقائم وقاعد فتفسره بالواحد والجمع قال الشاعر:
وكتيبةٍ شعواء ذات أشلة | فيها الفوارس حاسر ومقنع «٥» |
اليابس الذابل وإن كان الوارد ألوى، والوصف ملو.
(٢) سيذكر ما خرج بهذا، وهو الحال الذي هو شرط فيجب فيه النصب، نحو أكرم الجيش ظافرا وقاهرا لأعدائه، لأن المعنى على الشرط أي أكرمه إن ظفر وقهر الأعداء، فإذا قلت: رأيت الجيش راكبين وراجلين جاز الرفع والنصب لأن الحال ليس بشرط.
(٣) يريد بالقطع أن الوصف ليس شرطا وقيدا فى الفعل قبله. [.....]
(٤) كذا. وقد يكون الأصل: «أي كان».
(٥) «شعواء» : كثيرة متفرقة، من قولهم: شجرة شعواء: منتشرة الأغصان. و «أشلة» جمع شليل وهو الغلالة تلبس فوق الدرع، أو هو الدرع القصيرة تكون تحت الكبيرة. والحاسر: من لا مغفر له ولا درع. والمقنع هو المغطى بالسلاح.

وأما الَّذِي على الشرط مما لا يجوز رفعه فقوله: اضرب أخاك ظالما أو مسيئا، تريد: اضربه فِي ظلمه وفي إساءته. ولا يجوز هاهنا الرفع فى حاليه لانهما متعلقتان بالشرط. وكذلك الجمع تقول: ضربت القوم مجرّدين أو لابسين، ولا يجوز: مجردون ولا لابسون إلا أن تستأنف فتخبر، وليس بشرط للفعل ألا ترى أنك لو أمرت بضربهم فى هاتين الحالين لم يكن فعلهم إلا نصبا فتقول:
اضرب القوم مجردين أو لابسين لأن الشرط فِي الأمر لازم. وفيما قد مضى يجوز أن تجعله خبرا وشرطا. فلذلك جاز الوجهان فِي الماضي.
وقوله: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ زعم بعض من روى عن ابن عَبَّاس أنه قال:
رأى المسلمون المشركين فى الحزر ستمائة وكان المشركون تسعمائة وخمسين، فهذا وجه. وروى قول آخر كأنه أشبه بالصواب: أن المسلمين رأوا المشركين على تسعمائة وخمسين والمسلمون قليل ثلاثمائة وأربعة عشر، فلذلك قال: «قَدْ كانَ لَكُمْ» يعنى اليهود «آيَةٌ» فِي قلة المسلمين وكثرة المشركين.
فإن قلت: فكيف جاز أن يقال «مِثْلَيْهِمْ» يريد ثلاثة أمثالهم؟ قلت:
كما تقول وعندك عَبْد: أحتاج إلى مثله «١»، فأنت محتاج إليه وإلى مثله، وتقول:
أحتاج إلى مثلى عبدي، فأنت إلى ثلاثة محتاج. ويقول الرجل: معي ألف وأحتاج إلى مثليه، فهو يحتاج إلى ثلاثة. فَلَمَّا نوى أن يكون الألف داخلا فِي معنى المثل صار المثل اثنين والمثلان ثلاثة. ومثله فِي الكلام أن تقول:
أراكم مثلكم، كأنك قلت: أراكم ضعفكم، وأراكم مثليكم يريد ضعفيكم، فهذا على معنى الثلاثة.
وهذا باب الغلط، فيه غلط فى جميع المقاييس لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له، ونعقل مثليه ما يساويه مرتين».

فإن قلت: فقد قال فى سورة الأنفال: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ «١» فكيف كان هذا هاهنا تقليلا، وفي الآية الأولى تكثيرا؟
قلت: هذه آية المسلمين أخبرهم بها، وتلك الآية لأهل الكفر. مع أنك تقول فِي الكلام: إني لأرى كثيركم قليلا، أي قد هون على، لا أني أرى الثلاثة اثنين.
ومن قرأ (ترونهم) ذهب إلى اليهود لأنه خاطبهم، ومن قال (يَرَوْنَهُمْ) فعلى ذلك كما قال: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «٢» وإن شئت جعلت (يرونهم) للمسلمين دون اليهود.
وقوله: وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ... (١٤)
واحد القناطير قنطار. ويقال أنّه ملء مسك ثور ذهبا أو فضّة، ويجوز (القناطير) «٣» فِي الكلام، والقناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة «٤». كذلك سمعت، وهو المضاعف.
وقوله: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ... (١٥)
ثُمَّ قال لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ فرفع الجنات باللام «٥». ولم يجز ردها على أوّل الكلام لأنك حلت بينهما باللام، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام
(٢) آية ٢٢ سورة يونس. وتضرب الآية مثلا لما يسمونه الالتفات وهو الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، وما جرى هذا المجرى. وهو من تلوين الخطاب.
(٣) أي بالرفع عطفا على «حُبُّ الشَّهَواتِ» وقوله: «فى الكلام» أي فى غير القرآن إذ لم ترد بهذا القراءة. هذا والأقرب أن الأصل: «ويجوز القناطر فى الكلام» أي أنه يجوز حذف الياء فى الجمع فيقال القناطر. وهذا رأى الكوفيين: يجوز أن يقال فى العصافير العصافر.
(٤) يرى الفرّاء أن معنى «القناطر المقنطرة» : القناطير التي بلغت أضعافها أي بلغت ثلاثة أمثالها.
وأقلّ القناطير ثلاثة، فثلاثة أمثالها تسعة. وفى القرطبي ٤/ ٣١: «وروى عن الفرّاء أنه قال: القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع فيكون تسع قناطير».
(٥) يريد أن «جنات» مبتدأ خبره «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا» والمبتدأ والخبر عندهم يترافعان، فرافع المبتدأ هو الخبر.

بينهما. وقد يجوز أن تحول باللام ومثلها بين الرافع وما رفع، والناصب وما نصب.
فتقول: رأيت لأخيك مالا، ولابيك إبلا. وترفع باللام إذا لم تعمل الفعل، وفي الرفع: قد كان لاخيك مال ولابيك إبل. ولم يجز أن تقول فِي الخفض: قد أمرت لك بألف ولاخيك ألفين، وأنت تريد (بألفين) لأن إضمار الخفض غير جائز ألا ترى أنك تقول: من ضربت؟ فتقول: زيدا، ومن أتاك؟ فتقول:
زَيْدُ. فيضمر الرافع والناصب. ولو قال: بمن مررت؟ لم تقل: زيدٍ لأن الخافض مع ما خفض بمنزلة الحرف الواحد. فإذا قدمت الَّذِي أخرته بعد اللام جاز فِيهِ الخفض لأنه كالمنسوق على ما قبله إذا لم تحل بينهما بشيء. فلو قدمت الجنات قبل اللام فقيل: (بخير من ذلكم جناتٍ للذين اتقوا) لجاز الخفض والنصب على معنى تكرير الفعل بإسقاط الباء كما قال الشاعر:
أتيت بعبد اللَّه فِي القد موثقا | فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر «١» ! |
ألا يا لقوم كل ما حم واقع | وللطير مجرى والجنوب مصارع «٣» |
(٢) هو البعيث. وانظر اللسان (حمم)
(٣) حمّ: قدّر. والجنوب جمع الجنب، وهو جنب الإنسان. وانظر شرح شواهد الهمع ٢/ ١٩٢

أراد: وللجنوب مصارع، فاستجاز حذف اللام، وبها ترتفع المصارع إذ لم تحل بينهما بشيء. فلو قلت: (ومصارع الجنوب) لم يجز وأنت تريد إضمار اللام.
وقال الآخر «١» :
أوعدني بالسجن والأداهم | رجلي ورجلي شثنة المناسم |
وقوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ «٢» والوجه رفع يعقوب.
ومن نصب «٣» نوى به النصب، ولم يجز الخفض إلا بإعادة الباء: ومن وراء إِسْحَاق بيعقوب.
وكل شيئين اجتمعا قد تقدم [أحدهما] «٤» قبل المخفوض الَّذِي ترى أن الإضمار فِيهِ يجوز على هذا. ولا تبال أن تفرق بينهما بفاعل أو مفعول به أو بصفة. فَمَنْ ذلك أن تقول: مررت بزيد وبعمرو ومحمد [أو] «٥» وعمرو ومحمد. ولا يجوز مررت بزيد وعمرو وفي الدار محمدٍ، حَتَّى تقول: بمحمد. وكذلك: أمرت لاخيك بالعبيد ولابيك بالورق. ولا يجوز: لابيك الورق. وكذلك: مر بعبد اللَّه موثقا ومطلقا زيدٍ، وأنت تريد: ومطلقا بزيد. وإن قلت: وزيدٍ مطلقا جاز ذلك على شبيه بالنسق إذا لم تحل بينهما بشىء.
(٢) آية ٧١ سورة هود.
(٣) يريد أن من فتح «يعقوب» فهو منصوب لا مخفوض بالفتحة لامتناعه من الصرف للعلمية والعجمة. ونصبه على تقدير ناصب يوحى به المعنى، أي وهبنا له من وراء إسحاق يعقوب. وانظر اللسان فى عقب. [.....]
(٤، ٥) زيادة اقتضاها الساق.

وقوله: قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» فيها ثلاثة أوجه أجودها الرفع، والنصب من جهتين: من وعدها إذ لم تكن النار مبتدأة، والنصب الآخر بإيقاع الأنباء عليها بسقوط الخفض. والخفض جائز لأنك لم تحل بينهما بمانع. والرفع على الابتداء.
فإن قلت: فما تقول فِي قول الشاعر:
الآن بعد لجاجتي تلحونني... هلا التقدم والقلوب صحاح
بم رفع التقدم؟ قلت: بمعنى «٢» الواو فِي قوله: (والقلوب صحاح) كأنه قال: العظة والقلوب فارغة، والرطب والحر شديد، ثُمَّ أدخلت عليها هلا وهي على ما رفعتها، ولو نصبت التقدم بنية فعل كما تقول: أتيتنا بأحاديث لا نعرفها فهلا أحاديث معروفة «٣».
ولو جعلت اللام فِي قوله: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ من صلة الأنباء جاز خفض الجنات والأزواج والرضوان.
وقوله: الَّذِينَ يَقُولُونَ... (١٦)
إن شئت جعلته خفضا نعتا للذين اتقوا، وإن شئت استأنفتها فرفعتها إذ كانت آية وما هِيَ نعت له آية قبلها. ومثله قول الله تبارك وتعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ «٤» فلمّا انقضت الآية قال (التّائبون العابدون)، وهي في قراءة عبد الله «التائبين العابدين».
(٢) يريد أن خبر المبتدأ فى مثل هذا- وهو الذي بعده واو هى نص فى المعية- هو معنى الاقتران والصحبة، فإذا قلت: كل رجل وصنعته. فكأنك قلت: كل رجل مع صنعته. وبذلك يستغنى عن تقدير الخبر الذي يقول به البصريون. وما ذكره هو مذهب الكوفيين.
وترى أنه يرى أن (هلا) تدخل على الجملة الاسمية.
(٣) جواب لو محذوف: أي لجاز.
(٤) آية ١١١ سورة التوبة.

وكذلك: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ... (١٧)
موضعها خفض، ولو كانت رفعا لكان صوابا. وقوله وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ المصلون بالأسحار، ويقول: الصلاة بالسحر أفضل مواقيت الصلاة. أخبرنا محمد ابن الجهم قال حدثنا الفراء قال حَدَّثَنِي شريك «١» عن السدي «٢» فِي قوله «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي» «٣» قال: أخرهم إلى السحر.
وقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ... (١٨)
قد فتحت القرّاء الألف من (أنه) ومن قوله إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «٤».
وإن شئت جعلت (أنه) على الشرط «٥» وجعلت الشهادة واقعة على قوله: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ»، وتكون (أن) الأولى يصلح فيها الخفض كقولك: شهد اللَّه بتوحيده أن الدين عنده الإسْلام.
(٢) هو أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة الكوفىّ، مولى قريش. روى عن أنس وابن عباس. وهو منسوب إلى سدّة مسجد الكوفة، كان يبيع بها المقانع. وسدّة المسجد بابه أو ما حوله من الرواق. وكانت وفاته سنة ١٢٧.
(٣) آية ٩٨ سورة يوسف.
(٤) على أن الواو تراد فى قوله «إِنَّ الدِّينَ» كأنه قال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وأن الدين عند الله الإسلام. وهذا توجيه الكسائي. قال: «أنصبهما جميعا، بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله كذا». وهذا التخريج فيه ضعف، فإن حذف العاطف فى الكلام ليس بالقويّ. وخير من هذا أن يخرج «إِنَّ الدِّينَ... » على البدل من «أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» كما هو رأى ابن كيسان. وذلك أن الإسلام تفسير التوحيد الذي هو مضمون الكلام السابق، وانظر القرطبي ٤/ ٤٣.
(٥) يريد بالشرط العلة والسبب، فلا يكون الفعل واقعا عليه إذ يكون التقدير: لأنه أو بأنه لا إله إلا هو.