آيات من القرآن الكريم

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ

قوله تعالى: ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ : يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «خَلَتْ»

صفحة رقم 398

ويجوزُ أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «سنن» ؛ لأنه في الأصلِ يجوز أَنْ يكونَ وصفاً فلمَّا قُدِّم نُصِبَ حالاً.
والسُّنَنُ: جمع «سُنَّة» وهي الطريقةُ التي يكونُ عليها الإِنسانُ ويلازِمُها، ومنه «سنة الأنبياء» عليهم السلام. قال خالد الهذلي لخاله أبي ذؤيب:

١٤٣٣ - فلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنت سِرْتَها فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسيرُها
وقال أخر:
١٤٣٤ - وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ تَأَسَّوا فَسَنُّوا للكرامِ التآسِيا
وقال لبيد:
١٤٣٥ - مِنْ أمةٍ سَنَّتْ لهم آباؤُهم ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها
وقال المفضل: «السُّنَّةُ الأُمَّة»، وأنشد:
١٤٣٦ - ما عايَنَ الناسُ مِنْ فضلٍ كفضلكمُ ولا رُئِيْ مثلُه في سائِرِ السُّنَنِ
ولا دليلَ فيه لاحتمالِه. وقال الخليل: «سَنَّ الشيءَ بمعنى صَوَّره».

صفحة رقم 399

ومنه: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦] أي: مُصَوَّر. وقيل: سَنَّ الماءَ والدرع إذا صَبَّهما، وقوله: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ منه، ولكنَّ نسبةَ الصبِّ إلى الطين بعيدةٌ. وقيل «مَسْنون» أي متغير. قال بعض أهل اللغة: «هي فُعْلَة من سَنَّ الماءَ يَسُنُّه إذا والى صَبَّه. والسَّنُّ: صَبُّ الماءِ والعرق ونحوهما، وأنشدَ لزهيرٍ:

١٤٣٧ - نُعَوِّدها الطِّرادَ فكلَّ يومٍ تُسَنُّ على سنابِكها القُرونُ
أي: يُصَبُّ عليها العرقُ. وقيل: سُنَّة: فُعْلَة بمعنى مفعول كالغُرْفَة والأُكْلَة. وقيل: اشتقاقُها من سَنَنْتُ النَّصْلَ أَسُنُّه سَنَّاً إذا حَدَدْتَه، والمعنى أن الطريقة الحسنة معتنىً بها كما يُعْتنى بالنصل ونحوه. وقيل: مِنْ سَنَّ الإِبلَ: أذا أحسن رَعْيَها. والمعنى: أَنَّ صاحبَ السنة يقومُ على أصحابهِ كما يقومُ الراعي على إبلِه، وقد مَضَى مِنْ ذلك جملةٌ صالحةٌ في البقرة.
وقوله: ﴿فَسِيرُواْ﴾ جملةٌ معطوفةٌ على ما قبلَها. والتسبيبُ في هذه الألفاظِ ظاهرٌ أي: سَبَبُ الأمرِ بالسير لينظُروا نَظَرَ اعتبارٍ خُلُوُّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم. وقال أَبو البقاء:»
ودَخَلَتِ الفاء في «فسيروا» / لأنَّ المعنى على الشرطِ أي: إن شَكَكْتُم فسيروا.
قوله: ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ «كيف» خبرٌ مقدم واجبُ التقديم؛ لتضمُّنِه معنى الاستفهامِ وهو مُعَلِّقٌ ل «انظروا» قبلَه، فالجملةُ في محل نصبٍ بعد إسقاطِ

صفحة رقم 400

الخافضِ إذ الأصل: انظروا في كذا.

صفحة رقم 401
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية