آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

يَحْتَمِلُ شَيْئًا، وَكُلُّ مَا سَدَدْتَ مِنْ مَجْرَى مَاءٍ أَوْ بَابٍ أَوْ طَرِيقٍ فَهُوَ كَظْمٌ، وَالَّذِي يُسَدُّ بِهِ يُقَالُ لَهُ الْكِظَامَةُ وَالسِّدَادَةُ، وَيُقَالُ لِلْقَنَاةِ الَّتِي تَجْرِي فِي بَطْنِ الْأَرْضِ كظامة، لا لِامْتِلَائِهَا بِالْمَاءِ كَامْتِلَاءِ الْقِرَبِ الْمَكْظُومَةِ، وَيُقَالُ:
أَخَذَ فُلَانٌ بِكَظْمِ فُلَانٍ إِذَا أَخَذَ بِمَجْرَى نَفَسِهِ، لأنه موضع الامتلاء بالنفس، وكظم البعير كظم الْبَعِيرُ كُظُومًا إِذَا أَمْسَكَ عَلَى مَا فِي جَوْفِهِ وَلَمْ يَجْتَرَّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ الذين يكفون غيظهم عن الإمضاء ويردون غَيْظَهُمْ فِي أَجْوَافِهِمْ، وَهَذَا الْوَصْفُ مِنْ أَقْسَامِ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورَى: ٣٧].
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ «تَصَدَّقُوا» فَتَصَدَّقُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّعَامِ، وَأَتَاهُ الرَّجُلُ بِقُشُورِ التَّمْرِ فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا عِنْدِي مَا أَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَكِنْ أَتَصَدَّقُ بِعِرْضِي فَلَا أُعَاقِبُ أَحَدًا بِمَا يَقُولُهُ فِي حَدِيثِهِ، فَوَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَفْدٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَقَدْ تَصَدَّقَ مِنْكُمْ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ وَلَقَدْ قَبِلَهَا اللَّهُ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْفِذَهُ زَوَّجَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ حَيْثُ يَشَاءُ»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا مِنْ جَرْعَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَرْعَةٍ مُوجِعَةٍ يَجْرَعُهَا صَاحِبُهَا بِصَبْرٍ وَحُسْنِ/ عَزَاءٍ وَمِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ لَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رَاجِعًا إِلَى مَا ذُمَّ مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَكْلِ الرِّبَا، فَنُهِيَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْ ذَلِكَ وَنُدِبُوا إِلَى الْعَفْوِ عَنِ الْمُعْسِرِينَ. قَالَ تَعَالَى عَقِيبَ قِصَّةِ الرِّبَا وَالتَّدَايُنِ وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٠] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ فِي الدِّيَةِ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [الْبَقَرَةِ: ١٧٨] إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٠] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بِسَبَبِ غَضَبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَثَّلُوا بِحَمْزَةَ
وَقَالَ: «لَأُمَثِّلَنَّ بِهِمْ»
فَنُدِبَ إِلَى كَظْمِ هَذَا الْغَيْظِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالْكَفِّ عَنْ فِعْلِ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ مِنَ الْمُثْلَةِ، فَكَانَ تَرْكُهُ فِعْلَ ذَلِكَ عَفْوًا، قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النَّحْلِ:
١٢٦]
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَكُونُ الْعَبْدُ ذَا فَضْلٍ حَتَّى يَصِلَ مَنْ قَطَعَهُ وَيَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِيَ مَنْ حَرَمَهُ»
وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى بن مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: لَيْسَ الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ ذَلِكَ مُكَافَأَةٌ إِنَّمَا الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْجِنْسِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مُحْسِنٍ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ، وَأَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ فَيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى هَؤُلَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْغَيْرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِيصَالِ النَّفْعِ إِلَيْهِ أَوْ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ. أَمَّا إِيصَالُ النَّفْعِ إِلَيْهِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَيَدْخُلُ فِيهِ إِنْفَاقُ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِتَعْلِيمِ الْجَاهِلِينَ وَهِدَايَةِ الضَّالِّينَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَأَمَّا دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الْغَيْرِ فَهُوَ إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَهُوَ أن لا يشتغل بمقابلة تلك الإساءة أُخْرَى، وَهُوَ الْمُرَادُ بِكَظْمِ الْغَيْظِ، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ أَنْ يُبَرِّئَ ذِمَّتَهُ عَنِ التَّبِعَاتِ وَالْمُطَالَبَاتِ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ دَالَّةً عَلَى جَمِيعِ جِهَاتِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ مُشْتَرِكَةً فِي كَوْنِهَا إِحْسَانًا إِلَى الْغَيْرِ ذَكَرَ ثَوَابَهَا فَقَالَ: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فَإِنَّ مَحَبَّةَ الله للعبد أعم درجات الثواب.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٥ الى ١٣٦]
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ]

صفحة رقم 367

وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ النَّظْمِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْجَنَّةَ بِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلْمُتَّقِينَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُتَّقِينَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِينَ أَقْبَلُوا عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ. وَثَانِيهُمَا: الَّذِينَ أَذْنَبُوا ثُمَّ تَابُوا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا مُتَّقِيَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ إِذَا تَابَ عَنِ الذَّنْبِ صَارَ حَالُهُ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَنْزِلَةِ وَالْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى نَدَبَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ، وَنَدَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى النَّفْسِ، فَإِنَّ الْمُذْنِبَ الْعَاصِيَ إِذَا تَابَ كَانَتْ تِلْكَ التَّوْبَةُ إِحْسَانًا مِنْهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ، أَنْصَارِيٍّ وَثَقَفِيٍّ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا، وَكَانَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي أَحْوَالِهِمَا، فَخَرَجَ الثَّقَفِيُّ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْعَةِ فِي السَّفَرِ، وَخَلَّفَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَى أَهْلِهِ لِيَتَعَاهَدَهُمْ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ إِلَى امْرَأَتِهِ لِيُقَبِّلَهَا فَوَضَعَتْ كَفَّهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَنَدِمَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَافَى الثَّقَفِيُّ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَ الْأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ قَدْ هَامَ فِي الْجِبَالِ لِلتَّوْبَةِ، فَلَمَّا عَرَفَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا أَصْبَحَتْ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةً عَلَى عَتَبَةِ دَارِهِ: اجْدَعْ أَنْفَكَ، افْعَلْ كَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ حَيْثُ جَعَلَ كَفَّارَةَ ذَنْبِهِمُ الِاسْتِغْفَارَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْفَاحِشَةُ هَاهُنَا نَعْتٌ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: فَعَلُوا فِعْلَةً فَاحِشَةً، وَذَكَرُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ وَبَيْنَ ظُلْمِ النَّفْسِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْفَاحِشَةُ مَا يَكُونُ فِعْلُهُ/ كَامِلًا فِي الْقُبْحِ، وَظُلْمُ النَّفْسِ: هُوَ أَيُّ ذَنْبٍ كَانَ مِمَّا يُؤَاخَذُ الْإِنْسَانُ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ الْكَبِيرَةُ، وَظُلْمُ النَّفْسِ. هِيَ الصَّغِيرَةُ، وَالصَّغِيرَةُ يَجِبُ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا بِالِاسْتِغْفَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [مُحَمَّدٍ: ١٩] وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُهُ دَالًّا عَلَى الصَّغَائِرِ بَلْ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ. الثَّالِثُ: الْفَاحِشَةُ: هِيَ الزِّنَا، وَظُلْمُ النَّفْسِ: هِيَ الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسَةُ وَالنَّظْرَةُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى الزِّنَا فَاحِشَةً، فَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً [الْإِسْرَاءِ: ٣٢].
أَمَّا قَوْلُهُ: ذَكَرُوا اللَّهَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَعْنَى ذَكَرُوا وَعِيدَ اللَّهِ أَوْ عِقَابَهُ أَوْ جَلَالَهُ الْمُوجِبَ لِلْخَشْيَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالذِّكْرُ هَاهُنَا هُوَ الَّذِي ضِدُّ النِّسْيَانِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ، وَمُقَاتِلٍ، وَالْوَاقِدِيِّ، فَإِنَّ الضَّحَّاكَ قَالَ: ذَكَرُوا الْعَرْضَ الْأَكْبَرَ عَلَى اللَّهِ، ومقاتل، والواقدي قال:
تَفَكَّرُوا أَنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ كَالْأَثَرِ، وَالنَّتِيجَةِ لِذَلِكَ الذِّكْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الذِّكْرَ الَّذِي يُوجِبُ الِاسْتِغْفَارَ لَيْسَ إِلَّا ذِكْرَ عِقَابِ اللَّهِ، وَنَهْيِهِ وَوَعِيدِهِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: ٢٠١]

صفحة رقم 368
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية