آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

وَالْجَوَابُ فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَرْضُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الطُّولَ يَكُونُ أَعْظَمَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ:
بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرَّحْمَنِ: ٥٤] وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَطَائِنَ لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا تَكُونُ أَقَلَّ حَالًا مِنَ الظِّهَارَةِ، فَإِذَا كَانَتِ الْبِطَانَةُ هَكَذَا فَكَيْفَ الظِّهَارَةُ؟ فَكَذَا هَاهُنَا إِذَا كَانَ الْعَرْضُ هَكَذَا فَكَيْفَ الطُّولُ وَالثَّانِي: قَالَ الْقَفَّالُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَرْضِ هَاهُنَا مَا هُوَ خِلَافُ الطُّولِ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ السَّعَةِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: بِلَادٌ عَرِيضَةٌ، وَيُقَالُ هَذِهِ دَعْوَى عَرِيضَةٌ، أَيْ وَاسِعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا اتَّسَعَ عَرْضُهُ لَمْ يَضِقْ، وَمَا ضَاقَ عَرْضُهُ دَقَّ، فَجُعِلَ الْعَرْضُ كِنَايَةً عَنِ السَّعَةِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: الْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِنَا إِنَّهَا فوق السموات وَتَحْتَ الْعَرْشِ،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي صِفَةِ الْفِرْدَوْسِ «سَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ»
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ هِرَقَلَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّكَ تدعو الى جنة عرضها السموات وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ فَأَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ.
وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا دَارَ الْفَلَكُ حَصَلَ النَّهَارُ فِي جَانِبٍ مِنَ الْعَالَمِ وَاللَّيْلُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ الْجَانِبِ، فَكَذَا الْجَنَّةُ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ وَالنَّارُ فِي جِهَةِ السُّفْلِ، وَسُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ الْجَنَّةِ أَفِي الْأَرْضِ أَمْ فِي السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: وَأَيُّ أَرْضٍ وَسَمَاءٍ تَسَعُ الْجَنَّةَ، قِيلَ فأين هي؟ قال: فوق السموات السَّبْعِ تَحْتَ الْعَرْشِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ غَيْرُ مَخْلُوقَتَيْنِ الْآنَ، بَلِ اللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُهُمَا بَعْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْجَنَّةُ مخلوقة في مكان السموات وَالنَّارُ فِي مَكَانِ الْأَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ فَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ الْآنَ وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ ذلك.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٣٤]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْجَنَّةَ مُعَدَّةٌ لِلْمُتَّقِينَ ذَكَرَ صِفَاتِ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْإِنْسَانُ مِنَ اكْتِسَابِ الْجَنَّةِ بِوَاسِطَةِ اكْتِسَابِ تِلْكَ الصِّفَاتِ.
فَالصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ فِي حَالِ الرَّخَاءِ وَالْيُسْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعُسْرِ لَا يَتْرُكُونَ الْإِنْفَاقَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّرَّاءُ هُوَ الْغِنَى، وَالضَّرَّاءُ هُوَ الْفَقْرُ. يُحْكَى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ رُبَّمَا تَصَدَّقَ بِبَصَلَةٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ بِحَبَّةِ عِنَبٍ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي سُرُورٍ أَوْ فِي حُزْنٍ أَوْ فِي عُسْرٍ أَوْ فِي يُسْرٍ فَإِنَّهُمْ لَا يَدَعُونَ الْإِحْسَانَ إِلَى النَّاسِ، الثَّالِثُ:
الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِحْسَانَ وَالْإِنْفَاقَ سَوَاءٌ سَرَّهُمْ بِأَنْ كَانَ عَلَى وَفْقِ طَبْعِهِمْ، أَوْ سَاءَهُمْ بِأَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ طَبْعِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَهُ، وَإِنَّمَا افْتَتَحَ اللَّهُ بِذِكْرِ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ شَاقَّةٌ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَشْرَفَ الطَّاعَاتِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي مُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ وَمُوَاسَاةِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُقَالُ: كَظَمَ غَيْظَهُ إِذَا سَكَتَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُظْهِرْهُ لَا بِقَوْلٍ وَلَا بِفِعْلٍ قَالَ الْمُبَرِّدُ: تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَتَمَ عَلَى امْتِلَائِهِ مِنْهُ، يُقَالُ: كَظَمْتُ السِّقَاءَ إِذَا مَلَأْتَهُ وَسَدَدْتَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَكْظِمُ عَلَى جَرَّتِهِ إِذَا كان لا

صفحة رقم 366
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية