آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنتم؟» قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمن موالي اليهود؟» قالوا: نعم، قال: «أفلا تجلسون حتى أكلمكم؟» [١٤٠].
قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، قال: وكان ممّا صنع الله لهم به في الإسلام أن يهودا كانوا معهم ببلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل أوثان وشرك، وكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبيّنا الآن مبعوث قد أظل زمانه نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولئك النفر ودعاهم إلى الله، فقال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله إنه للنبي الذي تدعوكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه وصدقوه وأسلموا وقالوا: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى الله أن يجمعهم لك وستقدم عليهم فتدعوهم إلى حربهم، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز عليك. ثم انصرفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعين إلى بلادهم قد آمنوا. فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشاهم فيهم تبق لهم دار من دور الأنصار إلّا وفيها ذكر من رسول الله حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة، وعوف ومعوّذ ابنا عفراء ورافع بن مالك بن العجلاني الخزرجي وذكوان بن عبد القيس وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة وعباس بن عبادة وعقبة بن عامر وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو فهؤلاء خزرجيون، وأبو الهيثم بن التيهان واسمه ملك وعويمر بن ساعدة من الأوس، فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيعة النساء على أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يزنوا إلى آخر الآية ثم قال: «إن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا من ذلك [فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم] «١».
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «السخي الجهول أحبّ إلى الله من العالم البخيل» «٢» [١٤١].
عبد السلام بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السماح شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها قادته إلى الجنة، والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها قادته إلى النار» «٣» [١٤٢].
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٠ الى ١٣٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ أي الجامعين الغيظ عند امتلاء أنفسهم منه، والكافين غضبهم عن

(١) تفسير الطبري: ٤/ ٤٧، تاريخ الطبري: ٢/ ٨٦، وما بين المعكوفتين أثبتناه من المصدر.
(٢) كنز العمال: ٦/ ٣٩٢، ح ١٦٢١٠.
(٣) روضة الواعظين: ٣٨٥.

صفحة رقم 165

إمضائه يردّون غيظهم وحزنهم إلى أجوافهم ويصبرون فلا يظهرون، وأصل الكظم: حبس الشيء عن امتلائه، يقال: كظمت القربة إذا ملأتها، وما يقال لمجاري الماء: كظائم، لامتلائها بالماء وأخذ بها كظامة، ومنه قيل: أخذت بكظمه، يعني بمجاري نفسه، ومنه كظم الإبل وهو حبسها جررها في أجوافها ولا تجتر، وإنما يفعل ذلك من الفزع والجهل.
قال أعشى باهلة يصف رجلا نحّارا للإبل وهي تفزع منه:

قد تكظم البزل «١» منه حين تبصره حتى تقطع في أجوافها الجرر «٢»
ومنه قيل: رجل كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئا غضبا وغما وحزنا. قال الله تعالى:
وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ «٣» وقال: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ «٤» وقال: إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ «٥» وقال: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ «٦».
وقال عبد المطلب بن هاشم:
فحضضت قومي فاحتبست قتالهم والقوم من خوف المنايا كظم «٧»
وفي الحديث: «ما من جرعة أحمد عقبانا من جرعة غيظ مكظومة» [١٤٣] «٨».
وروى سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كظم الغيظ وهو يقدر على إنفاذه دعاه الله يوم القيامة على رؤس الخلائق حتى يخيّره من أي الحور يشاء» [١٤٤] «٩».
أنشدنا أبو القاسم محمد بن حبيب قال: أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال:
أنشدنا ابن أبي الزنجي ببغداد قال: أنشدنا العرجي:
وإذا غضبت فكن وقورا كاظما للغيظ تبصر ما تقول وتسمع
فكفى به شرفا تصبر ساعة يرضى بها عنك الإله وترفع «١٠»
أي يرفع قدرك.
(١) البزل: جمع بازل وهي البعير الذي دخل في التاسعة وفطر نابه.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٢٠٦.
(٣) سورة يوسف: ٨٤.
(٤) سورة النحل: ٥٨.
(٥) سورة القلم: ٤٨.
(٦) سورة غافر: ١٨.
(٧) تفسير القرطبي: ٩/ ٢٤٩. [.....]
(٨) لسان العرب: ١/ ٦١٧.
(٩) سنن الترمذي: ٣/ ٢٥١، ح ٢٠٩٠.
(١٠) تفسير القرطبي: ٤/ ٢٠٨.

صفحة رقم 166

وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ.
قال الرباحي والكلبي: عن المملوكين، وقال زيد بن أسلم ومقاتل: عمّن ظلمهم وأساء إليهم،
وقال مقاتل بن حيان في هذه الآية: بلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال عند ذلك: «إن هؤلاء في أمتي قليل إلّا من عصم الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت» «١» [١٤٥].
وعن أبي هريرة أن أبا بكر (رضي الله عنه) كان مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في مجلس، فجاء رجل فوقع في أبي بكر وهو ساكت والنبي صلّى الله عليه وسلّم يبتسم، ثم ردّ أبو بكر (رضي الله عنه) عنه بعض الذي قال، فغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم وقام فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله شتمني وأنت تبتسم ثم رددت عليه بعض ما قال فغضبت وقمت، فقال: «إنك حين كنت ساكتا كان معك ملك يرد عنك فلما تكلمت وقع الشيطان فلم أكن لأقعد في مقعد يقعده الشيطان،. ثمّ قال.: يا أبا بكر ثلاث كلّهن حق: أنه ليس عبد يظلم بمظلمة فيعفوا عنها إلّا أعز الله نصره، وليس عبد يفتح باب مسألة يريد به كثرة إلّا زاده الله قلة وليس عبد يفتح باب عطية أو صلة إلّا زاده الله بها كثرة» [١٤٦] «٢».
وقال عروة بن الزبير:

لن يبلغ المجد أقوام وإن كرموا حتى يذلوا، وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مشرقة لا صفح ذل ولكن صفح أحلام «٣»
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
قال مقاتل: يعني إن هذه الأشياء إحسان ومن فعل ذلك فهو محسن وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
قال الحسن: الإحسان أن يعمّ ولا يخص كالريح والشمس والمطر.
سفيان الثوري: الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، فإن الإحسان إلى المحسن [مزاجرة] «٤» كلمة السوق خذ وهات.
السقطي: الإحسان أن يحسن وقت الإمكان، فليس في كل وقت يمكنك الإحسان.
أنشدني أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدني أبو العباس عبد الله بن محمد الجماني:
ليس في كل ساعة وأوان تتهيأ صنائع الإحسان
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٢٠٧.
(٢) مسند أحمد: ٢/ ٤٣٦.
(٣) تفسير الطبري: ٤/ ١٢٧.
(٤) هكذا في الأصل.

صفحة رقم 167

فإذا أمكنت فبادر إليها حذرا من تعذر الإمكان «١»
ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت قصورا مشرفة على الجنة فقلت يا جبرئيل لمن هذه؟ قال: ل الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [١٤٧] «٢».
إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ الآية.
قال ابن عباس: قال المؤمنون يا رسول الله كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منّا، كان أحدهم إذا ذنب ذنبا أصبحت كفارة ذنبهم مكتوبة في عتبة بابه اجدع أنفك وأذنك، افعل كذا، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بخير من ذلك» فقرأ عليهم هذه الآيات «٣».
وقال عطاء: نزلت هذه الآية في نبهان التمار وكنيته أبو مقبل أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها: إن هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فهل لك فيه؟ قالت: نعم، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبّلها، فقالت له: اتق الله، فتركها وندم على ذلك فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر له ذلك فنزلت هذه الآية.
وقال مقاتل والكلبي: آخا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين رجلين أحدهما من الأنصار والآخر من ثقيف، فخرج الثقفي في غزاة واستخلف الأنصاري على أهله، فاشترى لهم اللحم ذات يوم، فلما أرادت المرأة أن تأخذه منه دخل على أثرها فدخلت المرأة بيتا فتبعها فاتقته بيدها، فقبّل يدها ثم ندم وانصرف، فقالت له: والله ما حفظت غيبة أخيك ولا نلت حاجتك، فخرج الأنصاري ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه، فلما رجع الثقفي لم يستقبله الأنصاري فسأل امرأته عن حاله.
فقالت: لا أكثر الله في الاخوان مثله ووصفت له الحال، والأنصاري يسيح في الجبال تائبا مستغفرا، وطلبه الثقفي حتى وجده، فأتى به أبا بكر (رضي الله عنه) رجاء أن يجدا راحة عنده فخرجا، وقال الأنصاري: هلكت، قال: وما أهلكك؟ فذكر له القصة، فقال أبو بكر:
ويحك أما علمت أن الله تعالى يغار للغازي ما لا يغار للمقيم، ثم لقى عمر (رضي الله عنه) فقال: مثل ذلك، فأتيا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له مثل مقالتهما، فأنزل الله تعالى وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً
هي صفة لاسم متروك تقديره: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً يعني قبيحة خارجة عمّا أذن الله فيه، وأصل الفحش القبيح والخروج عن الحد، ولذلك قيل للمفرط في الطول أنه فاحش الطول، والكلام القبيح غير [القصد] فالكلام فاحش والمتكلم به مفحش.
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٢٠٩، سير أعلام النبلاء: ١٣/ ٢٠٠.
(٢) كنز العمال: ٣/ ٣٧٥.
(٣) تفسير الطبري: ٤/ ١٢٧.

صفحة رقم 168

قال السدي: يعني بالفاحشة هاهنا الزّنا، يدل عليه ما روى حماد بن ثابت عن جابر وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قال: زنى القوم وربّ الكعبة، أو ظلموا أنفسهم بالمعصية.
وقال مقاتل والكلبي: وهو ما دون الزنا من قبله أو لمسة أو نظرة فيما لا يحل.
الأصم: فعلوا فاحشة الكبائر أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالصغائر، وقيل: فَعَلُوا فاحِشَةً فعلا وظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ قولا.
ذَكَرُوا اللَّهَ قال الضحاك: ذكروا العرض الأكبر على الله عزّ وجلّ، مقاتل والواقدي:
تفكروا في أنفسهم أن الله سائلهم عنه، مقاتل بن حيان: ذَكَرُوا اللَّهَ باللسان عند الذنوب فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ أي وهل يغفر الذنوب إلّا الله وما يغفر الذنوب إلّا الله فلذلك رفع. وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا واختلفوا في معنى الإصرار:
فقال أكثر المفسرين: معناه لم يقيموا ولم يدوموا ولم يثبتوا عليه، ولكنهم تابوا وأقرّوا واستغفروا.
قتادة: إيّاكم والإصرار، فإنما هلك المصرون الماضون قدما قدما في معاصي الله، لا تنهاهم مخافة الله عن حرام حرّمه الله، ولا يتوبون من ذنب أصابوه، حتى أتاهم الموت وهم على ذلك.
وقال الحسن: إتيان العبد ذنبا عمدا إصرارا، السدي: الإصرار السكوت وترك الاستغفار،
وفي الخبر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» «١» [١٤٨].
وروى عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس كبيرة بكبيرة مع الاستغفار وليس صغيرة بصغيرة مع الإصرار»
«٢» [١٤٩] وأصل الإصرار الثبات على الشيء.
قال الحطيئة: يصف الخيل:

أي ثبتت على عدوّها، نظم الآية: ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ... وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ... ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ.
عوابس بالشعث الكماة إذا ابتغوا غلالتها بالمحصدات أصرّت «٣»
قال ابن عباس والحسن ومقاتل وابن يسار: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنها معصية.
(١) مسند أبي يعلى: ١/ ١٢٤.
(٢) مسند الشهاب: ٢/ ٢٠٤.
(٣) تفسير القرطبي: ٤/ ٢١١.

صفحة رقم 169

الضحاك: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن الله يملك مغفرة ذنوبهم.
السدي: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم قد أذنبوا. وقيل: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن الإصرار ضار، فإن ترك الإصرار خير من التمادي، كما قيل:

أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه إن الجحود الذنب ذنبان «١»
وقال الحسين بن الفضل: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن لهم ربّا يغفر الذنوب، وإنما اقتبس هذا من
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أذنب ذنبا وعلم أن له ربّا يغفر الذنوب غفر له وإن لم يستغفر» «٢» [١٥٠].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزّ وجلّ: من علم أني ذو قدرة على المغفرة غفرت له ولا أبالي» «٣» [١٥١].
وقال عبيد بن عمير: في بعض الكتب المنزلة: يا بن آدم إنك ما دعوتني وما رجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي.
وروى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مرّ رجل ممّن كان قبلكم في بني إسرائيل بجمجمة فنظر إليها فحدث نفسه بشيء ثم قال: أنت أنت وأنا أنا، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب ثم خرّ لله ساجدا، فقيل له ارفع رأسك فأنا العواد بالمغفرة وأنت العواد بالذنوب فرفع رأسه فغفر له» «٤» [١٥٢].
وقيل: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم إن استغفروا غفر لهم وإن التوبة تمحق الحوبة.
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي إلى الْعامِلِينَ ثواب المطيعين.
يقال: أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) أن يا موسى ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل، يا موسى كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي.
وقال شهر بن حوشب: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب.
وقال ثابت البناني: بلغني أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الآية إلى آخرها.
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، قال ابن زيد: أمثال. المفضّل: أمم، والسنّة الأمّة.
قال الشاعر:
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٢١٣. [.....]
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٢١٢. بتفاوت.
(٣) المصنف- الكوفي-: ٧/ ٩٠.
(٤) تاريخ بغداد: ٩/ ٩٤، كنز العمال: ٤/ ٢٢٥، ح ١٠٢٧٦.

صفحة رقم 170
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية