
وفي غزوة أو معركة أحد التي وقعت بين المسلمين والمشركين المكيين في السنة الثالثة من الهجرة بعد ٣١ شهرا من الهجرة يوم الأربعاء في الثاني عشر من شوال، في هذه المعركة التي أشرف النبي صلّى الله عليه وسلّم على إدارتها وتنظيم العسكر في مواقع معينة، لم يصبر المؤمنون، ولم يتقوا الله حق تقاته، ولم يلتزموا بطاعة النبي القائد وخالفوه، فلم يمدهم الله بالملائكة كما وعدهم النبي في بدء القتال، لأنه لم يتحقق الشرط المطلوب للنصر، وهزم المسلمون أمام المشركين، ولو أمدهم الله بالملائكة كما حدث في معركة بدر، لهزموا الكفار من فورهم، فعاتب الله المؤمنين في أمر أحد، وذكرّهم بفضله ونعمته يوم بدر، ونزلت هذه الآيات مبتدءا فيها الخطاب للنبي:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢١ الى ١٢٩]
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» «٩» [آل عمران: ٣/ ١٢١- ١٢٩].
والمعنى الإجمالي للآيات: اذكر يا محمد وقت قولك للمؤمنين يوم أحد، وانخذال جماعة المنافقين وهم ثلاث مائة بقيادة عبد الله بن أبي: سيمدكم الله بثلاثة آلاف من
(٢) تنزل.
(٣) مواطن ومواقف له يوم أحد.
(٤) تجبنا عن القتال.
(٥) يقويكم يوم بدر.
(٦) ساعتهم فورا.
(٧) معلمين أنفسهم بعلامات.
(٨) ليهلك طائفة.
(٩) يخزيهم بالهزيمة.

الملائكة، والله منجز وعد رسوله لكم إن صبرتم على الجهاد ولم تطمعوا بالغنائم، واتقيتم الله وأطعتم أمر نبيكم، وكادت طائفتان من الأنصار وهما بنو سلمة وبنو حارثة ألا يخرجوا إلى القتال في أحد، ثم وفقهم الله فخرجوا، وكان هذا الوعد من النبي للمؤمنين بشرى لهم لتطمئن قلوبهم وتهدأ نفوسهم بالوعد بالنصر. والنصر من عند الله وحده بعد اتخاذ الأسباب ومن أهمها الثبات في المعركة ووحدة الصف، ونبذ الفرقة والخلاف، وإطاعة القائد وترك الغرور بالنفس. وأدى ترك هذه الأمور في أحد للهزيمة، على عكس الحال في بدر، تحقق النصر من الله، وتم الإمداد الفعلي بالملائكة، ليهلك ويقطع الله طائفة من رؤوس الكفر والشرك بالقتل والأسر، أو الكبت والإغاظة، والخزي، فانقلبوا خائبين غير ظافرين، أو يتوب الله عليهم إن أسلموا ورجعوا إلى الله، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر والشقاق، فإنهم ظالمون لأنفسهم، أما أنت يا محمد فليس لك من الأمر شيء، إنما عليك البلاغ، وعلى الله الحساب، فلا تجزع ولا تتألم منهم، ولا تدع عليهم، فربما يتوب الله على بعضهم كما تاب على أبي سفيان وأمثاله، والأمر كله بيد الله، فلله ملك السماوات والأرض، يغفر لمن يشاء بفضله، ويعذب من يشاء بحكمته وعدله.
إن تحقيق الانتصارات الحاسمة في المعارك مرهون بمدى الصبر والثبات في لقاء الأعداء، فإذا ما دبّ الخوف وسادت روح الانهزام في الجيش تضعضعت قواه وانهارت معنوياته، لذا كان الفرار من الزحف من الكبائر العظمى في شرعة الله، وبما أن النصر بيد الله فهو صانع النصر، والجنود أدوات وأسباب للنصر، فإن الاستقامة على أمر الله، واجتناب المعاصي أمر ضروري للفوز والغلبة، قال الله تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) [الحج: ٢٢/ ٤٠].