آيات من القرآن الكريم

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

بخمسة آلافٍ من ملائكته (١) على ما [وَعَدَهم] (٢). قال الحسن (٣): فهؤلاء الخمسة آلاف رِدْءٌ (٤) للمؤمنين إلى يوم القيامة.
وقال ابن عباس (٥)، ومجاهد (٦): لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر، وفيما سوى ذلك، يشهدون القتال ولا يُقاتِلُون.
١٢٦ - قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى﴾ الكناية (٧) تعود على المَصْدَرِ؛ كأنه قال: وما جعل الله المَدَدَ والإمْدادَ إلّا بُشْرى. فَدَلَّ ﴿يُمْدِدْكُمْ﴾ على الإمداد، فَكَنَى عنه (٨)، كما قال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١]؛ معناه (٩): وإن أكلَهُ لَفِسْقٌ. فَدَلَّ ﴿تَأْكُلُوا﴾ على الأكل، فكنى عنه، والعرب تقول: (مَنْ صَدَقَ؛ كان خيرًا له، ومَن كَذَبَ؛ كان شرًا له). فدل الفعلان على المَصْدَرَيْنِ (١٠). هذا كلام

(١) في (ج): الملائكة.
(٢) ما بين المعقوفين في (أ)، (ب): (وهم). والمثبت من (ج). وممن قال بهذا: ابن عباس، وقتادة، والربيع. انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ٧٧.
(٣) لم أقف على مصدر قوله.
(٤) الرِّدْءُ -هنا-: العَوْنُ. انظر: "القاموس المحيط" ٤١ (ردأ).
(٥) قوله في "المغازي" ١/ ٧٩، و"سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٧٤، "تفسير الطبري" ٤/ ٧٧، "النكت والعيون" ١/ ٤٢٢، و"ابن كثير" ١/ ٤٣٢، ونسب إخراجه إلى ابن مردويه.
(٦) قوله في "تفسيره" ١٣٥، و"تفسير الطبري" ٤/ ٧٨.
(٧) سبق بيان أن الكناية يُراد بها: الضمير.
(٨) وقيل: الضمير يعود على النصر، وقيل: يعود على التسويم، وقيل: على التنزيل، وقيل: على العدد، وقيل: على الوعد.
انظر: "غرائب التفسير" للكرماني ١/ ٢٦٨، و"الدر المصون" ٣/ ٣٨٩ - ٣٩٠.
(٩) (معناه وان أكله لفسق): ساقط من (ج).
(١٠) وهما الصدق والكذب.

صفحة رقم 578

ابن الأنباري (١). وكذلك قال الزجاج (٢)؛ أي: وما جَعَلَ اللهُ ذِكْرَ المَدَدِ إلّا بُشْرَى (٣).
والبُشْرى: اسم من (الإبشار)، و (التبشير) (٤).
ومضى الكلام في معنى التبشير (٥)، وسيأتي الكلام في (بُشْرى) في سورة يوسف إن شاء الله (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ﴾ فلا تجزع من كثرة العَدُوِّ (٧)، وقِلَّةِ عَدَدِكم. وإنما قال: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ﴾، ولم يقل: واطْمِئْنانًا، كما قال ﴿بُشْرَى﴾، لأن ذِكْر المَدَدِ سببٌ لاطمئنان القلوب، ولم يكن نفس الاطمئنان، وكان ذكر المَدَدِ نفس البُشْرَى.
وقال صاحب النظم (٨): هذا على تأويل: وما جعله الله إلّا لِيُبَشِّركم (٩)، ولِتَطمئنَّ به قلوبُكم.
ومن أجاز إقحام الواو -وهو مذهب الكوفيِّين (١٠) - جعلها مقحمةً في

(١) لم أقف على مصدر قوله.
(٢) في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٦٧.
(٣) ومن قال بهذا: أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ٢٩٦، والنحاس في "معاني القرآن" ١/ ٤٧١، وابن الجوزي في "الزاد" ١/ ٤٥٤.
(٤) انظر: "القاموس المحيط" ٧٤٤ (بشر).
(٥) انظر: "تفسير البسيط" عند تفسير ﴿إِنَ اَللَّهَ يُبَشِرُكِ﴾ الآية: ٣٩.
(٦) وردت لفظة (بشرى) في سورة يوسف: ١٩ ﴿قَالَ يَابُشرَى هَذَا غُلاَمٌ﴾.
(٧) في (ج): (العدد).
(٨) قد أورد قوله هذا بنصه السمينُ الحلبي في "الدر المصون" ٣/ ٣٨٩.
(٩) في (ب): (إلا بشرى لكم).
(١٠) سبق بيان مذهب الكوفيين والبصريين في موضوع زيادة الواو العاطفة. انظر: التعليق على تفسير قوله تعالى: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ﴾ [الآية ٥٠ من سورة آل عمران].

صفحة رقم 579

﴿وَلِتَطْمَئِنَّ﴾ فيكون التقدير: وما جعله الله إلا بُشْرَى لكم؛ لِتَطمئنَّ قلوبكم به.
قال: وزعم بعضهم أنَّ الواو لإضمارٍ بعده، على تأويل: (ولتطمئن قلوبكم به، جَعَل ذلك). واحتج بقوله: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا﴾ [فصلت: ١٢]، على تأويل: (وحفظًا لها، جَعَل ذلك). ومثله: قوله: ﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [الأنفال: ٤٢]، على (١) تأويل: ليقضي اللهُ أمرًا كان مفعولًا، فَعَلَ ذلك.
ونحو هذا قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥)﴾ (٢) [الأنعام: ٧٥].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ قال المفسرون: أرادَ الله تعالى: أنْ لا يَرْكَن المؤمنون إلى الملائكة، وأَعْلَمَ أنهم وإنْ (٣) حضروا وقاتلوا، فما النصر إلا من عند الله؛ ليستعينوا به [و] (٤) يَتَوَكَّلوا عليه. والإمداد بالملائكة؛ بُشرَى لهم [وطُمَأنِينة] (٥) لقلوبهم (٦)؛ لما في البَشَرِ من الضَّعْف، فأما حقيقة النصرِ والاستعلاءِ في العرب، فهو من عند الله العزيز الحكيم (٧).

(١) من قوله: (على..) إلى (.. مفعولًا): ساقط من (ج).
(٢) والتأويل هنا، على هذا الرأي: أي: وليكون من الموقنين أريناه انظر: "الدر المصون" ٥/ ٧.
(٣) في (ج): (إن) بدون واو.
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).
(٥) ما بين المعقوفين في (أ)، (ب): (بطمأنينة). والمثبت من (ج).
(٦) في (ب): (قلوبهم) بدون اللام.
(٧) انظر هذا المعنى في: "تفسير الطبري" ٤/ ٨٤

صفحة رقم 580
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية