آيات من القرآن الكريم

هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

قوله تعالى: ﴿وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ (١) أي: من العداوة والخيانة (٢). وقيل (٣): من الكفر بالله ومحمد - ﷺ -.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ قال عَطَاء (٤): يريد: ما أمرهم به مِن طاعته، وما نهاهم عنه من معصيته.
وقال السُّدِّي (٥): قد بيَّنَّا آياتهم؛ لتعرفوهم بها.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون﴾ قيل (٦): إن كنتم تعقلون موقعَ يقع (٧) البيان، ومبلغَ عائدتِهِ عليكم (٨).
وقيل (٩): إن كنتم تعقلون الفَصْلَ بينَ ما يستحقه العدوُّ، والوَلِيُّ.
١١٩ - قوله تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ﴾ الآية. مضى الكلام في (ها) مع (أنتم) عند قوله: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ﴾ [آل عمران: ٦٦].
قال الفراء (١٠): العرب إذا جاءت إلى اسمٍ مَكنيٍّ قد وُصِفَ بـ (هذا) و (هذان) و (هؤلاء)، فَرَّقوا بينَ (ها) وبين (ذا)، المَكنِيَّ بينهما، وذلك في

(١) في (ج): (وما تخفي الصدور).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٢٩٧، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٤ب.
(٣) لم أهتد إلى القائل، ولا فرق بين القولين لأنهما متلازمان.
(٤) لم أقف على مصدر قوله.
(٥) لم أقف على مصدر قوله.
(٦) قاله -بمعناه- الطبري في "تفسيره" ٤/ ٦٤.
(٧) هكذا في: (أ)، (ب). وفي (ج): مهملة من النقط وأرى أن الأصوب أن تقرأ (نفع)؛ لأنها تتناسب مع عبارة الطّبَري التالية.
(٨) ونص قول الطبري: (إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه، وتعرفون مواقع نفع ذلك منكم، ومبلغ عائدته عليكم).
(٩) لم أهتد للقائل.
(١٠) في: "معاني القرآن"، له ١/ ٢٣١. نقله عنه بنصه.

صفحة رقم 544

جهة التقريب (١)، فيقولون: (أين أنت؟) فيقول القائلُ:
(ها أنا ذا) (٢). ولا يكادون يقولون: (هذا أنا) (٣). و-كذلك-: التثنية والجمع، ومنه (٤): ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ﴾، وربَّما أعادوا (ها) فوصلوها بـ (ذا)، و (ذان)، و (أولاء) (٥)، فيقولون: (ها أنت هذا)، و (ها أنتم هؤلاء). قال الله -تعالى-: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ﴾ [النساء: ١٠٩].

(١) "التقريب" هو: أن تجعل (هذا)، و (هذه) بمثابة الأفعال الناقصة كـ (كان) وأخواتها التي تحتاج إلى تمام الخبر، وهذا من اصطلاحات الكوفيين، وقد بَيَّنَه السيوطي في: "همع الهوامع": ١/ ٢٦٤ فقال: ذهب الكوفيون إلى أن (هذا) و (هذه)، إذا أريد بهما التقريب، كانا من أخوات (كان)، في احتياجهما إلى اسمٍ مرفوعٍ وخبر منصوب، نحو: (كيف أخاف من الظلم، وهذا الخليفة قادمًا؟)، و (كيف أخاف البرد، وهذه الشمس طالعة؟)، وكذلك كل ما كان فيه الاسم الواقع بعد أسماء الإشارة لا ثاني له في الوجود، نحو: (هذا ابنُ صياد أشقى الناس)، فيعربون (هذا): (تَقْريبا)، والمرفوع اسم التقريب، والمنصوب خبر التقريب؛ لأن المعنى إنما هو عن الخليفة بالقدوم، وعن الشمس بالطلوع، وأتى باسم الإشارة تقريبًا للقدوم والطلوع. ألا ترى أنك لم تشر إليهم وهما حاضران؟ و-أيضا-، فالخليفة والشمس معلومان، فلا يحتاج تبيينهما بالإشارة إليهما. وتبين أن المرفوع بعد اسم الإشارة يخبر عنه بالمنصوب؛ لأنك لو أسقطت الإشارة لم يختل المعنى، كما لو أسقطت (كان) من: (كان زيدٌ قادمًا).
وانظر في هذا المعنى: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٢، و"تفسير الطبري" ٤/ ٦٤ - ٦٦، ١٥/ ٤١٦، و"دراسة في النحو الكوفي" ٢٣٧، و"النحو وكتب التفسير" ١/ ١٨٥.
(٢) هكذا جاء رسمها في (أ)، (ب)، وكذا وردت في "تفسير الطبري" ٤/ ٦٥، ووردت في (ج): (هاناذا). أما في الرسم الإملائي فقد اصطلح على كتابتها كالتالي: هأنذا.
(٣) في (ج): (ها أنا).
(٤) في (ج): (منه) بدون واو.
(٥) في "معاني القرآن": فوصلوها بذا وهذا وهذان وهؤلاء.

صفحة رقم 545

قال (١): وإنَّما فعلوا ذلك؛ ليفصلوا بين (التقريب) وغيره. ومعنى (التقريب) عنده: أنك لا تقصد أن تخبر (٢) عن (هذا) بالاسم (٣)، فيقولون (٤): (هذا زيد).
وإذا (٥) كان الكلام على غير تقريبٍ، وكان (٦) مع اسم ظاهر، جعلوا (ها) موصولةً بـ (ذا)؛ فقالوا (٧): (هذا زيد)، و (هذان الزيدان) (٨)، إذا كان على خَبَرٍ يكتفي كلُّ واحدٍ بصاحبه بلا [فِعْلٍ] (٩). فقد (١٠) أنشد ابنُ الأنباري (١١) على هذا قولَ أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
لَبَّيْكُما لَبَّيْكُما ها (١٢) أنا ذا لَدَيْكُما (١٣)

(١) من قوله: (قال..) إلى (فيقولون هذا زيد): هو نص قول الزجاج في "معاني القرآن" له ١/ ٤٦٣، يحكي به معنى قول الفراء في "معاني القرآن" له ١/ ٢٣١ - ٢٣٢.
(٢) في "معاني القرآن"، للزجاج الخبر. بدلًا من: (أن تخبر).
(٣) في "معاني القرآن"، للزجاج (الخبر عن هذا الاسم). وقوله: (بالاسم)؛ أي: بالاسم الظاهر، غير المكنيِّ عنه.
(٤) في (ج) و"معاني القرآن" للزجاج: (فتقول).
(٥) من قوله: (وإذا..) إلى (بلا فعل): من تتمة كلام الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٣٢ نقله عنه ببعض التصرف.
(٦) في "معاني الفراء": أو كان.
(٧) في (ب) و"معاني الفراء": (فيقولون).
(٨) في "معاني القرآن": هذا هو، وهذان هما.
(٩) ما بين المعقوفين زيادة من (ج)، و"معاني القرآن". وبقية عبارة الفراء: (والتقريب لابد فيه من فعل؛ لنقصانه، وأحبوا أن يفرقوا بذلك بين معنى التقريب وبين معنى الاسم الصحيح).
(١٠) (فقد): ساقطة من (ج).
(١١) في: "الزاهر" ١/ ٢٧٩.
(١٢): ساقطة من (ج).
(١٣) بيت من الرجز، ورد منسوبًا لأمية في "طبقات فحول الشعراء" ١/ ٢٦٦، و"الزاهر" ٢/ ٢٧٩.

صفحة رقم 546

فَجَعَل (أنا) بين (ها) و (ذا)؛ لتقريبه طاعتهما، والانقياد لأمرهما.
وقال الزَّجاجُ (١): (ها) -ههنا- تَنْبيهٌ (٢) دَخَلَ على (أنتم) و (٣) (أولاء) في معنى: (الذين)، كأنه قيل: (ها أنتم الذين تُحِبُّونَهم ولا يُحِبُّونَكم). فيكون ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ صِلَةً (٤).
قال (٥): وكُسِرت (أولاء)؛ لأن أصلها السكون، لكن الهمزة كُسِرت؛ لسكونها وسكون الألف. وإنما كان أصلُها السكون؛ لأنها بمنزلة حَرْفِ الإشارة، والحروفُ أصلها السكون.
وسنذكر الفرقَ بين (أولاء) و (أولئك) عند قوله: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ [النساء: ٩٩].
قال المفسرون: هذا خطاب للمؤمنين، أُعلِموا فيه أن منافقي أهلِ الكتابِ (٦) لا يُحِبُّونَهم، وأنهم يَصْحَبونَ هؤلاء المنافقين بالبِرِّ، والنصيحة

(١) في: "معاني القرآن" ١/ ٤٦٣. نقله عنه بمعناه
(٢) في (ج): (ها تنبيه ههنا).
(٣) (و): ساقطة من (ب).
(٤) وفي "البسيط في شرح جمل الزجاجي": ١/ ٣١٠ قال عن هذه الآية: (فيحتمل أن يكون الأصل: (أنتم هؤلاء)، فاعْتُني بحرف التنبيه فقُدِّم، وأن تكون (ها) التنبيه، ولا تكون المقرونة بالإشارة؛ كما تقول: (ها زيد قائمٌ) ولكون هذا بمنزلة قوله سبحانه ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ [آل عمران: ٦٦]).
(٥) أي: الزجاج، في المصدر السابق. نقله عنه معناه.
(٦) لم أقف على من خص المراد هنا بمنافقي أهل الكتاب، وإنما قيل في المراد: هم المنافقون، أو اليهود. وقد سبق أن ذكر المؤلف أن المعنِيَّ في هذه الآيات: اليهود والمنافقون معًا، وهو قول لابن عباس ومجاهد، وغيرهم. وقد سبق بيان مصادر هذا القول عند التعليق على شرح المؤلف لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾ [آية: ١١٨]. =

صفحة رقم 547

التي يفعلها المُحِبُّ.
قال المُفَضَّلُ (١): معنى ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾: تريدون لهم الإسلام، وهو خير الأشياء. ﴿وَلَا يُحِبُّونَكُمْ﴾؛ لأنهم يريدونكم على الكفر، وهو الهلاك.
قوله تعالى: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ﴾ أي: بالكتب كلها، وهو اسم جنس؛ كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس، أو لأن الكتاب مصدر، فيجوز أن يسمى (٢) به الجمع.
قال ابن عباس (٣): يريد: الذي أُنزل على محمد، والذي أنزل على عيسى، والذي أنزل على موسى، وهم لا يؤمنون بشيء منه؛ لأنهم (٤) يَنتحِلون (٥) التوراةَ، ولم يعلموا بما (٦) فيها.

= وممن قال بأنهم اليهود: ابن عباس -في رواية عنه- والحسن، وقتادة، ومجاهد، وابن جريج، والنحاس، والقرطبي، وابن كثير.
انظر: "تفسير مجاهد" ١٣٤، و"تفسير مقاتل" ١/ ٢٩٨، و"تفسير الطبري" ٤/ ٦٠ - ٦٤، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٤٢، و"معاني القرآن"، للنحاس ١/ ٤٦٦، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٥ أ، و"تفسير البغوي": ٢/ ٩٥، و"تفسير القرطبي" ٤/ ١٨١، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٤٢٨، و"الدر المنثور" ٢/ ١١٨ - ١١٩.
(١) قوله، في: "تفسير الثعلبي": ٣/ ١٠٥ ب.
(٢) في (ج): (نسمي).
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ عنه، والذي في: "تفسير الطبري" ٤/ ٦٥ قوله: (أي: بكتابكم وكتابهم، وبما مضى من الكتب قبل ذلك، وهم يكفرون بكتابكم، فأنتم أحق بالبغضاء منهم لكم).
وأورده السيوطي في: "الدر المنثور" ٢/ ١٢٠ وزاد نسبة إخراجه لابن إسحاق،
وابن المنذر. وانظر: "سيرة ابن هشام" ٢/ ١٨٦.
(٤) (لأنهم): ساقطة من (ب).
(٥) يقال: (انتحل كذا): أي: دان به. و (انتحل فلانٌ شِعْرَ غيره): ادَّعاه ونسبه لنفسه. و (انتحل مذهبا): انتسب إليه. انظر: "لسان العرب" ٧/ ٤٣٦٩ - ٤٣٧٠ (نحل).
(٦) في (ج): (ما).

صفحة رقم 548

وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ يقال: عَضَّ، يَعَضُّ، عَضًّا، وعَضِيضًا) (١).
قال امرؤ القَيس:
كَفَحْلِ الهِجَانِ يَنْتَحِي لِلعَضِيض (٢)
والأنامِل: جمع أَنْمُلَة (٣)؛ وهي: أطراف الأصابع (٤).
[والغَيْظُ: الإغضابُ (٥)، يقال؛ (غاظَهُ الشيءُ)؛ أي: أغضبه (٦).

(١) في (ج): (يغض غضًا وغضضا).
(٢) في (ج): (العضيض).
وهذا عجز بيت، وأوله:
له قُصْرَيا عَيْرٍ وساقا نعامةٍ
وهو في "ديوانه" ٩٧.
والقُصْرَيان: مفردهما: (قُصْرى). وهما الضلعان اللذان يليان الخصر بين الجنب والبطن، وهما آخر الضلوع. و (العَيْر): الحمار، ويغلب إطلاقه على الوحشي منه. و (فحل الهجان)؛ أي: فَحل الإبل الكريمة البيضاء، ولا يكون فحلها إلا كريمًا مثلها. و (الانتحاء): القصد، والاعتماد، والجد، وقوله: (ينتحي للعضيض)؛ أي: يعتمد ويعترض للعض.
انظر: "تهذيب اللغة" (٢٩٧٤) (قصر)، و"القاموس" (١٣٣٧ - ١٣٣٨) (نحا).
(٣) يقال: (أنْمُلَة) -بفتح الهمزة وضم الميم-، و (أنمَلَة) -بفتح الهمزة وفتح الميم-.
انظر: (نمل) في "الصحاح" ١٨٣٦، و"القاموس" (١٠٦٥)، و"المجمل" ٨٨٦، و"اللسان" ٨/ ٤٥٥٠.
(٤) انظر المصادر السابقة
(٥) (الإغضاب): ساقطة من (أ)، (ب). وفي (ج): (الأعصاب). وما أثبَتُّهُ هو الصواب.
(٦) يقال: (غاظه، وأغاظه، وغيَّظه): بمعنى واحد، والمصدر: الغيظ. انظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٢٢ (غيظ).
قال الراغب: (الغيظ: أشد الغضب، وهو: الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه). "مفردات ألفاظ القرآن": ٦١٩ (غيظ).

صفحة رقم 549

وعَضُّ الأصابع] (١)، والأنامِل، واليد (٢): مِن فِعْلِ المُغضَبِ (٣)، الذي فاته ما لا يقدر [على] (٤) أن يتداركه، أو يرى شيئًا يكرهه، ولا يقدر على أن يُغيِّره. ثم كثر استعمال (٥) [هذا] (٦) فيه، حتى استُعمِلَ مَثَلًا، مجازًا، فيقال للمُغضبِ: (هو يَعَضُّ يدَهُ غَضَبًا وحَنَقًا) (٧)، وإنْ لم يكن هناك عَضٌ. قال الشاعر:

قَدَ أَفْنَى أنامِلَهُ أَزْمُهُ فأَضْحى يَعَضُّ عَلَيَّ الوَظِيفا (٨)
(١) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).
(٢) في (ب): (ولليد).
(٣) في (ج): (الغضب).
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).
(٥) في (ج): (استعماله).
(٦) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).
(٧) قال -تعالى- عن حال من يعض على يديه ندمًا وأسفًا يوم القيامة: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٧].
(٨) البيت لصخر الغَيّ بن عبد الله الخُثَمِي الهذلي. وقد ورد منسوبًا له في: "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٢٩٩، وورد في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٧٧ (يدي)، و"اللسان" ٨/ ٤٩٥٣ (يدي)، وقالا فيه: (قال الهذلى). وروايته في هذه المصادر: (فأمسى يَعَضُّ..). وقوله: (أزْمُهُ): عَضُّهُ. من: (أزَمَ يأزِم أزْما) و (أُزوما)، فهو (آزم وأزُوم): إذا عَضَّ بالفم كلِّه عَضًّا شديدًا. و (الوظيفة): أصل استعمالها لذوات الأربع من الخيل والإبل، وهي ما استدَقَّ من الذراع أو الساقين، ففي البعير هي: ما بين الرسغ والذراع، أو بين الرسغ والساق، وجعلها الشاعر هنا للإنسان.
انظر: "الصحاح" ١٤٣٩ (وظف)، و"الفرق" لابن فارس ٦١، و"زينة الفضلاء" للأنباري ٩١، و"القاموس المحيط" (١٠٧٥) (أزم).
قال الأزهري عن معنى البيت: (أكل أصابعه حتى أفناها بالعض، فصار يعض وظيف الذراع). "تهذيب اللغة" ١/ ١٥٦ (أزم).

صفحة رقم 550

وقال أبو طالب (١):
يَعَضُّونَ غَيْظًا خلفَنا بالأَنَامِلِ (٢)
قال المفسرون (٣): وإنما ذلك لِما يَرَوْنَ من ائتلاف المؤمنين، واجتماع كلمتهم، وصَلاح ذات بَيْنِهم.
وفي الآية تقديم وتأخير؛ لأن التقدير: وإذا خَلَوْا عَضُّوا الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ عليكم.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾ خرج هذا مخرج الأمر، وليس معناه الأمرَ، لكنَّه دعاء عليهم، أمر اللهُ نَبِيَّهُ - ﷺ - بأن يَدْعُوَ عليهم بهذا (٤).

(١) واسمه: عبد مَناف -بن عبد المُطَّلِب بن هاشم، عَمُّ النبي - ﷺ -، الذي كفله بعد موت جده عبد المطلب، وكان حدِبًا على أمر النبي - ﷺ -، عطوفًا عليه، منع عنه أذى قريش، إلا اْنه لم يُسْلِم، ومات على الشرك، قبل الهجرة بثلاث سنين. انظر: "سيرة ابن هشام" ١/ ١٩٣ - ١٩٤، ٢/ ٢٥ - ٢٦.
(٢) عجز بيت، وصدره:
وقد حالفوا قوما علينا أظنَّةً
وقد ورد منسوبًا له في: "سيرة ابن هشام" ١/ ٢٨٦، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٥ ب، و"البحر المحيط" ٣/ ٤١، و"الدر المصون" ٣/ ٣٧٠.
وأول البيت في: "تفسير الثعلبي"، والبحر: (وقد صالحوا قومًا عليهم أشحة)، ولكن في: "البحر المحيط": (علينا أشحة).
والبيت من قصيدة طويلة يخاطب فيها أشراف قومه لَمّا خافهم على النبي - ﷺ -، بعد أن علا ذِكرُه وظهر أمرُه، ووقفوا منه موقف العداء، وفيها كذلك مدح للنبي - ﷺ -. انظر حول هذه القصيدة: "طبقات فحول الشعراء" ١/ ٢٤٤.
(٣) ممن قال ذلك: قتادة، والربيع، والطبري. والعبارة -هنا- عبارة الطبري. انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ٦٦ - ٦٧، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٤٦.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ٦٧.
وقال أبو الليث: (يقول: موتوا بحنقكم على وجه الدعاء والطرد واللعن، لا على وجه الأمر والإيجاب؛ لأنه لو كان على وجه الإيجاب لماتوا من ساعتهم. كما =

صفحة رقم 551

ومعنى موتِهم بِغَيْظِهم: هو أن يَدُوم غيظُهم إلى أن يموتوا، أو (١) يصير الغيظُ قاتِلَهم، وسببَ موتهم (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي: بما فيها من خير وشر. قال (٣) النحويون (٤): (ذات) تأنيث (ذو). وإذا وقَفْتَ (٥) على (ذات): فمنهم مَن يَدَعُ التَّاء على حالها؛ لكثرة ما جرى على اللسان بالتَّاء، ومنهم من يردها إلى هاء (٦) التأنيث. وهو القياس.
وقال ابن الأنباري (٧): ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، أي: بما فيها (٨) من خير وشر (٩). معناه: بحقيقة القلوب من المضمرات. فتأنيث (ذات) (١٠)

= قال في موضع آخر: ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا﴾ [البقرة: ٢٤٣]، فماتوا من ساعتهم، وههنا لم يرد به الإيجاب). "بحر العلوم": ١/ ٢٩٤ - ٢٩٥.
وذهب الضحاك إلى أن هذا يراد به الخبَر؛ أي: يخبر عنهم أنهم يخرجون من الدنيا بالموت وهم بهذه الحسرة والغيظ. انظر: المرجع السابق.
(١) في (ب): (و).
(٢) أي: أن الباء -هنا- في ﴿بِغَيْظِكُمْ﴾، إما للحال، أو للسببية.
(٣) من قوله (قال..) إلى (عليم بذات الصدور): مكرر مرتين في (أ).
(٤) هذا قول الليث في: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٩٩ (ذو)، نقله عنه المؤلف بتصرف يسير. وانظر: "اللسان" ٣/ ١٤٧٧ - ١٤٧٨ (ذو).
(٥) في (ب)، (ج): (وقعت).
(٦) في (ب): (تاء).
(٧) قوله، في: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٠٠. نقله عنه بتصرف يسير وانظر: "المذكر والمؤنث" لابن الإنباري ٢/ ٣٦٧ - ٣٦٨، و"اللسان" ٣/ ١٤٧٨ (ذو).
(٨) (أي بما فيها): ساقط من (ج).
(٩) (من خير وشر): ساقط من (ج).
(١٠) في (ج): (ذا).

صفحة رقم 552
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية