آيات من القرآن الكريم

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، قال البخاري : عن أبي هريرة رضي الله عنه :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، قال : خير الناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، والمعنى : أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال :﴿ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَتُؤْمِنُونَ بالله ﴾، قال الإمام أحمد : قام رجل إلى النبي ﷺ وهو على المنبر فقال : يا رسول الله أي الناس خير؟ قال :« خير الناس أقرأهم وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم » وعن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله ﷺ من مكة إلى المدينة. والصحيح أنه هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله ﷺ، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الآخرى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] أي خياراً ﴿ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] الآية.
وفي مسند أحمد وجامع الترمذي من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال : قال رسول الله ﷺ :« أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عزّ وجلّ » وهو حديث مشهور، وقد حسنَّه الترمذي، وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات، بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم، لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه، وفي الحديث :« وجعلت أمتي خير الأمم ».
وقد وردت أحاديث يناسب ذكرها هاهنا : عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« أعطيت سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً »، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافات البوادي.
حديث آخر : قال الإمام أحمد، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي ﷺ :« عرضت عليّ الأمم بالموسم فراثت عليّ أمتي، ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، قد ملؤا السهل والجبل، فقال : أرضيت يا محمد؟ فقلت : نعم! قال : فإن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون »، فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال :« أنت منهم »، فقام رجل آخر فقال : أدع الله أن يجعلني منهم، فقال :« سبقك بها عكاشة » «.

صفحة رقم 384

حديث آخر : قال الطبراني، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله ﷺ :« » يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب ولا عقاب «، قيل : من هم؟ قال :» هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون « ».
حديث آخر : ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة حدثه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« » يدخل الجنة من أمتي زمرة وهم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر «، قال أبو هريرة : فقام عكاشة بن حصين الأسدي يرفع نمرة عليه، فقال : يا رسول الله : ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله ﷺ :» اللهم اجعله منهم «، ثم قام رجل من الأنصار فقال مثله، فقال :» سبقك بها عكاشة « ».
حديث آخر : عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال :« » عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي؛ فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي : انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم، فقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب «، ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ﷺ، وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال :» ما الذي تخوضون فيه؟ « فأخبروه، فقال :» هم الذي لا يرقون ولا يستقرون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون «، فقام عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم، قال :» أنت منهم «، ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم، قال :» سبقك بها عكاشة « ».
حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر بن عاصم في كتاب السنن، عن محمد بن زياد : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً، مع كل ألف سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عزّ وجلّ ».

صفحة رقم 385

حديث آخر : قال أبو القاسم الطبراني : عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن ربي عزّ وجلّ وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفاً، ثم يحثي ربي عزّ وجلّ بكفيه ثلاث حثيات » فكبر عمر وقال : إن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشيرتهم، وأرجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر. قال الحافظ المقدسي في كتابه صفة الجنة : لا أعلم لهذا الإسناد علة، والله أعلم.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : عن عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال : أقبلنا مع رسول الله ﷺ حتى إذا كنا بالكديد - أو قال بقديد - فذكر حديثاً وفيه ثم قال :« وعدني ربي عزّ وجلّ أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، وإني لأرجوا أن لا يدخلوها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة »، قال الضياء : وهذا عندي على شرط مسلم.
حديث آخر : قال عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنَس عن أنَس قال :« قال رسول الله ﷺ :» إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف «، قال أبو بكر رضي الله عنه. زدنا يا رسول الله، قال :» والله هكذا «، قال عمر : حسبك يا أبا بكر، فقال أبو بكر : دعني وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا. قال عمر : إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحد، فقال النبي ﷺ :» صدق عمر « هذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به عبد الرزاق. قال الضياء : وقد رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني عن قتادة عن أنَس عن النبي ﷺ قال :» « وعدني ربي ان يدخل الجنة من أمتي مائة ألف »، فقال له أبو بكر : يا رسول الله زدنا، قال :« وهكذا »، وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك، قلت : يا رسول الله زدنا، فقال عمر : إن الله قادر على أن يدخل الناس الجنة بحفنة واحدة، فقال رسول الله ﷺ :« صدق عمر »، هذا حديث غريب من هذا الوجه.
حديث آخر : عن أنَس عن النبي ﷺ قال :« » يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً «، قالوا : زدنا يا رسول الله، قال :» لكل رجل سبعون ألفاً «، قالوا : زدنا، وكان على كثيب، فقالوا : فقال :» هكذا « وحثا بيديه، قالوا : يا رسول الله : أَبْعد اللَّهُ من دخل النار بعد هذا » «.

صفحة رقم 386

ومن الأحاديث الدالة على فضيلة هذه الأمة وشرفها وكرامتها على الله عزّ وجلّ، وأنها خير الأمم في الدنيا والآخرة ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال :« قال لنا رسول الله ﷺ :» أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة « فكبرنا، ثم قال :» أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة « فكبرنا، ثم قال :» إني لأرجوا أن تكونوا شطر أهل الجنة « ».
حديث آخر : قال الإمام أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، أن النبي ﷺ قال :« أهل بالجنة عشرون ومائة صف. هذه الأمة من ذلك ثمانون صفاً ».
حديث آخر : قال الطبراني عن أبي هريرة :« لما نزلت :﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين ﴾ [ الواقعة : ٣٩-٤٠ ] قال رسول الله ﷺ :» أنتم ربع أهل الجنة، أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة، أنتم ثلثا أهل الجنة « ».
حديث آخر : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، الناس لنا في تبع، غداً لليهود، وللنصارى بعد غد ».
فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَتُؤْمِنُونَ بالله ﴾، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح، كما قال قتادة : بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها رأى من الناس دَعَة، فقرأ هذه الآية :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، ثم قال :( من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها )، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى :﴿ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [ المائدة : ٧٩ ] الآية، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى :﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكتاب ﴾ أي بما أنزل على محمد، ﴿ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون ﴾ أي قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان.
ثم قال تعالى مخبراً عباده المؤمنين ومبشراً لهم : أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين فقال تعالى :﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾، هكذا وقع فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة ( بني قينقاع ) وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم الله، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام.

صفحة رقم 387

ثم قال تعالى :﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَ مَا ثقفوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ الله وَحَبْلٍ مِّنَ الناس ﴾، أي ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يؤمنون ﴿ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ الله ﴾ أي بذمة من الله وهو عقد الذمة لهم، وضربت الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة، ﴿ وَحَبْلٍ مِّنَ الناس ﴾ أي أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة، قال : ابن عباس :﴿ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ الله وَحَبْلٍ مِّنَ الناس ﴾ أي بعهد من الله وعهد من الناس، وقوله :﴿ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله ﴾ أي ألزموا، فالتزموا بغضب من الله وهم يستحقونه، ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المسكنة ﴾ أي ألزموها قدراً وشرعاً، ولهذا قال :﴿ ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ أي إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد، فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبداً متصلا بذل الآخرة. ثم قال تعالى :﴿ ذلك بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ أي إنما حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسول الله - وقُيِّضوا لذلك - أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله والغشيان لمعاصي الله والاعتداء في شرع الله، فعياذاً بالله من ذلك، والله عزّ وجلّ المستعان.

صفحة رقم 388
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية