آيات من القرآن الكريم

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣) }
شرح الكلمات:
﴿فَرِيقاً﴾ : طائفة١ من الحاقدين على الإٍسلام العاملين على الكيد له والمكر به وبأهله.
﴿يَرُدُّوكُمْ﴾ : يرجعوكم إلى الكفر بعد إيمانكم.
﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾ : الاستفهام للإنكار والتعجب من كفرهم بعد إيمانهم.
﴿آيَاتُ اللهِ﴾ : آيات القرآن الكريم.
﴿يَعْتَصِمْ﴾ : يتمسك بشدة.
﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ : باستفراغ الوسع في إمتثال أمره، واجتناب نهيه، وتقاته٢ هي تقواه.
﴿بِحَبْلِ اللهِ﴾ : كتابه القرآن ودينه الإسلام، لأن الكتاب والدين هما الصلة التي تربط المسلم بربه، وكل ما يربط ويشد شيئاً بآخر هو سبب وحبل.
﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ : جمعها على أخوة الإيمان ووحد ببنها بعد الاختلاف والنفرة.
﴿شَفَا حُفْرَةٍ﴾ : شفا الحفرة: حافتها وطرفها بحيث لو غفل الواقف عليها وقع فيها.

١ قالوا هم: شاس اليهودي وأصحابه الذين أثاروا الفتنة بين الأوس والخزرج ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فطاعة أعداء الإسلام من اليهود والنصارى كانت وما زالت سبب دمار أمة الإسلام.
٢ التقاء اسم مصدر اتقى يتقي إتقاءاً، وأصلها: وقي فتحرك حرف العلة فانفتح ما قبله فقلبه واواً، فصارت وقاه، وأبدلت الواو تاء فصارت تقاة.

صفحة رقم 353

أنقذكم منها: بهدايتكم إلى الإسلام وبذلك أنجاكم من النار. معنى الآيات:
بعد أن وبخ تعالى اليهود على خداعهم ومكرهم وتضليلهم للمؤمنين وتوعدهم على ذلك، نادى المؤمنين محذراً إياهم من الوقوع في شباك المضللين من اليهود فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾، وذلك أن نفراً من الأوس والخزرج كانوا جالسين في مجلس يسودهم الود والتصافي ببركة الإسلام الذي هداهم الله تعالى إليه فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فآلمه ذلك التصافي والتحابب وأحزنه بعد أن كان اليهود يعيشون في منجاة من الخوف من جيرانهم الأوس والخزرج لما كان بينهم من الدمار والخراب، فأمر شاس شاباً أن يذكرهم بيوم بعاث فذكروه وتناشدوا الشعر فثارت الحمية القبلية بينهم فتسابوا وتشاتموا حتى هموا بالقتال فأتاهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكرهم بالله تعالى وبمقامه فهدأوا، وذهب الشر ونزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ فحذرهم من مكر أهل المكر من اليهود والنصارى، وأنكر عليهم ما حدث منهم حاملاً لهم على التعجب من حالهم أو كفروا بعد إيمانهم فقال عز وجل: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ﴾ صباح مساء في الصلوات وغيرها، ﴿وَفِيكُمْ رَسُولُهُ١﴾ هادياً ومبشراً ونذيراً وأرشدهم إلى الاعتصام بدين الله وبشر المعتصمين بالهداية إلى طريق السعادة والكمال فقال: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ﴾ أي: بكتابه وسنة نبيه ﴿فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ثم كرر تعالى نداءه٢ لهم بعنوان الإيمان تأكيداً لهم به وأمرهم بأن يبذلوا وسعهم في تقوى الله عز وجل وذلك بطاعته كامل الطاعة بامتثال أمره واجتناب نهيه حاضاً لهم على الثبات على دين الله حتى يموتوا عليه فلا يبدلوا ولا يغيروا فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ٣ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ وأمرهم بالتمسك بالإسلام عقيدة وشريعة، ونهاهم عن التفرق والاختلاف وأرشدهم إلى ذكر نعمته تعالى عليهم بالألفة

١ عصمة هذه الأمة من الذنوب والسقوط في هذين الأمرين الكتاب والسنة، فمهما تمسكت أمة الإسلام بهما فإنها لا تضل ولا تسقط ولو كادها أهل الأرض أجمعون، ومهما أعرضت عنهما سقطت وهانت ولو دعمها أهل الأرض أجمعون.
٢ من مظاهر إكرا م الله تعالى للمؤمنين أن ناداهم مباشرة بيا أيها الذين آمنوا بخلاف أهل الكتاب فإنه أمر رسوله أن يناديهم إشعاراً لهم بعدم رضاه عنهم وغضبه عليهم.
٣ روى أن تقوى الله حق تقاته تتمثل في أن يطاع تعالى ولا يعصى ويشكر ولا يكفر، ويذكر ولا ينسى، وخصصتها آية التغابن: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾، إذ لا تكليف مع العجز عن القيام به.

صفحة رقم 354

والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم للإيمان والإسلام، بعد أن كانوا أعداء متناحرين مختلفين فألف بين قلوبهم فأصبحوا بها إخواناً متحابين متعاونين، كما كانوا قبل نعمة الهداية إلى الإيمان على شفا جهنم لو مات أحدهم يومئذ لوقع فيها خالداً أبداً، وكما أنعم عليهم وأنقذهم من النار ما زال يبين لهم الآيات الدالة على طريق الهداية الداعية إليه ليثبتهم على الهداية ويكملهم فيها فقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا١ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ٢ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- طاعة كثير من علماء اليهود والنصارى بالأخذ بنصائحهم وتوجيهاتهم وما يشيرون به على المسلم تؤدي بالمسلم إلى الكفر شعر بذلك أم لم يشعر، فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم.
٢- العصمة في التمسك بكتاب الله ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن تمسك بهما لم يضل.
٣- الأخذ بالإسلام جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلال، وأخيراً من الهلاك والخسران.
٤- وجوب التمسك بشدة بالدين الإسلامي وحرمة٣ الفرقة والاختلاف فيه.
٥- وجوب ذكر النعم لأجل شكر الله تعالى عليها بطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٦- القيام على الشرك والمعاصي وقوف على شفير جهنم فمن مات على ذلك وقع في جهنم حتماً بقضاء الله وحكمه.
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا

١ في الآية حرمة التفرق في الدين، ومنه التفرق في الحكم، فكلاهما محرم، لما يفضي بالمتفرقين إلى الهلاك والخسران، عرف هذا أعداء الإسلام فعملوا على تفرقة أمة الإسلام، وفرقوها مذاهب وطوائف ثم دويلات وحكومات، ثم أذلوها وأهانوها.
٢ وهذه نعمة أخرى مواصلة إنزال القرآن بالأحكام والشرائع والآداب والمواعظ والعبر، ليتم لهم كمالهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، فلله الحمد والمنة.
٣ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: "أن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً. يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".

صفحة رقم 355
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية