آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ

تصدّون عن محمد، وتمنعون من اتباعه المؤمنين به، بكتمانكم صفتَه التي تجدونها في كتبكم؟. و"محمد" على هذا القول: هو"السبيل"، ="تبغونَها عوجًا"، تبغون محمدًا هلاكًا. وأما سائر الروايات غيره والأقوال في ذلك، فإنه نحو التأويل الذي بيّناه قبل: من أن معنى"السبيل" التي ذكرها في هذا الموضع: الإسلام، وما جاء به محمد من الحقّ من عند الله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عنى بذلك.
فقال بعضهم: عنى بقوله:"يا أيها الذين آمنوا"، الأوس والخزرج، وبـ "الذين أوتوا الكتاب"، شأس بن قيس اليهودي، على ما قد ذكرنا قبلُ من خبره عن زيد بن أسلم. (١)
* * *
وقال آخرون، فيمن عُني بالذين آمنوا، مثل قول زيد بن أسلم = غير أنهم قالوا: الذي جرى الكلام بينه وبين غيره من الأنصار حتى همّوا بالقتال ووجد اليهوديّ به مغمزًا فيهم: ثعلبة بن عَنَمة الأنصاري. (٢)
*ذكر من قال ذلك:
٧٥٢٩- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا

(١) هو الأثر السالف رقم: ٧٥٢٤.
(٢) في المطبوعة: "بن غنمة"، والصواب بالعين المهملة، وهي في المخطوطة تحتها حرف"ع"، وهو الصواب.

صفحة رقم 58

الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين"، قال: نزلت في ثعلبة بن عَنمة الأنصاري، (١) كان بينه وبين أناس من الأنصار كلام، فمشى بينهم يهوديٌّ من قَيْنُقاع، فحمَل بعضَهم على بعضٍ، (٢) حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاحَ فيقاتلوا، فأنزل الله عز وجل:"إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"، يقول: إن حملتم السلاحَ فاقتتلتم، كفرتم.
٧٥٣٠- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد في قوله:"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب"، قال: كان جِماعُ قبائل الأنصار بطنين: الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حربٌ ودماء وشنَآنٌ، حتى مَنَّ الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم، وألفَّ بينهم بالإسلام. قال: فبينا رجل من الأوس ورجلٌ من الخزرج قاعدان يتحدّثان، ومعهما يهوديّ جالسٌ، فلم يزل يذكِّرهما أيامهما والعداوةَ التي كانت بينهم، حتى استَبَّا ثم اقتتلا. قال: فنادى هذا قومه وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح، وصفَّ بعضهم لبعض. قال: ورسولُ الله ﷺ شاهدٌ يومئذ بالمدينة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم، حتى رجعوا ووضعوا السلاح، فأنزل الله عز وجل القرآن في ذلك:"يا أيها الذين آمنوا إن تُطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب" إلى قوله:"عذابٌ عظيم".
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيهم ﷺ من عند الله، إن تطيعوا جماعة ممن ينتحل الكتابَ من أهل التوراة والإنجيل، فتقبلوا منهم ما يأمرونكم به، يُضِلُّوكم

(١) انظر ص ٥٨ تعليق ٢.
(٢) حمل بني فلان على بني فلان: إذا أرش بينهم وأوقع.

صفحة رقم 59

فيردّوكم بعد تصديقكم رسولَ ربكم، وبعد إقراركم بما جاء به من عند ربكم، كافرين = يقول: جاحدين لما قد آمنتم به وصدَّقتموه من الحقّ الذي جاءكم من عند ربكم. فنهاهم جَلّ ثناؤه: أن ينتصحوهم، ويقبلوا منهم رأيًا أو مشورةً، ويعلِّمهم تعالى ذكره أنهم لهم منطوُون على غِلٍّ وغِش وحسد وبغض، كما:
٧٥٣١- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين"، قد تقدّم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذَّركم وأنبأكم بضلالتهم، فلا تأتمنوهم على دينكم، ولا تنتصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداءُ الحسَدَة الضُّلال. كيف تأتمنون قومًا كفروا بكتابهم، وقتلوا رُسلهم، وتحيَّروا في دينهم، وعجزوا عَنْ أنفسهم؟ أولئك والله هم أهل التُّهَمة والعداوة!
٧٥٣٢- حدثنا المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.
* * *

صفحة رقم 60
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية