آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ

اى تدقها لم يقصدها جبار الا قصمه الله عز وجل. وما روى ان الحجاج حبس عبد الله بن الزبير رضى الله عنه فى المسجد الحرام وضرب المنجنيق على ابى قبيس ورمى به داخل المسجد وقتل عبد الله فليس ذلك إضرارا بالبيت وقصدا بالسوء لان مقصود الحجاج كان أخذ عبد الله- روى- انه ﷺ سئل عن أول بيت وضع للناس فقال (المسجد الحرام ثم بيت المقدس) وسئل كم بينهما فقال (أربعون سنة) - روى- ان الله وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور وامر الملائكة ان يطوفوا به ثم امر الملائكة الذين هم سكان الأرض ان يبنوا فى الأرض بيتا على مثاله فبنوا وامر من فى الأرض ان يطوفوا به كما يطوف اهل السماء بالبيت المعمور- وروى- ان الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام فلما اهبط آدم الى الأرض قالت له الملائكة طف حول هذا البيت فلقد طفنا حوله قبلك بألفي عام فطاف به آدم ومن بعده الى زمن نوح عليه السلام فلما أراد الله الطوفان حمل الى السماء الرابعة وهو البيت المعمور بحيال الكعبة يطوف به ملائكة السموات. وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه أول بيت بناه آدم فى الأرض فنسبة بناء الكعبة الى ابراهيم على هذه الروايات ليس لانه عليه السلام بناها ابتداء بل لرفعه قواعدها وإظهاره ما درس منها فان موضع الكعبة اندرس بعد الطوفان وبقي مختفيا الى ان بعث الله جبريل الى ابراهيم عليه السلام ودله على مكان البيت وامره بعمارته ولما كان الآمر بالبناء هو الله والمبلغ والمهندس هو جبريل عليه السلام والباني هو الخليل والتلميذ المعين له إسماعيل عليهما السلام. قيل ليس فى العالم بناء اشرف من الكعبة مُبارَكاً حال من المستكن فى الظرف لان التقدير للذى ببكة هو اى كثير الخير والنفع لما يحصل لمن حجه واعتمره واعتكف به وطاف حوله من الثواب وتكفير الذنوب وَهُدىً لِلْعالَمِينَ لانه قبلتهم ومتعبدهم ولان فيه آيات عجيبة دالة على عظيم قدرته وبالغ حكمته كما قال فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ واضحات كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الاعصار ومخالطة ضوارى السباع الطيور فى الحرم من غير تعرض لها وقهر الله تعالى لكل جبار قصده بسوء كاصحاب الفيل مَقامُ إِبْراهِيمَ اثر قدميه عليه السلام فى الصخرة التي كان عليه السلام يقوم عليها وقت رفع الحجارة لبناء الكعبة عند ارتفاعه او عند غسل رأسه على ما روى انه عليه السلام جاء زائرا من الشام الى مكة فقالت له امرأة إسماعيل عليه السلام انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الايمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شقى رأسه ثم حولته الى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقى اثر قدميه عليه وهو بدل من آيات بدل البعض من الكل وَمَنْ دَخَلَهُ اى حرم البيت كانَ آمِناً من التعرض له وذلك بدعوة ابراهيم عليه السلام رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وكان الرجل لوجر كل جريرة ثم لجأ الى الحرم لم يطلب ولذلك قال ابو حنيفة رحمه الله من لزمه القتل فى الحل بقصاص أو ردة او زنى فالتجأ الى الحرم لم يتعرض له الا انه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر الى الخروج وهذا فى حق من جنى فى الحل ثم التجأ الى الحرم واما إذا أصاب الحد فى الحرم فيقام عليه فيه فمن سرق فيه قطع ومن قتل فيه قتل قال تعالى وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ أباح لهم القتل عند المسجد الحرام إذا قاتلونا فعلى ذلك يقام

صفحة رقم 67

الحد إذا أصاب وهو فيه وإذا أصاب فى غيره ثم لجأ اليه لم يقم كما لا نقاتل إذا لم يقاتلونا او المعنى ومن دخله كان آمنا من النار. وفى الحديث (من مات فى أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا) وعنه ﷺ (الحجون والبقيع يؤخذ باطرافهما وينشران فى الجنة) وهما مقبرتا مكة والمدينة وعن ابن مسعود رضى الله عنه وقف رسول الله ﷺ على ثنية الحجون وليس بها يؤمئذ مقبرة فقال (يبعث الله تعالى من هذه البقعة ومن هذا الحرم سبعين الفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم فى سبعين الفا وجوههم
كالقمر ليلة البدر) وعنه ﷺ (من صبر على حرمكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائتى عام) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ وهم المؤمنون دون الكفار فانهم غير مخاطبين بأداء الشرائع عندنا خلافا للشافعى اى استقر لله عليهم حِجُّ الْبَيْتِ اللام للعهد والحج بالفتح لغة اهل الحجاز والكسر لغة نجد وأياما كان فهو القصد للزيارة على الوجه المخصوص المعهود يعنى انه حق واجب لله فى ذمم الناس ولا انفكاك لهم عن ادائه والخروج من عهدته مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فى محل الجر على انه بدل من الناس بدل البعض مخصص لعمومه فالضمير العائد الى المبدل منه محذوف اى من استطاع منهم وقدر وأطاق الى البيت سبيلا اى قدر على الذهاب اليه وأراد به قدرة سلامة الآلات والأسباب فالزاد والراحلة من اسباب الوصول وهذه القدرة تتقدم على الفعل والاستطاعة التي هى شرط لوجوب الفعل هى الاستطاعة بهذا المعنى لا الاستطاعة التي هى شرط حصول الفعل وهى لا تكون إلا مع الفعل لانها علة وجود الفعل وسببه فلا تكون الا معه فالاستطاعة الاولى شرط الوجوب والثانية شرط حصول الفعل وَمَنْ كَفَرَ وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا لتاركه اى من لم يحج مع القدرة عليه فقد قارب الكفر وعمل ما يعمله من كفر بالحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وعن عبادتهم وحيث كان من كفر من جملتهم داخلا فيها دخولا أوليا اكتفى بذلك عن الضمير الرابط بين الشرط والجزاء قال رسول الله ﷺ (من لم يحبسه حاجة ظاهرة او مرض حابس او سلطان جائر ولم يحج فليمت ان شاء يهوديا او نصرانيا) وانما خص هذين لان اليهود والنصارى هم الذين لا يرون الحج ولا فضل الكعبة. واعلم انه لا يؤثر الإكثار من التردد الى تلك الآثار إلا حبيب مختار- روى- عن على بن الموفق رحمه الله انه حج ستين حجة قال فلما كنت بعد ذلك فى الحجر أفكر فى حالى وكثرة تردادى الى ذلك المكان ولا أدرى هل قبل حجى او لا نمت فرأيت قائلا يقول يا ابن الموفق هل تدعو الى بيتك الا من تحب فاستيقظت وقد سرى عنى. ففيه اشارة الى ان من لم يحج مع القدرة عليه فقد ترك عن الدعوة الى ضيافة الله تعالى ولا يترك عنها الا من لا استحقاق له بها. وفيه تقبيح لحاله حيث لم يجتهد فى تحصيل الاستعداد بل اقام على البغي والفساد واقتضت حكمة الله تعالى توقان النفس كل عام الى تلك الأماكن النفيسة والمعاهد المقدسة المحروسة لاجابة دعوة ابراهيم عليه السلام حيث قال فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ اى تحن قال رسول الله ﷺ (أفضل الأعمال ايمان بالله ورسوله ثم جهاد فى سبيله ثم حج مبرور) قيل مغفرة الذنوب بالحج ودخول الجنة به مترتب على كون

صفحة رقم 68

جميع أنحاء ما تأتونه ويقطع أسبابه بالكلية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ اى تصرفون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دينه الحق الموصل الى السعادة الابدية وهو التوحيد وملة الإسلام مَنْ آمَنَ مفعول تصدون كانوا يفتنون المؤمنين ويحتالون لصدهم عنه ويمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم ويقولون ان صفته ﷺ ليست فى كتابهم ولا تقدمت البشارة به عندهم تَبْغُونَها بحذف الجار وإيصال الفعل الى الضمير اى تبغون لها لان البغي لا يتعدى الا الى مفعول يقال بغيت المال والضمير للسبيل وهو يذكر ويؤنث اى تطلبون سبيل الله التي هى أقوم السبل عِوَجاً اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة بان تلبسوا على الناس حتى توهموهم ان فيها عوجا بقولكم ان شريعة موسى لا تنسخ وبتغييركم صفة رسول الله ﷺ عن وجهها ونحو ذلك والجملة حال من فاعل تصدون. والعوج بكسر العين وفتحها الميل والانحراف لكن المكسور يختص بالمعاني والمفتوح بالأعيان تقول فى دينه وكلامه عوج بالكسر وفى الجدار والقناة والشجر عوج بالفتح وَأَنْتُمْ شُهَداءُ حال من فاعل تصدون باعتبار تقيده بالحال الاولى اى والحال انكم شهداء تشهدون بانها سبيل الله لا يحوم حولها شائبة اعوجاج وان الصد عنها إخلال وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ اى من الصد عن سبيله وكتمان الشهادة لنبيه. ولما وبخ اهل الكتاب بصد المؤمنين نهى المؤمنين عن اتباع هؤلاء الصادين فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً طائفة وانما خص فريقا لان منهم من آمن مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ قوله كافرين مفعول ثان ليردوكم على تضمين الرد معنى التصيير. قال عكرمة نزلت فى شاس ابن قيس اليهودي رأى منتدى محتويا على زخام من أوس وخزرج فغاظه ألفتهم فارسل شابا ينشدهم اشعار يوم بغاث وكان ذلك يوما عظيما اقتتل فيه الحيان المذكوران وكان الظفر فيه للاوس فنعر عرق الداء الدفين فتشاجروا فاخبر النبي عليه السلام فخرج يصلح ذات بينهم وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ انكار وتعجب وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ اى القرآن وَفِيكُمْ رَسُولُهُ والمعنى من اين يتطرق إليكم الكفر والحال ان القرآن المعجز يتلى عليكم على لسان الرسول غضا طريا وبين أظهركم رسول الله ينبهكم ويعظكم ويزيح شبهكم فالعدول عن الايمان والدخول فى الكفر مع تحقق هذه الأمور ابعد واعجب وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ اى ومن يتمسك بدينه الحق الذي بينه بآياته على لسان رسوله عليه السلام وهو الإسلام والتوحيد المعبر عنه فيما سبق بسبيل الله فَقَدْ هُدِيَ جواب الشرط. وقد لافادة معنى التحقق كأن الهدى حصل فهو يخبر عنه حاصلا ومعنى التوقع فيه ظاهر فان المعتصم به تعالى متوقع للهدى كما ان قاصد الكريم متوقع للندا اى وفق وارشد إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى المطلوب. واعلم ان ظاهر الخطاب مع اهل الكتاب وباطنه مع العلماء السوء الذين يبيعون الدين بالدنيا ولا يعملون بما يعلمون فهم الذين يكفرون بما جاء به القرآن من الزهد فى الدنيا والورع والتقوى ونهى النفس عن الهوى وإيثار ما يفنى على ما يبقى والاعراض عن الخلق والتوجه الى الحق وبذل الوجود لنيل المقصود والله شهيد على ما تعملون حاضر معهم ناظر

صفحة رقم 70
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية