آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ

يَخَافُ عُقُوبَتَهُ، ومَنْ حَجَّهُ لاَ يَرْجُو ثَوَابَهُ، فَهُوَ ذَلِكَ» «١»، وقال بمعنى هذا الحديثِ ابْنُ عبَّاس وغيره، وقال السُّدِّيُّ وجماعة مِنْ أهْل العلْم. معْنَى الآيةِ: مَنْ كَفَر بأنْ وَجَد ما يَحُجُّ به، ثم لَمْ يَحُجَّ، قال السُّدِّيُّ: مَنْ كان بهذه الحالِ، فهو كافرٌ «٢»، يعني: كُفْرَ مَعْصية، ولا شكَّ أنَّ مَنْ أنعم اللَّه علَيْه بمالٍ وصحَّة، ولم يَحُجَّ، فقد كَفَر النِّعْمَةَ، وقال ابنُ عُمَر وجماعةٌ: معنى الآيةِ: ومن كَفَر باللَّه واليومِ الآخِرِ، قال الفَخْر «٣» : والأكثرون هم الذين حَمَلُوا الوعيدَ على مَنْ ترك اعتقادَ وُجُوبَ الحجِّ، وقال الضَّحَّاك: لما نَزلَتْ آية الحَجِّ، فأعْلَمِ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بذَلِكَ أَهْلَ المِلَلِ، وقَالَ: «إنَّ اللَّه تعالى كَتَبَ عَلَيْكُمْ الحَجُّ، فحُجُّوا»، فَآمَنَ بِهِ المُسْلِمُونَ وَكَفَرَ غَيْرُهُم «٤» فَنَزَلَتِ الآيةُ، قَالَ الفَخْرُ «٥» : وهذا هو الأقوى، واللَّه أعلم. اهـ.
ومعنى قوله تعالى: غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ: الوعيدُ لِمَنْ كفر، والقَصْدُ بالكلامِ: فَإنَّ اللَّه غنيٌّ عنهم، ولكن عمَّم اللفظ ليَبْرَعَ المعنى، وتنتبه الفِكَرُ لقدرته سبحانه، وعظيم سلطانه، واستغنائه عن جميعِ خَلْقِهِ لا ربّ سواه.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٨ الى ١٠١]
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)
وقوله عزّ وجلّ: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ. هذه الآياتُ: توبيخٌ لليهود المعاصرين للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والكتابُ: التوراةُ، وآياتُ اللَّه يحتملُ أنْ يريدَ بها القُرآن، ويحتملُ العلاماتِ الظاهرةَ على يَدَيِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقوله

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٣٦٨) رقم (٧٥٠٩)، عن أبي داود نفيع.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ١٠١)، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٤٨٠). [.....]
(٣) ينظر: «مفاتيح الغيب» (٨/ ١٣٥).
(٤) أخرجه الطبري (٧/ ٤٩- ٥٠) برقم (٧٥١٦)، وسعيد بن منصور رقم (٥١٥). كلاهما من طريق جويبر عن الضحاك به.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ١٠١)، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٥) ينظر: «مفاتيح الغيب» (٨/ ١٣٥).

صفحة رقم 81

سبحانه: وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ وعيدٌ محض، قال الطبريّ «١» : هاتان الآيتان:
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وما بعدهما إلى قوله: وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: ١٠٥]، نزلَتْ بسبب رَجْلٍ من اليهودِ، حاول الإغراء بَيْن الأوس والخَزْرَج، قال ابنُ إسْحَاق: حدَّثني الثِّقَةُ عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَم، قال: مَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ اليَهُودِيُّ، وكان شَيْخاً قَدْ عَسَا فِي الجَاهِلِيَّةِ عَظِيمَ الكُفْر، شَدِيدَ الضِّغْن على المُسْلمين/، والحَسَدِ لهم على نَفَرٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ، وَهُمْ في مَجْلِسٍ يتحدَّثُونَ، فغَاظَهُ مَا رآه مِنْ جماعَتِهِمْ وصَلاَحِ بَيْنِهِمْ بَعْدَ مَا كَانَ بينَهُمْ مِنَ العَدَاوَةِ، فَقَالَ:
قَدِ اجتمع مَلأ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ البِلاَدِ، واللَّهِ، مَا لَنَا مَعَهُمْ، إذَا اجتمع مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ، فَأَمَر فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: اعمد إلَيْهِمْ، واجلس مَعَهُمْ، وَذَكِّرْهُمْ يَوْمَ بُعَاثَ، وَمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَيَّامِ حَرْبِهِمْ، وَأَنْشِدْهُمْ مَا قَالُوهُ مِنَ الشِّعْرِ فِي ذَلِكَ، فَفَعَلَ الفتى، فَتَكَلَّمَ القَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَتَفَاخَرُوا، وَتَنَازَعُوا حتى تَوَاثَبَ رَجُلاَنِ مِنَ الحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكَبِ أوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ مِنَ الأَوْسِ، وَجَبَّارُ بْنُ صَخْر مِنَ الخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلاَ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ، وَاللَّهِ، رَدَدْنَاهَا الآنَ جَذَعَةً، فَغَضِبَ الفَرِيقَانِ، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا، السِّلاَحَ السِّلاَح! مَوْعِدُكُمُ الظَّاهِرَةُ، يُرِيدُونَ: الحَرَّةَ، فَخَرَجُوا إليها وتحاوز النَّاسُ على دَعْوَاهُمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الجاهليّة، وبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ المُهَاجرِينَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، اللَّه اللَّه، أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ «٢»، وَوَعَظَهُمْ، فَعَرَفَ القَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَأَلْقُوا السِّلاَحَ، وَبَكَوْا، وَعَانَقَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً مِنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وانصرفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَاسِ بْنِ قيسٍ، وما صَنَعَ هذه الآيات.
وقال الحَسَنُ وغيره: نزلَتْ في أحْبَار اليَهُود الَّذِينَ يَصُدُّون المُسْلِمِينَ عَنِ الإسلام، ويَقُولُون: إن محمَّداً ليس بالموصُوفِ في كتابنا «٣».
قال ع «٤» : ولا شَكَّ في وقوعِ هَذيْن الشيئَيْن، وما شاكَلَهما مِنْ أفعال اليهودِ وأقوالِهِمْ، فَنَزَلَتِ الآياتُ في جميعِ ذلك، ومعنى «تَبْغُونَ» أي: تطلبون لها الاعوجاجَ

(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٣٧١).
(٢) ينظر: «السيرة النبوية» (٢/ ١٩٧- ١٩٨). والحديث أخرجه الطبري (٤/ ١٦) بسنده.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٣٧٥).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٨١).

صفحة رقم 82
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية