
العذاب ببدر على هذا القول، وهو قول عطاء عن ابن عباس. ودليل القول الأول قوله:
٥٤ - ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ أخبر أن ميعاد عذابهم جهنم، وأنها تحيط بجماعتهم، فلا تبقي منهم أحدًا إلا دخلها (١).
ثم أخبر أن تلك الإحاطة متى تكون، فقال:
٥٥ - ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ قال ابن عباس: هذا مثل قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١] وقوله: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ﴾ الآية [الزمر: ١٦] (٢).
وقوله: ﴿وَيَقُولُ﴾ الموكل بعذابهم، يقول لهم (٣): ﴿ذُوقُوا﴾ ومن قرأ بالنون (٤) فلأن ذلك لما كان بأمره سبحانه جاز أن يُنسب إليه. وجوازه على هذا المعنى؛ لأن القديم سبحانه لا يكلمهما (٥).
(٢) "تفسير مقاتل" ٧٤ ب، حيث ذكر الآية الثانية.
(٣) يقول لهم مكررة في نسخة: (ب). وفي "تفسير مقاتل" ٧٤ ب: يقول الخزنة لهم.
(٤) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: ﴿وَنَقُولُ﴾ بالنون، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: ﴿وَيَقُولُ﴾ بالياء. "السبعة في القراءات" ٥٠١، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤٣٦، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٤٣.
(٥) في إطلاق لفظ القديم على الله -عز وجل- خلاف؛ لكون لفظ القديم لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ولم يتكلم به السلف من الصحابة والتابعين، وإنما سمى الله نفسه بالأول والآخر، وهو أبلغ لدلالته على القدم، وأنه لم يسبقه شيء، بل ولم يماثله شيء، وعلى ذلك فلا يصح إطلاق القديم على الله تعالى باعتبار أنه من أسمائه، وإن كان يصح الإخبار عنه بذلك؛ لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء. "مجموع الفتاوى" ١/ ٢٤٥، و"حاشية لوامع الأنوار البهية" ١/ ٣٨، من كلام =

وقيل: ﴿ذُوقُوا﴾ لوصول الألم إلى المعذب، كوصول الذوق إلى الذائق. ومعنى: ﴿مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: جزاء، كما قال:
دونك ما جنيتَه فاحسُ وذُق (١)
تنبيه: تكليم الله تعالى لعباده في الآخرة ثابت بنصوص كثيرة في الكتاب والسنة، يكلمهم الله تعالى للحساب والجزاء، ويستوي في هذا الخلق كلهم إلا أقوامًا شاء الله تعالى أن يحرمهم ذلك، تنكيلًا وزيادة في العذاب؛ فمن الأدلة على عموم التكليم وشموله قول الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥] وقوله: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٧] ومن السنة، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان" الحديث أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، رقم (٧٤٤٣)، "فتح الباري" ١٣/ ٤٢٣، ومسلم ٢/ ٧٠٣، رقم (١٠١٦).
ومن الأدلة على حرمان أقوام من تكليم الله لهم، قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٤] ومن السنة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب اليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر". أخرجه مسلم ١/ ١٠٢، كتاب: الإيمان، رقم (١٠٧)، والنسائي ٥/ ٨٦، كتاب الزكاة، رقم (٢٥٦٢). وتكليم الله تعالى لأهل النار في هذه الآية ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ توبيخ وتقريع لأهل النار؛ كقوله تعالى: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ الآيات [المؤمنون: ١٠٨ - ١١١]. والله أعلم. ملخص من: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية ١٣/ ١٣١، وما بعدها. "ودرء تعارض العقل والنقل" ٢/ ١٤١، وما بعدها. و"العقيدة السلفية في كلام رب البرية" تأليف: يوسف الجديع. ص: ٩٠، وما بعدها.
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤٣٦، بنصه. ولم ينسب البيت، وفي الحاشية: لم نعثر عليه.