
ثم أوعد بالمصير إليه فقال: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها لأجازيكم عليها؛ لأن فائدة الإخبار هنا: المجازاة عليها. والمعنى: أن طاعة الله في البر بالأم عمل صالح، [وطاعة الأم بالشرك بالله عن شيء يجازي الله عليها من عمل بأجرها] (١).
٩ - وقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ قال مقاتل: لندخلنهم مع الصالحين الجنة (٢). وقال ابن جرير: أي في مُدخل الصالحين؛ وهو: الجنة (٣).
وقال صاحب النظم: تأويله: لندخلنهم الجنة في زمرة الصالحين. وهو من باب الاختصار. والمراد بالصالحين: الأنبياء والأولياء (٤).
١٠ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في قصة عياش بن أبي ربيعة أسلم وهاجر، فلما ضرب على الإسلام وعوقب ارتد ورجع إلى الكفر (٥).
(١) ما بين المعقوفين هكذا كتب في النسختين؛ ولعل الصواب -والله أعلم-: وطاعة الأم بالشرك بالله عمل سيئ يجازي الله عليها من عمل بها.
(٢) "تفسير مقاتل" ٧٠ ب.
(٣) تفسير ابن جرير ٢٠/ ١٣٢. وقد ذكره عنه بنصه الثعلبي ٨/ ١٥٦ ب.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٣٠٣٧، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وذكره بنصه الثعلبي ١٥٦ ب، ولم ينسبه.
(٥) "تفسير مقاتل" ٧١ أ، في خبر طويل. و"تنوير المقباس" ٣٣٢، مختصرًا. وذكره =

وهو معنى قوله. ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ يعني: ضرب إخوته وأمه إياه ليفتنوه عن دينه، وهو قوله تعالى: ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾.
وقال مقاتل: يقول: جعل عذاب الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة (١).
وقال أبو إسحاق: جزع من عذاب الناس، كما يجزع من عذاب الله (٢).
وقال صاحب النظم: أي جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس، كما يطيع الله من خاف عذابَه، وفي نزول هذه الآية قول آخر؛ قال مجاهد: نزلت في أناس يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم أو أموالهم افتتنوا، فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة (٣). ونحو هذا قال السدي ومقاتل؛ قال: هو المنافق إذا أوذي في
(١) "تفسير مقاتل" ٧١ أ.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٦١.
(٣) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ١٣٢، وابن أبي حاتم ٩/ ٣٠٣٧، وذكره الثعلبي ١٥٦ ب.

الله رجع عن الدين وكفر (١).
قال أبو إسحاق: وينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله -عز وجل- (٢).
قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ ابتداء كلام آخر على القول الأول (٣)، وهو: إخبار عن المنافقين. قال مقاتل: ثم استأنف: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ يعني: دولة للمؤمنين (٤).
وقال ابن عباس: نصر لأولياء الله وأهل طاعته (٥).
﴿لَيَقُولُنَّ﴾ يعني: المنافقين للمؤمنين ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ على عدوكم (٦). وعلى القول الثاني يتصل قوله: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ بما سبقه. وهو اختيار صاحب النظم؛ أخرج ﴿مِنْ﴾ موحدًا في أول الآية، وأخرجه مخرج الجمع في قوله: ﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ موحد مرةً على اللفظ، وجُمع مرةً على المعنى. وكذلك القراء يختلفون في الوقف عند قوله: ﴿كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ فهو عند نافع تمام، وعند غيره ليس بتمام؛ لاتصاله بما قبله (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٦١.
(٣) أي: على القول بأنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة.
(٤) "تفسير مقاتل" ٧١ ب.
(٥) في "تنوير المقباس" ٣٣٢: فتح مكة.
(٦) "تفسير مقاتل" ٧١ ب.
(٧) هكذا في النسختين: لاتصاله بما قبله؛ وهو خطأ؛ والصواب: لاتصاله بما بعده. قال النحاس: ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ عن نافع تم، قال غيره: والتمام ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾. "القطع والائتناف" ٢/ ٥١٩