آيات من القرآن الكريم

يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

بعض مطالب المشركين التعجيزية الإتيان بمعجزات حسية واستعجال بالعذاب
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٥٠ الى ٥٥]
وَقالُواأُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤)
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥)
البلاغة:
أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ تحضيض.
آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ طباق.
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لإفادة القصر عليهم لا غيرهم.
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ إطناب بذكر العذاب مرات بقصد الإرهاب والتشنيع على المشركين.
لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ أي بهم، بوضع الظاهر موضع المضمر.

صفحة رقم 14

المفردات اللغوية:
وَقالُوا: أُنْزِلَ عَلَيْهِ أي قال كفار مكة: هلا أنزل على محمد آياتٌ مِنْ رَبِّهِ مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى. قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ قل يا محمد لهم: إنما الآيات ينزلها الله كيف يشاء، ولست أملكها، فآتيكم بما تقترحونه. وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي ليس من شأني إلا إنذار أهل المعصية بالنار بما أعطيت من الآيات.
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ آية لما طلبوا أو اقترحوا. الْكِتابَ القرآن. يُتْلى عَلَيْهِمْ تدوم تلاوته عليهم، فهو آية ثابتة مستمرة لا انقضاء لها، يتحداهم، بخلاف سائر الآيات. إِنَّ فِي ذلِكَ الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة مبينة. لَرَحْمَةً لنعمة عظيمة. وَذِكْرى عظة وتذكرة. لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لمن همهم الإيمان دون التعنت.
قُلْ: كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يشهد بصدقي. يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ويعلم حالي وحالكم. وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وهو ما يعبد من دون الله. أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ بقولهم: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال ٨/ ٣٢]. وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى معلوم محدد لكل عذاب أو قوم. لَجاءَهُمُ الْعَذابُ عاجلا. وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً فجأة، في الدنيا كوقعة بدر، وفي الآخرة عند نزول الموت بهم.
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بوقت إتيانه. يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ في الدنيا. وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب. يَوْمَ يَغْشاهُمُ ظرف لكلمة (محيطة) ويَغْشاهُمُ يصيبهم. مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ أي من جميع جوانبهم. وَيَقُولُ الله أو الملك الموكل بالعذاب. ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي جزاءه، فلا تفوتونا.
سبب النزول: نزول الآية (٥١) :
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارمي في مسنده وأبو داود عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتب كتبوها، فيها بعض ما سمعوه من اليهود،
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم»، فنزلت: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ.

صفحة رقم 15

وأخرج البخاري عند تفسير الآية قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن»
أي يستغني به عن غيره.
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن الحارث الأنصاري قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي صلّى الله عليه وسلّم بكتاب فيه مواضع من التوراة، فقال: هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك، فتغير وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تغيرا شديدا لم أر مثله قط، فقال عبد الله بن الحارث لعمر: أما ترى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
فقال عمر: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيّا، فسرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنا حظكم من النبيين، وأنتم حظي من الأمم».
المناسبة:
بعد بيان كون القرآن منزلا من عند الله، وليس من عند محمد صلّى الله عليه وسلّم، ذكر الله تعالى شبهة للمشركين وهي أنهم قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إنك تقول: إنه أنزل إليك كتاب كما أنزل إلى موسى وعيسى، أفلا تأتينا بآية أو معجزة مادية محسوسة كما أتى بذلك الأنبياء السابقون كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى؟ فأجابهم الله تعالى بقوله: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ أي ليس من شرط الرسالة الآية المعجزة، والله إن أراد ينزلها، وإن لم يرد لا ينزلها، وكفى بالقرآن آية فهو معجزة ظاهرة باقية، والله شهيد عليم يحكم بين عباده.
وبعد بيان الطريقين في إرشاد الفريقين: المشركين وأهل الكتاب، أعلن الله تعالى الإنذار الشامل العام بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ولما أنذروا بالخسران أوضح تعالى أن العذاب لا يأتيهم بسؤالهم أو استعجالهم، وإنما له أجل مسمى اقتضته حكمته وارتضته رحمته.

صفحة رقم 16

التفسير والبيان:
وَقالُوا: أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ أي وقال المشركون تعنتا وتعجيزا وعنادا: هلا أنزل على محمد آية حسية مادية، مثل الآيات التي أنزلت على الأنبياء المتقدمين، كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى، تكون دليلا على صدقه، ومعجزة تثبت أنه رسول من عند الله!! فأجابهم الله تعالى بقوله:
قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي قل يا محمد لهم:
إنما أمر إنزال الآيات وإرسال المعجزات إلى الله تعالى، فلو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم، لأن ذلك سهل عليه، يسير لديه، ولكنه سبحانه يعلم أنكم قصدتم بطلبكم التعنت والامتحان، فلا يجيبكم إلى مطلبكم، كما قال:
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً، فَظَلَمُوا بِها [الإسراء ١٧/ ٥٩].
وإنما بعثت نذيرا لكم بيّن الإنذار من عذاب شديد إذا بقيتم على كفركم، لا الإتيان بما تقترحون، فعلي أن أبلغكم رسالة الله تعالى، وليس علي هداكم، إنما الهدى على الله الذي قال: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً [الإسراء ١٧/ ٩٧] وقال: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [البقرة ٢/ ٢٧٢].
ثم أبان الله تعالى كثرة جهلهم وسخافة عقولهم، حيث طلبوا آيات تدل على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم فيما جاءهم، مع إنزال القرآن عليه، فقال:
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ أي أما يكفيهم دليلا على صدقك أنا أنزلنا عليك الكتاب العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم، ونبأ ما بعدهم، وحكم ما بينهم، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، ولم تخالط أحدا

صفحة رقم 17

من أهل الكتاب، وقد جئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى، وأبنت الصواب فيما اختلفوا فيه، كما قال: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى [طه ٢٠/ ١٣٣].
أخرج الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
قُلْ: كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً أي قل يا محمد لهم: كفى الله عالما وحكما عدلا بيني وبينكم، فهو أعلم بما صدر منكم من التكذيب، وبما أقول لكم وأبلغكم به من أوامر وإنذارات وبما أرسلني به إليكم، فلو كنت كاذبا عليه لانتقم مني، كما قال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة ٦٩/ ٤٤- ٤٧] وإنما أنا صادق فيما أخبرتكم به، ولهذا أيّدني بالمعجزات الواضحات، والدلائل القاطعات.
يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية، يعلم جميع ما هو كائن ويكون في السموات والأرض، ومن جملة علمه: أنه يعلم حالي وحالكم، من صدقي وتكذيبكم وإنكاركم.
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي والذين صدقوا بما يعبد من دون الله من الأوثان والأصنام ونحوها، وجحدوا بوجود الله أو توحيده، مع توافر الأدلة على الإيمان به، أولئك هم الخاسرون في صفقتهم، حيث اشتروا الكفر بالإيمان، وسيجزيهم الله يوم القيامة على ما فعلوا، ويعاقبهم على ما صنعوا من تكذيب برسل الله، مع قيام الأدلة على صدقهم، وإنكار للحق، واتباع للباطل من الإيمان بالطواغيت والأوثان بلا دليل.

صفحة رقم 18

وقوله: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ يقتضي الحصر، أي من أتى بالإيمان الباطل والكفر بالله، فهو خاسر، وكل من آمن بالباطل، فقد كفر بالله.
ثم أخبر الله تعالى عن جهل المشركين وحماقتهم في استعجالهم إيقاع عذاب الله بهم، فقال:
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ، وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ، وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي ويتعجل كفار قريش نزول العذاب بهم، كما حكى تعالى عنهم: وَإِذْ قالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال ٨/ ٣٢].
ولولا كون العذاب محددا بوقت معلوم، ولولا ما حتم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة، لجاءهم العذاب قريبا سريعا كما استعجلوه، وسوف يأتيهم بالتأكيد فجأة، وهم لا يحسون بمجيئه، بل يكونون في غفلة عنه.
ثم أكد تعالى طلبهم نزول العذاب بقوله:
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ أي يطلبون منك حدوث العذاب، وهو واقع بهم لا محالة، وإن جهنم ستحيط بهم من كل جانب.
ثم وصف تعالى كيفية إحاطة العذاب بقوله:
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَيَقُولُ: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي يوم يعمهم العذاب من كل الجوانب، ويقال لهم تقريعا وتوبيخا: ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا من كفر ومعاصي، كما قال تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الأعراف ٧/ ٤١] وقال سبحانه: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر ٣٩/ ١٦]

صفحة رقم 19

وقال عز وجل: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ [الأنبياء ٢١/ ٣٩] وقال تعالى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر ٥٤/ ٤٨].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- طلب المشركون من النبي صلّى الله عليه وسلّم معجزة مادية محسوسة، مثل عصا موسى وناقة صالح ومائدة عيسى، على سبيل العناد والمكابرة، لا على سبيل التوصل بحسن نية إلى الإيمان بالله عز وجل وتوحيده.
٢- كان الرد القرآني المفحم عليهم أنه: ألا يكفيهم هذا الكتاب المعجز الذي قد تحداهم الله بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه، فعجزوا. ولو أتاهم بآيات موسى وعيسى لقالوا: سحر ونحن لا نعرف السحر، والكلام مقدور لهم، ومع ذلك عجزوا عن المعارضة. وليس من شرط الرسالة وجود المعجزة، فقد علمنا وجود رسل كشيث وإدريس وشعيب، ولم تعلم لهم معجزة.
٣- والقرآن رحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، رحمة في الدنيا باستنقاذهم من الضلالة، وفي الآخرة بصرفهم عن النار، وهو أيضا ذكرى في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق، ومعجزة باقية يتذكر بها كل إنسان على ممر الزمان. فيكون القرآن أتم من كل معجزة، لأنه باقي الأثر، والمعجزات المادية لم يبق لها أثر، ولأنه بلغ خبره المشرق والمغرب وسمعه كل أحد، والمعجزات المادية محصورة في مكان واحد.
٤- يقال للمكذبين: كفى بالله شهيدا يشهد للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالصدق في ادعائه أنه رسول، وأن هذا القرآن كتابه. وهذا إنذار وتهديد يفيد تقريرا وتأكيدا.
٥- قوله تعالى: يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي لا يخفى عليه شيء:

صفحة رقم 20

احتجاج على المكذبين في صحة شهادة النبي صلّى الله عليه وسلّم عليهم، لأنهم أقروا بعلم الله الشامل، فلزمهم أن يقرّوا بشهادته.
٦- إن المشركين أو الكفار الذين يؤمنون بالباطل وهو إبليس أو بعبادة الأوثان والأصنام، ويكفرون بالله لتكذيبهم برسله، وجحدهم لكتابه، وإشراكهم به الأوثان، وإضافة الأولاد والأضداد إليه، هم الخاسرون أنفسهم وأعمالهم في الآخرة. وهذا يشمل أهل الكتاب، لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولا بأن القرآن منزل من عند الله تعالى، فدل ذلك على أن الآية إنذار عام شامل.
٧- قال المشركون لفرط الإنكار والإمعان في الكفر: عجل لنا هذا العذاب الذي توعدنا به، كما قال النضر بن الحارث وأبو جهل فيما أخبر القرآن: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال ٨/ ٣٢] وقالا: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [ص ٣٨/ ١٦].
٨- اقتضت الحكمة الإلهية رحمة بالناس وإعطائهم فرصة كافية للإصلاح والتوبة تأخير العذاب إلى أجل محدد ووقت معين وهو يوم القيامة، فلكل عذاب أجل لا يتقدم ولا يتأخر، بدليل قوله تعالى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ [الأنعام ٦/ ٦٧]. وسيأتي العذاب الذي استعجلوه حتما فجأة، وهم لا يعلمون بنزوله.
٩- إن كفار قريش وأمثالهم يستعجلون نزول العذاب، وقد أعد الله لهم جهنم، وأنها ستحيط بهم لا محالة، فما معنى الاستعجال؟ وإن ذلك العذاب يصيبهم يوم القيامة من جميع جوانبهم، فإذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم، ويقال لهم من قبل الملك بأمر الله: ذوقوا ما كنتم تعملون.

صفحة رقم 21
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية