
وإنه كهانة وأساطير الأولين، هذا معنى قول ابن عباس وقتادة وغيرهما.
وقال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبي عليه السلام لا يخطّ بيمينه ولا يقرأ كتاباً، فنزلت هذه الآية.
قال مجاهد: ﴿إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون﴾ أي: إذاً لقالوا إنما هذا شيء تعلمه محمد ﷺ وكتبه، ويعني بالمبطلين: كفار قريش. فكأنّ كونه لا يقرأ ولا يكتب، ثم أتاهم بأخبار الأنبياء، والأمم دليل على نبوته وأن ذلك/ من عند الله جل ذكره.
قوله تعالى ذكره: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم﴾ إلى قوله جلّ ذكره وثناؤه: ﴿وَهُوَ السميع العليم﴾.
قال الحسن: معناه بل القرآن آيات ظاهرات في صدور المؤمنين بمحمد ﷺ.
وقرأ قتادة: " أية بيّنة " بالتوحيد على معنى بل النبي بينة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.

وفي حرف عبد الله " بل هو آيات " أي: بل آيات القرآن آيات بينات.
وقال ابن عباس والضحاك وابن جريج: كان الله جلّ ذكره أنزل بشأن محمد ﷺ في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم وجعل لهم آية فقال: إن آية نبؤته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتاباً ولا يخطه بيمينه. والمعنى: بل العلم بأنه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العالمين من أهل الكتاب.
وروي ذلك أيضاً عن قتادة. وهو اختيار الطبري.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الظالمون﴾ أي: ما يجحد نبوة محمد وينكر العلم به إلاّ الذين ظلموما أنفسهم يكفرهم بالله ونبيه.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله﴾. أي: وقال المشركون من قريش: هلاّ أنزل على محمد ﷺ آيات من ربّه. وهوقولهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى

تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً} إلى قوله: ﴿كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ﴾ [الإسراء: ٩٠ - ٩٣].
هذا على قراءة من جمع، ويؤكد الجمع أن بعده: ﴿قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله﴾ فوجب أن يكون السؤال مثل الجواب، ويؤكده أيضاً أن الخط بالتاء. فأما من قرأ آية، معناه: هلاّ أنزل على محمد آية تكون حجة علينا كالناقة لصالح، والمائدة لعيسى، ويؤكد التوحيد أجماعهم على التوحيد في يونس: ﴿لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ﴾. وفي الرعد: ﴿آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله﴾ أي: لا يقدر على الإتيان بها إلاّ الله.
﴿وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي: أنذركم بأس الله وعذابه مبين لكم إنذاره.

ثم قال تعالى ذكره: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ﴾ أي: أوَ لم يكفِ هؤلاء القائلين لولا أنزل عليه من ربه من الآيات والحجج أنّا أنزلنا عليك الكتاب يقرأ عليهم.
﴿إِنَّ فِي ذلك لَرَحْمَةً وذكرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي: إن في هذا الكتاب لرحمة للمؤمنين وذكرى يتذكرون به ويتعظون.
ويروى أن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين استحسنوا أشياء من بعض كتاب أهل الكتاب.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السماوات والأرض﴾ أي: قل يا محمد لهم: كفى الله بيننا شهيداً لأنه يعلم المحق من المبطل، ويعلم ما في السماوات والأرَ ولا يخفى عليه فيهما شيء.
ثم قال تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ بالباطل﴾ أي: بالشرك.
﴿وَكَفَرُواْ بالله﴾ أي: جحدوا توحيد الله فعبدوا معه غيره.
﴿أولئك هُمُ الخاسرون﴾ أي: المغبونون في صفقتهم.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب﴾ أي: يستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون بالعذاب، وهو قولهم: ﴿اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ﴾ إلى قوله " ﴿أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢].

﴿وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ العذاب﴾ أي: لولا أن لهم وقتاً يستوفونه لجاءهم العذاب عاجلاً.
﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً﴾ أي: فجأة وهم لا يشعرون بوقت مجيئه.
هذا كله معنى قوله قتادة.
ثم قال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين﴾ أي: محدقة بالكافرين ولم يبق لهم إلا دخولها.
قال عكرمة: هو البحر محيط بهم.
ثم قال: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ قال قتادة: في النار أي: جهنم محيطة بالكافرين في هذا اليوم.
فلا يوقف على " بالكافرين " على هذا التأويل.
ويجوز أن ينتصب على واذكر يوم يغشاهم فيبتدئ به على هذا القول.
﴿وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: جزاء عملكم.
وأصل الذوق باللسان ولكن اتسع فيه فاستعمل في كل شيء يصل إلى البدن منه ألم أو لذة.

ثم قال تعالى: ﴿ياعبادي الذين آمنوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ أي: أنها لم تضق عليكم، فغيروا الموضع الذي لا يحل لكم فيه المقام، ولكن إذا عمل في مكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره فأهربوا منها قاله ابن جبير.
وقال عطاء: إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا إن أرضي واسعة.
وقال مجاهد: إن أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا.
وقال ابن زيد: يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين.
وقال مُطَرِّف بن الشِّخِّير: معناه إن رزقي لكم واسع، أي: فابتغوه في

الأرض.
وقيل: المعنى: ما خرج لكم من أرضي من الرزق واسع لكم.
وقيل: المعنى: إن أرض الجنة واسعة فأعبدوني حتى أعطيكموها.
وقوله: ﴿فَإِيَّايَ فاعبدون﴾ أي: أخلصوا لي عبادتكم.
ثم قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت﴾ أي: أخلصوا لي العبادة فإنكم لا بد لكم من الموت والرجوع إليّ فأجازيكم على أعمالكم وإخلاصكم.
ثم قال تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجنة غُرَفَاً﴾.
أي: والذين صدقوا بكتبي ورسلي وعلموا الأعمال الصالحة لنسكننهم غرفاً جارية من تحتها الأنهار في الجنة.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: دائمين فيها.
﴿نِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾ أي: نعم الجزاء جزاء العاملين بطاعة الله الجنة.
ومن قرأ: لَنثوِيّنهم " فمعناه: لنعطينهم ولننزلنهم.

حكى الفراء: بوأته منزلاً وأثويته منزلاً بمعنى: وأصل الثواء الإقامة.
ومعنى: ﴿مِن تَحْتِهَا﴾ أي من تحت أشجارها.
ثم قال تعالى: ﴿الذين صَبَرُواْ﴾ أي: على أذى المشركين في الدنيا. ﴿وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي: في أرزاقهم وجهاد عدوهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ هذا تعزية للمؤمنين المهاجرين الذين فارقوا أموالهم في الله، فقيل لهم: وكم من دابة لا تحمل رزقها ولا تدخره من اليوم إلى غد؟ الله يرزقها، فلا تخافوا أنتم عيلة ولا فقراً، فإن الله رازقكم.
﴿وَهُوَ السميع العليم﴾ لأقوالكم: نخشى بفراقنا أَوْطَانَنَا الفقر والعيلة.
﴿العليم﴾ بما في أنفسكم وتصير إليه أموركم. وليس يدخر من جميع الحيوان إلا الإنسان والنملة والفأرة.
وهو من الحمالة، أي: لا تحملم لنفسها رزقها، وليس هو من الحمل على الظهر ونحوه.