آيات من القرآن الكريم

قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]

وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر الدليل على أن القرآن من عند الله وليس بمفترى من عند محمد صلى الله عليه وسلم- أردف هذا شبهة أخرى لهم، وهى أنهم طلبوا من النبي ﷺ أن يأتى لهم بمعجزة محسوسة كما أتى بذلك الأنبياء السابقون كناقة صالح وعصا موسى، فأجابهم بأن أمر ذلك إلى الله لا إليه، فلو علم أنكم تهتدون بها لأجابكم إلى ما طلبتم، ثم بين سخف عقولهم وطلبهم الآيات الدالة على صدقه بعد أن جاءهم بالمعجزة الباقية على وجه الدهر وهى القرآن يتلى عليهم آناء الليل وأطراف النهار، فيه خبر من قبلهم ونبأ من بعدهم وحكم ما بينهم، وفيه بيان الحق ودحض الباطل، وفيه ذكرى حلول العقاب بالمكذبين والعاصين ثم أبان أن الله شهيد على صدقه وهو العليم بما فى السموات والأرض، ثم هدد الكافرين بأن كل من يكذب رسل الله بعد قيام الأدلة على صدقهم، ويؤمن بالجبت والطاغوت فقد خسرت صفقته، وسينال العقاب من ربه جزاء وفاقا على جحوده وإنكاره.
أخرج الدارمي وأبو داود عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتب قد كتبوها فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال النبي ﷺ «كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم»

صفحة رقم 8

فنزلت «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ» الآية.
وأخرج البخاري عند تفسير الآية قوله ﷺ «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن»
أي يستغن به عن غيره.
وعن عبد الله ابن الحرث الأنصاري قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي ﷺ بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك، فتغير وجه رسول الله ﷺ تغيرا شديدا لم أر مثله قط، فقال عبد الله بن الحارث لعمر: أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، فسرّى عن رسول الله ﷺ وقال: لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتمونى لضللتم، أنا حظكم من النبيين، وأنتم حظى من الأمم» أخرجه عبد الرزاق.
الإيضاح
(وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) أي وقال كفار قريش تعنتا وعنادا:
هلا أنزل على محمد آية من الآيات التي أنزل مثلها على رسل الله الماضين كناقة صالح وعصا موسى وأشباههما من المعجزات المحسوسة التي ترى رأى العين، فيكون ذلك أقبل لدى النفوس وأدهش للعقول، فتلجئ إلى التصديق بمن تظهر على يده المعجزة.
فأمره الله أن يجيبهم بقوله:
(قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ) أي قل لهم: إنما أمر الآيات ونزول المعجزات إلى لله، ولو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى ما سألتم، لأن ذلك سهل يسير عليه، ولكنه يعلم أنكم إنما قصدتم بذلك التعنت والامتحان، فهو لا يجيبكم إلى ما طلبتم كما قال سبحانه «وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها».
(وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي وليس من شأنى إلا الإنذار بما أوتيت من الآيات، لا الإتيان بما اقترحتموه منها، فعلىّ أن أبلغكم رسالة ربى وليس علىّ هداكم كما قال:

صفحة رقم 9

«مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً» وقال. «لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
ثم بين سبحانه سخفهم وجهلهم، إذ كيف يطلبون الآيات مع نزول القرآن عليهم فقال:
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) أي أما كفاهم دليلا على صدقك أنزلنا الكتاب عليك، يتلونه ويتدارسونه ليل نهار، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ولم تخالط أحدا من أهل الكتاب، وقد جئتهم بأخبار ما فى الصحف الأولى، وبينت الصواب فيما اختلفوا فيه كما قال: «أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى».
ثم بين فضائل هذا الكتاب ومزاياه فقال:
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي إن فى هذا الكتاب الباقي على وجه الدهر- لرحمة لمن آمن به، ببيان الحق وإزالة الباطل، وتذكرة بعقاب الله الذي حل بالمكذبين قبلكم، وبما سيحل بهم من النكال والوبال، وبما سيكون لمن اتبع سنتهم وكذب بالآيات بعد وضوحها.
وبعد أن أقام الأدلة على صدق رسالته، وبين أن المعاندين من أهل الكتاب والمشركين لم يؤمنوا به- أمره أن يكل علم ذلك إلى الله وهو العليم بصدقه وكذبه فقال:
(قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) أي كفى الله عالما بما صدر منى من التبليغ والإنذار، وبما صدر منكم من مقابلة ذلك بالتكذيب والإنكار، وهو المجازى كلّا بما يستحق، وإنى لو كنت كاذبا عليه لا نتقم منى كما قال: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» بل إنى صادق فيما أخبرتكم به، ومن ثمّ أيدنى بالمعجزات الواضحات، والدلائل القاطعات

صفحة رقم 10
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية