آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

الصالحين في الآخرة.
وقال قتادة: أجره في الدنيا عافية وعمل صالح وثناء حسن، فلست تلقى أحداً من الملل إلاّ يرضى إبراهيم ويتولاه.
وقيل: أجره في الدنيا أن الله لم يبعث نبياً بعد إبراهيم ﷺ إلاّ من ذريته، وليس من أهل دين إلاّ (وهم) يتحلون حب إبراهيم ﷺ يدعون دينه، وذلك كله لا ينقصه من ثوابه في الآخرة، فلذلك قال: ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين﴾ أي: إن له في الآخرة منازل الصالحين. ومثله قوله تعالى:
﴿إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار﴾ [ص: ٤٦ - ٤٧]. يعني في الآخرة لم ينقصهم ما تفضل به عليهم في الدنيا من أجرهم في الآخرة شيئاً.
ثم قال تعالى: ﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة﴾ أي: واذكر لوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة، وهي إتيان الذكور.
﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العالمين﴾ أي: لم يتقدمكم أحد إلى إتيان الذكور.
قوله تعالى ذكره: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل﴾ إلى قوله: ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾.
أي: تأتون الرجال في أدبارهم، وتقطعون الطريق على المسافرين.
روي أنهم كانوا يفعلون ذلك بمن يمر بهم من المسافرين، ومن يرِدُ ديارهم من

صفحة رقم 5620

الغرباء، قاله ابن زيد.
روي أنهم كانوا - مع فسقهم - يقطعون الطريق ويقتلون ويأخذون الأمول حتى انقطعت الطريق فلا يسلكها أحد.
وقوله: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر﴾. روي عن عائشة أنه الفراط، يعني أنهم كانوا يتفارطون في مجالسهم.
" وروت أم هانئ أنها سألت النبي ﷺ عن قوله تعالى ذكره: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر﴾ قال: " كانوا يَخْذِفون أهلَ الطريقِ ويَسْخَرُونَ منهم، فهوَ المنكر الذي كانوا يأتون "، وقاله عكرمة والسدي.

صفحة رقم 5621

وقل مجاهد: المنكر هنا أنهم كانوا يجامع بعضهم بعضاً في المجالس. وهو قول قتادة وابن زيد. والحديث المروي عن النبي ﷺ أولى بالاتباع.
وروي ذلك عن ابن شهاب: " إنّ على مَنْ عمِلَ عمَلَ قومِ لوطٍ الرجم أُحْصِنَ أو لم يُحْصَن ".
قال مالك: إذا شهدَ على الفاعل والمفعول به أربعة شهداء عدول رُجما، ولا يرجمان حتى يُرى كما يرى المِرْوَد في المِكحلة أُحْصِنَا أو لم يُحْصَنَا إذا كانا قد بلغا الحُلمَ.

صفحة رقم 5622

وقد روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " اقتلوا الفاعلَ والمفعولَ بهِ ".
وقال عليّ بن أبي طالب: يحرق الفاعل والمفعول به في النار. وروي أن أبا بكر شاور علياً في هذا فأمر بحرقها.
وفعل ابن الزبير مثل ذلك في أيامه، وفعله هشام ابن عبد الملك. وقيل إنما فعلوا الحرق بعد القتل.

صفحة رقم 5623

وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ " أمر برجمِهما " وأكثر الروايات عن النبي ﷺ في ذلك " القتل لهما جميعاً " وفي بعض الحديث: " ومن وقَعَ على ذاتِ مَحْرَمٍ قاتلوهُ ".
وروى أنس أن النبي ﷺ قال: " إذا علا الذّكرَ الذّكَرُ اهتزّ العرشُ وقالت السماوات: يا ربّ مُرْنا أن نَحْصِبَهُ، وقالتِ الأرضُ: يا ربِّ مُرْنَا نَبْتَلِعَهُ، فيقولُ:

صفحة رقم 5624

دعوهُ فإنّ ممرَّهُ بي ووقوفَهُ بينَ يديَّ ".
ثم قال تعالى ذكره: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله﴾ أي: ما جاوب لوطاً قومه لما نهاهم عن المنكر، وخوفهم من عذاب الله إلاّ أن قالوا: جئنا بعذاب الله الذي توعدنا به إن كنت صادقاً في قولك.
﴿قَالَ رَبِّ انصرني عَلَى القوم المفسدين﴾ أي: قال لوط مستغيثاً لما استعجله قومه بالعذاب: يا ربّ انصرني على القوم المفسدين/.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بالبشرى﴾ أي: جاءته الملائكة من الله بالبشرى بإسحاق ومن ولده بيعقوب.
﴿قالوا إِنَّا مهلكوا أَهْلِ هذه القرية﴾ وهي: سدوم قرية قوم لوط.
﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ أي: ظالمين أنفسهم بمعصيتهم الله.
ثم قال تعالى: ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً﴾ أي: قال ذلك إبراهيم عليه السلام.
قال ابن عباس: فجادل إبراهيمُ الملائكة في قوم لوط عليه السلام أن يتركوا، فقال أرأيتم إن كان فيها عشرة أبيات من المسلمين أتتركون؟ فقالت الملائكة: ليس فيها عشرة أبيات ولا خمسة ولا أربعة ولا ثلاثة ولا اثنان، فقال إبراهيم: إن فيها لوطاً.

صفحة رقم 5625

﴿فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ أي: من الباقين في العذاب.
وقيل: المعنى كانت من الذين أبقتهم الدهور والأيام وتطاولت أعمارهم، فإنها هالكة مع قوم لوط. وحسن وصفها بلفظ المذكور، فقال من الغابرين ولم يقل من الغابرات لما كانت مع الرجال، فجعل صفتها كصفتهم.
وروي أن إبراهيم ﷺ قال للملائكة: إن كان فيهم مائة يكرهون هذا أتهلكونهم؟ قال: لا قال: فإن كان فيهم تسعون قالوا: لا، إلى أن بلغ إلى عشرين. قال: إن فيها لوطاً. قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها. روي أنه كان في المدينة أربع مائة ألف.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ﴾ أي: ساءته الملائكة بمجيئهم إليه، وذلك أنهم تضيفوه فرأى جمالهم وحسنهم فخاف عليهم من قومه، إذ قد علم أنهم كانوا يظلمون مثلهم في حسنهم وجمالهم فساؤوه بذلك.
قال قتادة: ساء ظنّه بقومه وضاق وبضيفه ذرعاً لما علم من حيث فعل قومه.
قال ابن أبي عروبة: كان قوم لوط أربعة آلاف ألف، فلما رأت الرّسل غمّه

صفحة رقم 5626

وخوفه عليهم من قومه، قالت الرسل للوط: لا تخف علينا أن يصل إلينا قومك ولا تحزن مما أخبرناك من أنا مهلكوهم، فإنا ننجيك وأهلك إلاّ امرأتك.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هذه القرية رِجْزاً مِّنَ السمآء﴾ أي: عذاباً بفسقهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً﴾ أي: أبقينا فعلتنا بهم عبرة وعظة ظاهرة لقوم يعقلون عن الله حججه وتلك الآية: اندراس آثارهم ومعالمهم. ونتبع الحجرة إياهم حيث كانوا.
ثم قال تعالى: ﴿وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾ أي: وأرسلنا إلى مديَن أخاهم شعيْباً.
فقال لهم يا قوم اعبدوا الله وحده وارجوا بعبادتكم إياه اليوم الآخر، أي: جزاء اليوم الآخر وهو يوم القيامة.
﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ﴾ أي: لا تكثروا الفساد في الأرض بمعصية الله تعالى وإقامتكم عليها.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ أي: فكذب أهل مدين شعيباً فيما جاءهم به عن الله جلّ ذكره، فإخذهم العذاب، فأصبح بعضهم على بعض جثوماً موتاً في ديارهم.
قال قتادة: أرسل شعيب مرتين إلى أمتين، إلى أهل مدين، وإلى أصحاب الأيكة، وكان شعيب من ولد مدين، وأهل مدين من ولده أيضاً، فلذلك قال: أخاهم، ولم

صفحة رقم 5627

يكن بين شعيب وأصحاب الأيكة نسب فلذلك لم يقل أخاهم.
قال قتادة: جاثمين: ميتين. وأصله المد والسكون وقطع الحركة.
ثم قال تعالى: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ﴾ نصب عاد وثمود عند الكسائي على العطف على قوله: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣] وفتنا عاداً وثموداً.
وقال الزجاج: التقدير: وأهلكنا عاداً وثموداً.
وقال الطبري: التقدير: واذكر عاداً وثموداً، وقد تبيّن لكم من مساكنهم، يعني خرابها وخلاءها منهم.
﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ﴾ أي: حسّنها لهم فتمادوا على كفرهم وتكذيبهم. ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل﴾ أي: عن سبيل الله.
﴿وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ﴾ أي: في ضلالتهم، أي: معجبين بها، يحسبون أنهم على هدى

صفحة رقم 5628

وصواب، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة.
وقيل: المعنى: كانوا قد عرفوا الحق من الباطل. فهو مثل قوله تعالى ذكره:
﴿وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤].
قال تعالى: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾. هذا معطوف على عاد على الاختلاف المتقدم.
﴿وَلَقَدْ جَآءَهُمْ موسى بالبينات﴾ أي: الآيات الواضحات. ﴿فاستكبروا فِي الأرض﴾ أي: عن التصديق بالآيات.
﴿وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ﴾ أي: فائتين بأنفسهم، بل القدرة عليهم غالبة من الله.
ثم قال تعالى: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ﴾ أي: فأخذنا جميع هذه الأمم المذكورة بذنوبهم وأهلكناهم.
﴿فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً﴾ أي: حجارة من سجيل والعرب تسمي الريح التي تحمل الحصى حاصباً. وهم قوم لوط.
﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة﴾ قال ابن عباس: هم ثمود. وقال قتادة هم قوم

صفحة رقم 5629
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية